القصة الكاملة لدخول القصر الجمهوري في السودان

في الساعات الأولى من صباح الجمعة الـ21 من مارس (آذار) الجاري شن الجيش السوداني عملية عسكرية واسعة لاستعادة السيطرة على القصر الجمهوري في الخرطوم من قوات “الدعم السريع”.
تظهر التقارير أن العملية بدأت بقصف مدفعي مكثف من مواقع الجيش في أم درمان استهدف مواقع “الدعم السريع” المتمركزة داخل القصر ومحيطه. بعد القصف التمهيدي تقدمت وحدات المشاة والمدرعات نحو القصر من محاور عدة مستفيدة من السيطرة السابقة على جسري السلاح الطبي والفتيحاب اللذين يربطان بين الخرطوم وأم درمان هذا التقدم سمح للجيش بإدخال تعزيزات وإمدادات عسكرية مباشرة إلى ساحة المواجهة.
وذكرت تقارير إعلامية أن الجيش سيطر على موقف “شروني” للحافلات المؤدي إلى القصر الجمهوري ومجمع خدمات الجمهور التابع للشرطة، مما عزز من قبضته على المناطق الحيوية في العاصمة هذه التطورات عكست تحولاً في مسار العمليات العسكرية في الخرطوم حيث يسعى الجيش إلى بسط سيطرته على المواقع الاستراتيجية في العاصمة.
استمرت المواجهات داخل القصر ساعات حيث دارت اشتباكات عنيفة بين الطرفين وواجه الجيش مقاومة من قناصة “الدعم السريع” المتمركزين في أسطح المباني المحيطة حيث أصبح القصر الجمهوري مسرحاً لأعنف المواجهات منذ اندلاع الحرب في الـ15 من أبريل (نيسان) 2023 وشن الجيش هجمات مكثفة من محاور عدة على مواقعهم حول القصر عبر طائرات مسيرة ذكر أنها تركية وصينية الصنع.
تمكن الجيش من فرض سيطرته الكاملة على القصر، مما دفع عناصر “الدعم السريع” إلى الانسحاب إلى مواقع أخرى نحو مناطق أم درمان وشرق الخرطوم ومع الانسحاب أفاد شهود عيان بحدوث عمليات نهب في الأسواق والمحال التجارية وبعد قرابة عامين من القتال أعلن الجيش السوداني استعادة القصر الجمهوري في خطوة وصفت بـ”التاريخية” وأعلن سيطرته الكاملة على القصر الرئاسي في الخرطوم إلا أن قوات “الدعم السريع” أكدت أن معركة السيطرة على مقر الحكومة لم تنته بعد وأن مقاتليها لا يزالون في المنطقة.
هذا التقدم يمكن الجيش من استخدام جسور عدة تربط بين مدن العاصمة مما يسهل حركة القوات والإمدادات في المناطق الحضرية مع ذلك وعلى رغم هذا الانتصار فلا تزال قوات “الدعم السريع” تسيطر على مناطق أخرى في السودان مثل أجزاء من دارفور مما يشير إلى أن النزاع لم يحسم بعد في ظل ما يواجهه السودان من أزمة إنسانية حادة مع تزايد أعداد القتلى والنازحين نتيجة الصراع المستمر.
تصميم القصر
تعد السيطرة على القصر الجمهوري إنجازاً استراتيجياً للجيش السوداني، نظراً إلى رمزيته السياسية وموقعه الحيوي وتعيد هذه الأحداث إلى الأذهان ما ظل يمثله القصر الجمهوري كشاهد حي على الصراع الطويل الذي شهده السودان بين إرث الاستعمار وطموحات الاستقلال متمسكاً بمكانته كرمز حي في الذاكرة الوطنية السودانية.
كما يعد القصر الجمهوري في الخرطوم أحد أبرز الرموز السيادية في السودان، وهو المقر الرسمي لرئاسة الجمهورية ويضم مكاتب أعضاء مجلس السيادة وإدارات رئاسة الجمهورية. صُمم القصر على طراز البنايات الأوروبية في القرن الـ17، مع لمسات من الطرازين الشرقي والروماني، ليجمع بين الفخامة والمعمار التاريخي مما يجعله من أبرز معالم العاصمة الخرطوم.
منذ بداية الحقبة الاستعمارية عام 1821 عندما دخل محمد علي باشا السودان تحولت الخرطوم إلى مركز السلطة الاستعمارية التركية-المصرية وظل القصر شاهداً على التحولات السياسية التي مر بها السودان. كان القصر شاهداً على بداية تلك الحقبة التي جلبت معها نقل عاصمة سلطنة الفونغ من سنار إلى ود مدني ثم إلى الخرطوم في 1830 لتصبح ملتقى النيلين ومركز النفوذ الاستعماري في السودان وقد طرأ على السودان تحول في مراكز القيادة وأسس الحكمدى عثمان بك جركس مقراً للحكم في الخرطوم.
بدأت قصة القصر عام 1825 عندما شرع الحكمدى محو بك أورفلى في بناء أول قصر من الطين الذي عرف بـ”سراي الحكمدارية” ثم جدد مرات عدة ليصبح مركزاً للحكم في السودان.
شهد القصر أيضاً تحولات كبيرة خلال الثورة المهدية عام 1885 حينما دمر على يد أنصار المهدي بعد حصار الخرطوم وهو الحدث الذي سجل مقتل الحاكم البريطاني تشارلز غردون على أحد سلالم القصر.
عقب الاستعمار البريطاني عام 1898 أعيد بناء القصر بتصميم معماري ليصبح معلماً مركزياً في الخرطوم وعام 1906 أكمل البريطاني السير فرانسيس ريجنالد ونجت توسيع المنشآت المحيطة بالقصر.
عام 2015 أضيف مبنى جديد للقصر الرئاسي أهدته الصين للسودان وصمم بشكل مشابه للقصر القديم ليكون المقر الجديد لمكتب رئيس الجمهورية وكبار القيادات في حين جرى تحويل القصر القديم إلى متحف وظل القصر رمزاً لصراع الشعب السوداني من أجل الحرية.
تعهدات الجنرالين
تعهد قائد الجيش الفريق عبدالفتاح البرهان بأنه “لن تكون هناك مفاوضات حتى يرحل هؤلاء” في إشارة إلى قوات “الدعم السريع” وقال في تشييع عسكريين قتلا في غارة بطائرة مسيرة الجمعة بمدينة القضارف شرق السودان “ما داموا يحملون السلاح ويحتلون منازل الناس ويبثون الرعب في نفوسهم كل يوم فلا كلام لنا ولا سلام معهم”.
وقال المتحدث باسم الجيش نبيل عبدالله في بيان بثه التلفزيون الرسمي “دمرت قواتنا مقاتلي العدو ومعداته بالكامل واستولت على كميات كبيرة من المعدات والأسلحة” وتعهد عبدالله بأن يواصل الجيش “التقدم على جميع الجبهات حتى اكتمال النصر وتطهير كل شبر من بلادنا من الميليشيات وأنصارها”.
وصرح المتحدث باسم الجيش السوداني أن القوات طردت “الدعم السريع” من مقر جهاز الاستخبارات الوطني وفندق “كورنثيا” في وسط الخرطوم وأعلن أن الجيش استعاد أيضاً مقر بنك السودان المركزي ومباني حكومية وتعليمية أخرى في المنطقة وأضاف أن المئات من مقاتلي قوات “الدعم السريع” قتلوا أثناء محاولتهم الفرار من العاصمة.
كما صرح قائد سلاح المدرعات بالجيش نصر الدين عبدالفتاح الجمعة الماضي أن الجيش يقترب من إتمام المرحلة الثالثة من عملياته لاستعادة ما تبقى من ولاية الخرطوم.
وعليه تحرك جنود سلاح المدرعات من مواقعهم عند جسر الحرية، الذي يربط جنوب الخرطوم بوسط المدينة، وسيطروا على مواقع رئيسة كانت تحت سيطرة “الدعم السريع”.
وقال المكتب الإعلامي لسلاح المدرعات إن “الجيش سيطر بالكامل على موقف حافلات ’شروني‘ وأبراج النيلين وجسر المسلمية التي تقع قرب القصر الرئاسي” وذكر أن قوات سلاح المدرعات انضمت إلى قوات القيادة العامة للجيش مما أدى إلى قطع آخر طريق متبق تستخدمه قوات “الدعم السريع”.
وفي الجانب الآخر تعهد قائد قوات “الدعم السريع” الفريق محمد حمدان دقلو “حميدتي” السبت في بيان مصور بثته حسابات مؤيدة في وسائل التواصل الاجتماعي بمواصلة القتال وهدد بهجمات جديدة وصرح بأن قواته لن تنسحب من القصر الرئاسي أو العاصمة الخرطوم ولوح بمهاجمة بورتسودان شرق السودان التي يتخذها الجيش مركزاً إدارياً وقاعدة لوكالات الأمم المتحدة والبعثات الدبلوماسية كذلك أعلنت قوات “الدعم السريع” أنها لا تزال متمركزة في محيط القصر وأنها شنت هجوماً أسفر عن مقتل العشرات من جنود الجيش داخله.
ومع أن استعادة القصر تمثل تقدماً استراتيجياً للجيش إلا أنها لا تعني نهاية الحرب إذ تسيطر قوات “الدعم السريع” على مناطق عدة في إقليم دارفور غرب السودان وأماكن أخرى وتعمل على تشكيل حكومة موازية في المناطق التي تسيطر عليها.
خطوة حاسمة
أشار المحلل السياسي إبراهيم شقلاوي إلى أن استعادة القصر تعد خطوة حاسمة نحو استعادة السيادة الوطنية وأوضح “منذ اندلاع الحرب اعتمدت القوات المسلحة استراتيجية الاستنزاف والتطويق الميداني لعزل ’الدعم السريع‘ وتقويض قدرتها القتالية وقد بلغت هذه الاستراتيجية ذروتها خلال عملية (العبور الكبرى) في سبتمبر (أيلول) 2024 التي أسفرت عن إحكام السيطرة على جسور العاصمة بدءاً من جسر الحلفايا وجسر النيل الأبيض وجسر الإنقاذ وصولاً إلى جسري كوبر والنيل الأزرق مما شكل ضربة قاضية لـ’الدعم السريع‘”.
وتابع قائلاً “في محاولة يائسة لكسر الحصار دفعت قوات ’الدعم السريع‘ الخميس بقواتها عبر محور فندق المريديان – معمل استاك بشارع القصر بهدف فتح ممر هرب وإعادة التموضع إلا أن الجيش كان على أهبة الاستعداد فأغلق عليها المسافة (صفر) في واحدة من أعنف المعارك داخل العاصمة”.
وأضاف “الجيش اعتمد خطة محكمة استخدم فيها الطائرات المسيرة والمدفعية الطويلة المدى، تزامناً مع اندفاع وحدات الاقتحام البري من وحدات النخبة مستفيداً من التحام قواته القادمة من المدرعات مع القيادة العامة، مما أسهم بتحييد 32 عربة قتالية مدججة بكامل أطقمها وقواتها، مما أدى إلى انهيار دفاعات ’الدعم السريع‘ تماماً”، وتابع “اتبع الجيش تكتيكات عسكرية حاسمة هي الإطباق من أربعة محاور رئيسة:
- حيث تحركت وحدات المدرعات والمشاة من المعاقيل وكرري وحطاب شمالاً.
- بينما تقدمت القوات من النيل الأبيض باتجاه جبل أولياء جنوباً وأغلقت القوات القادمة من سوبا والعيلفون الجبهة الشرقية محولة قوات ’الدعم السريع‘ إلى جيب معزول فاقد للإمداد والمناورة”.
- “أسفرت الضربة الجوية الحاسمة عن تحييد قائد ’الدعم السريع‘ المتحصن داخل القصر اللواء محمد أحمد جالي مما عجل من سقوط قواته داخل العاصمة وتزامناً مع التقدم البري سيطر الجيش على العمارة الكويتية ومبنى الحكم الاتحادي ووزارة الخارجية وشارع النيل وجسر المك نمر موسعاً نطاق السيطرة حول القصر الجمهوري”.
ضربات استباقية
أفاد متخصصون عسكريون بأن قوات المدرعات تحركت من محاور عدة باتجاه وسط الخرطوم مما يشير إلى استخدام الجيش استراتيجية متعددة الجوانب لتطويق القصر الجمهوري واستعادته، وذكر أن الوحدات المشاركة هي:
- لواء العمليات الخاصة المتخصص في حرب المدن والاقتحامات.
- والكتيبة المدرعة الرابعة التي قدمت دعماً مدرعاً للهجوم والمسؤولة عن تأمين المداخل الرئيسة.
- ووحدات الطائرات المسيرة والقوات الجوية التي نفذت ضربات استباقية دقيقة.
- وفرق الاستخبارات العسكرية التي جمعت المعلومات عن مواقع ’الدعم السريع‘.
- ووحدات الدعم اللوجيستي التي وفرت الإمدادات والذخائر للقوات المهاجمة.
ورجحت بعض المنصات أن عدد قوات الجيش السوداني في هذه العملية تراوح ما بين 5 و7 آلاف جندي شاركوا بشكل مباشر في الهجوم مع دعم لوجيستي وجوي إضافي.
حرب خاطفة
قال اللواء معاش الصادق عبدالله “استخدم الجيش السوداني الحرب الخاطفة أو حرب البرق وهي استراتيجية عسكرية تهدف إلى تحقيق نصر سريع من خلال الهجمات المفاجئة والمنسقة باستخدام القوات البرية والجوية معاً اشتهر بهذه الاستراتيجية الجيش الألماني في الحرب العالمية الثانية حين استخدمها ضد الجيش السوفياتي في معركة بربروسا واستخدمها الجيش الإسرائيلي في حرب 1967 ضد الجيشين المصري والسوري واستخدمها الجيش الأميركي في اجتياحه العراق عام 2003”.
وأوضح “اعتمد الجيش هذه الحرب لاستعادة القصر الجمهوري من قوات ’الدعم السريع‘ على مفاجأة القوات بسرعة ومباغتة وكثافة الهجوم وحركة ديناميكية مركزة لتعطيلها وشل حركتها قبل أن تتمكن من تنظيم دفاعها واستفاد الجيش من الميزة التي يتفوق فيها وهي القوة الجوية أو سلاح الطيران، إضافة إلى سلاح المسيرات الذي أثبت كفاءة منقطعة النظير”.
وأفاد اللواء “في تنفيذه الحرب الخاطفة احتاج الجيش إلى اتباع منهج تكتيكي ركز فيه على المعلومات والاستخبارات بجمع معطيات دقيقة عن مواقع ’الدعم السريع‘ داخل القصر الجمهوري وخطوط دفاعه وتحديد نقاط الضعف في التحصينات وتوزيع القوات واستخدام الطائرات المسيرة لجمع المعلومات وتحديثها في الوقت الفعلي”.
ولفت عبدالله إلى أن “الهجوم الجوي التمهيدي ركز على تنفيذ ضربات جوية دقيقة لتدمير مراكز القيادة والسيطرة التابعة لقوات ’الدعم السريع‘ داخل القصر ومحيطه، لمنعه من تعزيز دفاعاته، واستهدف مواقع القوات داخل القصر وخارجه لإضعاف دفاعاتهم قبل الهجوم البري. شن الجيش الهجوم من اتجاهات عدة (الشرق والغرب والجنوب)، مما أدى إلى تشتيتها ومنعها من تنظيم دفاع فعال، وتجنب الجيش الدخول في معارك استنزاف طويلة، واعتمد على الاختراق السريع للخطوط الأمامية، وكذلك تنفيذ عمليات اقتحام خاطفة للأماكن الحيوية داخل القصر مثل غرف القيادة والتحكم”.
أما الهجوم البري السريع والمنسق فذكر أن “الجيش استخدم القوات المدرعة والمشاة لاقتحام القصر بهدف تشتيت قوات ’الدعم السريع‘ كذلك سيطر على الاتصالات وقطع الإمدادات وفرض حصار سريع على محيط القصر لمنع أي تعزيزات، وأيضاً حرم قوات ’الدعم السريع‘ من استخدام تكتيكات حرب العصابات داخل القصر”.
وأورد “تحقيق السيطرة التامة جرت بتمشيط القصر والتأكد من القضاء على جيوب المقاومة ونشر وحدات تأمين داخله للحفاظ على السيطرة ومنع أي هجمات مضادة ثم وصولاً إلى إعلان نجاح العملية والسيطرة على القصر بشكل رسمي”.
جيش جديد
أكد المستشار القانوني لقائد “الدعم السريع” محمد المختار النور على صفحات تابعة لتلك القوات أهمية تعزيز حماية الأجواء بعد الضربات الجوية التي استهدفت المدنيين، مشدداً على أن أحد الأهداف المحورية لتشكيل “حكومة السلام والوحدة” هو ضمان سلامة المدنيين.
وأشار إلى أن “قوات ’الدعم السريع‘ استطاعت إسقاط عدد من الطائرات الحربية التابعة للجيش السوداني، التي كانت تستهدف المدن في مناطق عدة من البلاد وذلك بفضل منظومة الدفاع الجوي المتطورة التي تمتلكها، وأوضح أن الطائرات التي كانت تسبب الأذى للمدنيين وتدمر البنية التحتية جرى إبعادها عن مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، إضافة إلى مدن أخرى في المنطقة بما في ذلك العاصمة الخرطوم، وأكد أن “الجهود مستمرة لتعزيز الحماية لتشمل جميع مناطق السيطرة بهدف حماية الشعب السوداني من الغارات الجوية التي تستهدف المدنيين منذ بداية النزاع”.
وقال “في ما يتعلق بتشكيل الجيش الجديد في السودان، فإن قوات ’الدعم السريع‘ و’الحركة الشعبية‘ وغيرهما من قوات حركات الكفاح المسلح، ستشكل الأساس للجيش وهذا الأمر منصوص عليه في الدستور الموقت الانتقالي ويكون تشكيل هيكلية الجيش بناءً على التركيبة السكانية للأقاليم، لكي يشعر الجميع بأن هذا الجيش هو ملك لهم وأن القوة موزعة بين الجميع مما يسهم في تكوين جيش وطني محترف يتولى مسؤولياته في حماية حدود الوطن والدستور”.
استراتيجية “الدعم السريع”
من جانبه أشار المتخصص العسكري إسماعيل أحمد إلى أن قوات “الدعم السريع” عززت وجودها خارج دارفور مستفيدة من انحياز قوات “الحركة الشعبية- شمال” بقيادة عبدالعزيز الحلو مما أحدث تحولاً في ميزان القوى لا سيما مع سيطرة الحركة على مناطق استراتيجية في منطقتي جبال النوبة والنيل الأزرق.
وأوضح أن “العقيدة الاستراتيجية لقوات ’الدعم السريع‘ هي (الدفاع بالمقاومة المطولة) واتبعتها طوال حربها ضد الجيش السوداني وتقوم على أسس رئيسة تعكس تكتيكات حرب المدن والكر والفر”، وأضاف “هذه الاستراتيجية تعكس قدرة ’الدعم السريع‘ على القتال لفترات طويلة على رغم التفوق الناري والتنظيمي للجيش وتعتمد القوات في هذه الاستراتيجية على حرب المدن وتكتيكات المكامن باستخدام المناطق الحضرية لصالحها، واستخدمت هذه الاستراتيجية في بداية الحرب حين استيلائها على القصر الجمهوري إذ تحصنت في المباني والأزقة الضيقة لمنع تقدم القوات المدرعة للجيش وزرعت المكامن في الشوارع المؤدية إلى القصر الجمهوري مما صعب على الجيش التقدم بسلاسة”.
وأورد المتخصص العسكري “استمرت ’الدعم السريع‘ في استخدام هذه الاستراتيجية في ود مدني ودارفور فبدلاً من المواجهة المباشرة مع الجيش ركزت على استنزاف القوات المهاجمة عبر الضربات المباغتة والتراجع التكتيكي.
كذلك اعتمدت على سرعة التنقل بين الأحياء السكنية عبر الأزقة مما سمح لها بإعادة التمركز بسرعة” وتابع “خلال أحداث القصر الجمهوري حاولت قوات ’الدعم السريع‘ تطبيق تكتيكات حرب المدن التي تشمل استخدام القناصة لتأخير تقدم القوات المهاجمة ونشرت العبوات الناسفة والمفخخات في الطرق المؤدية إلى القصر، كذلك لجأت إلى حرب الأنفاق حيث عُثر على ممرات سرية داخل القصر كانت تستخدم للهرب وإعادة التمركز”.
وحسب تقديرات بعض المنصات فإن “عدد قوات ’الدعم السريع‘ التي شاركت في هذه المواجهات يراوح ما بين 3 و4 آلاف و500 مقاتل كانوا موجودين في القصر الجمهوري والمنطقة المحيطة أما عدد القوات الرئيسة داخل القصر فكان نحو 1000 مقاتل مدعومين بقناصة ومقاتلين محترفين، في حين انتشر نحو 2000 مقاتل من قوات الاحتياط القريبة من القصر في الأحياء القريبة مثل شارع الجمهورية وشارع القصر، أما فرق القناصة والمدفعية المتنقلة فكان عددها 1000 عنصر موزعين على أسطح المباني القريبة”.
وذكر أن “التجهيزات العسكرية لـ’الدعم السريع‘ تتكون من عربات مدرعة خفيفة ومدافع مضادة للطائرات استُخدمت كمدفعية أرضية، وقاذفات ’آر بي جي‘ وصواريخ مضادة للدروع وطائرات مسيرة محلية الصنع للاستطلاع والضربات السريعة”.
رمزيات القصر
قال الكاتب الصحافي أمير سليمان “للقصر الجمهوري ثلاث رمزيات:
- أولاً الرمزية السياسية باعتباره مركز السلطة صاحبة الحكم والشرعية إذ إنه كان ولا يزال بمثابة مركز القرار السياسي في السودان حيث تتركز فيه سلطة الحكومة التنفيذية وتسيطر عليه السلطة العسكرية في فترات الانقلابات كما حمل رمزية التغيير سواء بالانقلابات العسكرية أم الانتفاضات التي تؤدي إلى تغيير النظم العسكرية مثل سقوط النميري والبشير”.
وأضاف “باعتباره رمزاً للهوية الوطنية فعندما يستولى عليه من قبل قوى معارضة أو جماعات وحركات مسلحة فإن ذلك يعد مؤشراً إلى مس السيادة والتفكك السياسي”.
- أما الرمزية الثانية فقد لخصها سليمان في الرمزية الاجتماعية “كمصدر للهيبة والسلطة والوصول إلى القصر بمثابة وصول إلى القمة لارتباطه بالطبقة الحاكمة والسلطة التنفيذية والنخب السياسية”.
وقال “يمكن أن تعكس رمزية القصر أيضاً الانقسامات الاجتماعية حيث يظهر التهميش الاجتماعي والاقتصادي في البلاد ففي فترات الانقلابات والحروب الأهلية يظهر القصر كرمز للتفاوت وفي النزاعات العسكرية يبرز القصر كأداة لتحويل التطلعات الاجتماعية إلى هدف استراتيجي وقوات ’الدعم السريع‘ عندما سعت إلى الوصول إلى القصر كان كوسيلة لتحقيق مطالب اجتماعية تراوح ما بين الحصول على النفوذ إلى التأثير في توزيع السلطة وإزالة التهميش”.
- “أما الرمزية العسكرية للقصر فلأنه يعد هدفاً استراتيجياً لأي صراع عسكري فإن الوصول إلى القصر يعني إعلان السيطرة على الدولة أو القدرة على تغيير مجرى الأحداث فالسيطرة العسكرية على القصر الجمهوري تعني الحصول على الشرعية من خلال السيطرة على السلطات التنفيذية ولكنها أيضاً قد تعني مواجهة مقاومة شعبية أو انقسامات داخلية بين العسكريين والمدنيين”.
دورات متكررة
قدم الباحث عمر محمد قرشي في كتابه “إلى القصر حتى النصر” أهمية القصر الجمهوري السوداني بالخرطوم في التاريخ والهوية السودانية الأفريقية -العربية والاستعمارية حيث وصفه بأنه ضحية للاستعمار ولهيمنة ما بعد الاستعمار استوحى أحداث عمله من ثورة أكتوبر (تشرين الأول) 1964 في السودان تلك اللحظة المحورية التي سار فيها المواطنون إلى القصر الجمهوري مطالبين بإنهاء نظام الجنرال إبراهيم عبود نتيجة تدهور الظروف المعيشية، ثم شهد القصر احتجاجات عام 2018 التي أطاحت حكم الرئيس السابق عمر البشير.
وذكر أن “الصراع حول القصر كان دائماً مستمراً من أجل التحرير، ليس فقط من ديكتاتور واحد، بل من دورات متكررة من السلطة والقمع التي لازمت السودان حتى قبل الحقبة الاستعمارية. القصر نفسه، الذي بني في الأصل خلال الحكم العثماني المصري وحول في ظل الاستعمار البريطاني يقف بمثابة مقر وساحة صراع سياسي على السلطة، يخلط في كثير من الأحيان من أجل السيادة السودانية”.
وأضاف “تشير الطبيعة المتكررة لصراعات القوة هذه إلى أن تحرير السودان لا يزال غير مكتمل إذ تعوقه ليس فقط قوى خارجية بل أيضاً قضايا داخلية علينا مواجهتها”.
وتابع “كان القصر تعبيراً مقصوداً عن القوة الإمبريالية مقاماً بعناية على ضفاف النيل في قلب الخرطوم أعيد بناؤه على أسسه الأصلية بعد الثورة المهدية فأصبح رمزاً مستمراً للسيطرة.
كان الهدف من وضعه وعظمته إبراز التفوق الاستعماري وتأكيده ولكنه أصبح أيضاً مسرحاً لاستقبال القادة المحليين وغرسه في الوعي الاجتماعي”.
ويواصل “يلعب التمثيل الفوتوغرافي أيضاً دوراً حاسماً في الكشف عن الوظائف المحلية والسياسية للقصر خلال اللحظات المحورية على سبيل المثال خلال محاولة الانقلاب الفاشلة عام 1971 وضع الرئيس جعفر النميري قيد الإقامة الجبرية في القصر مما أدى إلى حملة قمع وحشية على الحركات الاشتراكية أطلق على القصر اسم ’قصر الضيافة‘ في إشارة إلى دار الضيافة حيث قتل حلفاؤه الذين حاولوا الانقلاب عليه”.
المصدر: https://goo.su/UpekIw
إنجاز وانتصار كبير للجيش السوداني
وتفاعلا مع التطورات، قال السياسي السوداني ياسر عرمان إن وصول القوات المسلحة وحلفائها إلى القصر الجمهوري بعد عامين من المعارك ومن مسافة لا تتعدى بضعة كيلومترات بحساب الجغرافيا إنجازا عسكريا يجب عدم التقليل منهم.
وأضاف أنه بوصول القوات المسلحة للقصر الجمهوري “تكون قد خاضت أهم معاركها العسكرية منذ نشأتها قبل مائة عام”.
وأكد أن دخول القصر لكي يحل الأزمة السياسية والتاريخية المستحكمة يجب أن لا يكون من بوابته الشرقية أو الغربية أو الجنوبية على أهميتها عسكريا بل المهم أن يكون الدخول إلى القصر الجمهوري سياسيا من بوابة برنامج نهضوي جديد يوفر مساومة تاريخية تحل قضايا البناء الوطني.
وأكد آدم عبدالواحد أن استعادة القصر الجمهوري “تمثل أكبر انتصار سياسي ودبلوماسي للجيش والحكومة السودانية”.
وقال المتحدث باسم “كيان غاضبون بلا حدود” محمد عثمان إن تحرير القصر الجمهوري هو إعلان ميلاد جديد للوطن الذي أرادوا اغتياله. اليوم تسقط أوهام المليشيا العميلة، وتهوي خرافة من ظنوا أن السلطة تُختطف بقوة السلاح.
وأضاف أن القصر الجمهوري “لم يكن يوما بيتا هنيئا للطغاة كان ولا يزال هو ملكا لشعب صاغ تاريخه بالدم وها هو اليوم يستعيده عنوة واقتدارا”.
وتابع “ما حدث اليوم هو تأكيد لما ظللنا نقاتل من أجله: لا مكان للخونة، ولا مأوى للمرتزقة ولا بقاء لمن باعوا السودان في أسواق الدم والموت”.
وأوضح الصحفي محمد حمدي جمعة أنه “بتطهير القصر الجمهوري وتبعا لمسار تقدمات الجيش في وسط الخرطوم من الجنوب للشمال، وبالتالي إقامة حاجز من شارع الغابة غربا إلى مدخل شارع المطار شرقا وبانتشار الجيش بالسوق العربي لا يتبقى للقوة القليلة الناجية للعدو سوى التجمع ناحية المقرن حيث تنتظر مصيرها”.
وأضاف أنه “في ظرف لا إمداد فيه أو استعواض تعبير الحصار ينطبق على هذه القوة بشكل لم يتكرر في التاريخ قريبا”.
تداعيات النصر
وعن أسباب وتداعيات النصر وإشادة بالجيش وبسالته وعرض للمستجدات قال هشام الشواني: “هذه معركة انتصرنا فيها بالصبر والتضحية والبسالة العدو الباغي لم يفهم أن معادلة القوة التي كانت لصالحه في البداية خاطئة”.
وأوضح أن سبب النصر أن “الشعب وجيشه محدد يغير كل المعادلات التآمرية الخبيثة، مؤكدا أن التاريخ سيكتب أن السوداني بعناصر تكوينه التاريخية قد انتصر وأن الشعب الذي فعل ذلك شعب عزيز كريم”.
وأشار مصطفى علي الكرادي إلى أن القوات تلتقط مليشيات الدعم السريع “زي الجراد” قائلا: “فعلا الخرطوم مقبرة الجنجويد”.
وأفاد عبدالغني نور بأن “شوارع وسط الخرطوم (القصر والجامعة والجمهورية) تمتلئ بالمئات من جثث المليشيا في هذه اللحظات بعد تدمير الجيش لعدد كبير من المركبات القتالية التي حاولت الانسحاب من قلب العاصمة وأسر عدد من المرتزقة أحياء، ومحاولات الهروب من الحصار الخانق مستمرة بطريقة عشوائية”.
وأشار إلى “هلاك كل من خرج للهروب وتضيق الحصار أكثر فأكثر عليهم بالقصر الجمهوري وخروج أكثر من 52 من ضباط وجنود مليشيا الدعم السريع من القصر الجمهوري واستسلامهم للقوات المسلحة”.
وقال الناشط السوداني ياسر مصطفى إن “ما يفعله الجيش هو شفاء للقلوب التي كسرت بغدر الجنجويد”. وأكد أن معركة القصر الجمهوري “ستبقى في ذاكرة هذا الجيل الذي خاض ويخوض معارك شرسة ضد قوى الشر التي كانت تظن أن ابتلاع الدولة السودانية نزهة”.
رمز السيادة
وعما يمثله القصر الجمهوري، دعا المستشار القانوني والناشط الحقوقي النذير أبوسيل، أحرار السودان للتهليل والتكبير وحث الحرائر على الزغردة قائلا: “اليوم يوم تحرير رمز السيادة الوطنية ومؤسسات الدولة الوطنية”.
وقال الصحفي محمود حسن، إن “السيادة والرمزية تعود إلى الدولة .. القصر الجمهوري في قبضة القوات المسلحة”.
ووصف الصحفي العراقي عثمان المختار يوم دخول الجيش السوداني القصر الرئاسي وتسببه بخسائر بالجملة لمليشيا الدعم السريع بأنه “يوم مبارك” موضحا أن الدرس السوداني للعراقيين أن المليشيات “عُمرها قصير وستُهزم حتى وإن دعمتها ومولتها دولة ما!”.
وقال أستاذ الأخلاق السياسية محمد المختار الشنقيطي إن بالسيطرة على القصر الرئاسي في الخرطوم “يحقق أحرار السودان نصرا مؤزرا على قادة الليكود العربي وعميلهم الصعلوك حميدتي”.
وتمنى العقبى لهزيمة “إخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب” قادة الليكود اليهودي في غزة العزة.
هزيمة الإمارات
وتأكيدا على أن الانتصارات التي يحققها الجيش هي هزيمة للإمارات الداعمة لمليشيات الدعم السريع، نشر المفكر العربي تاج السر عثمان رسما كاريكاتيريا يجسد صورة للبرهان وهو يعلن عن “قبر مشروع الإمارات في السودان” ويظهر فيها رئيس الإمارات وهو يبكي متسائلا: “أين ستكون الصفعة التالية”.
وأوضح الصحفي ماهر جاويش أنه “عندما يسقط وكلاء الشر، تهتز عروش من دعموهم” مؤكدا أن المستجد في السودان “كسر لأحد أضلع محور الشر وكذا مشروع التطبيع الذي يقوده نظام الإمارات؟!”
وقال: إن انتصار الجيش ودخوله القصر الجمهوري “صفعة مدوية لنظام ابن زايد الذي لم يتوقف عن تمويل الخراب في كل مكان” مضيفا أن “المأمول أن يصب هذا المستجد في خدمة الشعب السوداني الشقيق ومن ثم في خدمة قضايا الأمة”.
وتابع “رغم أن البرهان هو نموذج لعسكر العربان الذين عطّلوا التنمية وحرموا شعوبهم بحجة محاربة إسرائيل وكذبة التوازن الإستراتيجي! ولكنه ذهب إلى التطبيع معها من أجل التنمية كما زعم حينها!”.
واستطرد: “حبذا يستفيد هو ومن معه من هذا الدرس ويدرك جيدا أين مصلحة بلاده بعد هذه الأزمة الدامية التي مر بها ؟! ويميز بين معسكر أعدائه وأصدقائه فذلك من بديهيات السياسة ؟!”.
كما تساءل أحد المغردين: “أما آن لمحمد بن زايد أن يعيد النظر في سياسات الإمارات الخارجية التي أنفقت المليارات في دعم الحروب ولم تؤتِ النتائج المرجوة منها”.
وتابع تساؤلاته: “أما كانت هذه الأموال أحق بها الإماراتيون وفقراء المسلمين في العالم”.
وقال أحد المغردين: “من حسن حظ الإمارات أنها ليست جارتنا في الحدود الجغرافية لكان تم تسلمها كما تسلمنا القصر الجمهوري والإذاعة ومن حسن حظنا ربنا لم يجاورنا مع بشر حاقدين وأشرار”.
وعرض مستشار وزير الأوقاف المصري الأسبق سلامة عبدالقوي مقطع فيديو لجندي في الجيش السوداني يرفع الأذان من داخل مسجد القصر الرئاسي وسط الخرطوم قائلا: “الله أكبر ولله الحمد رفع الآذان من داخل القصر الجمهوري بالسودان هل لاحظتم إجرام عصابات الإمارات بالمسجد”.
المصدر: https://goo.su/uMjqdrJ
بعد تحرير القصر الجمهوري..
ماذا بقي للإمارات والدعم السريع في السودان؟
رغم انتصار الجيش وتحقيقه عدة قفزات على حساب الدعم السريع الذي ينسحب تدريجيا ليظل مسيطرا على غرب السودان تخشى تقديرات إعلامية أن ينتهي الأمر بتقسيم السودان فعليا خاصة مع اتهام حميدتي بتشكيل حكومة ومجلس رئاسي.
تحليل لوكالة “أسوشيتدبرس” في 21 مارس 2025 رجح أن “يُدخل الانتصار العسكري في الخرطوم الحرب إلى فصل جديد مُنشئا تقسيما فعليا للسودان إلى مناطق تُديرها القوات العسكرية وأخرى تُديرها الدعم السريع”.
وأوضح أن ما يعزز هذا رفض رئيس المجلس السيادي وقائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان الانخراط في محادثات سلام مع الدعم السريع وتصميم الأخيرة على مواصلة القتال وتشكيل حكومة مستقلة بخلاف حكومة الخرطوم.
ويزيد المخاوف احتمال انقسام تحالف القوات الشعبية العاملة مع الجيش ضد الدعم السريع، وتفاقم التوترات في هذا التحالف العسكري التابع للجيش.
حيث يحظى الجيش بدعم مجموعة من الفصائل المُسلحة بينها ألوية إسلامية وفصائل مُتنافسة تاريخيا لا يجمعها سوى هدف مُحاربة الدعم السريع.
وبخسارة الدعم السريع لمنطقة وسط السودان (القصر الرئاسي والوزارات وغيرها) ينحصر نفوذها في مناطق قليلة بالوسط ويزيد في غرب السودان بشكل أساسي.
إذ لا تزال الدعم السريع تُسيطر على مُعظم غرب السودان خاصة مُعظم إقليم دارفور.
وعززت هذه المليشيات سيطرتها في الغرب وتسيطر بشكل أساسي على إقليم دارفور الذي نشأت فيه بذرتها الأولى (قوات الجنجويد).
وحاول حميدتي تعويض خسائره وسط العاصمة (القصر الرئاسي) بالتحرك على محورين:
- الأول التركيز على دارفور ومحاولة احتلالها بالكامل حيث يسيطر على 4 أقاليم من 5 ويسعى لضم الخامس (الفاشر) وقد نجح في تحرير منطقة المالحة.
وتحتفظ الدعم السريع بالسيطرة على مناطق قليلة داخل الخرطوم وأم درمان المجاورة، لكن يتركز وجودها في غرب السودان حيث تقاتل للسيطرة على آخر معاقل الجيش في الفاشر بدارفور وتنسحب قواتها المهزومة إلى هناك.
- والثاني: التحرك على محور الانقسام السياسي عبر إعلان مجلس سيادي منفصل عن الجيش وحكومة جديدة في نفس يوم طرده من القصر الرئاسي.
حيث عيّن محمد حسن التعايشي رئيسا لمجلس السيادة ونصرالدين عبدالباري رئيسا لمجلس الوزراء والفريق سليمان صندل وزيرا للداخلية وعبدالواحد محمد نور الخارجية وأسامة سعيد حاكما لإقليم الشرق، وعبدالعزيز الحلو لإقليم كردفان.
وتحدث الصحفي السوداني الداعم لحميدتي عبد المنعم الربيع عن ترشيح حميدتي لشقيقه عبدالرحيم دقلو وزيرا للدفاع ورئيسا لهيئة الأركان “في الحكومة المدنية المتوقع إعلانها خلال الأيام القادمة” مع ترقيته من “عقيد” إلى “فريق”.
ورغم تشكيل حكومة موازية في المناطق التي تسيطر عليها من غير المتوقع أن يحظى ذلك التحرك من جانب حميدتي باعتراف دولي واسع النطاق.
ووقّعت الدعم السريع وحلفاؤها ميثاقا في فبراير/شباط 2025 في العاصمة الكينية نيروبي لإنشاء حكومة موازية في السودان.
كما تحدث البرهان عن تشكيل حكومة انتقالية مما يزيد من احتمالية تنافس حكومتين مختلفتين تسيطر كل منهما على جزء من السودان مما يُرسّخ تقسيم البلاد فعليا.
هزيمة للإمارات
تشكل خسائر مليشيا حميدتي المتتالية، وأبرزها لمنطقة وسط الخرطوم حيث القصر الرئاسي والوزارات هزيمة لداعمة الأول وهو نظام أبو ظبي ولمشروع الإمارات في السودان الذي يكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة.
وعقب دخول الجيش السوداني القصر الرئاسي وطرد قوات حميدتي عثر السودانيون على أسلحة متطورة عديدة وشكروا الإمارات على هذه “الهدايا”.
وحاولت مليشيا الدعم السريع إظهار أنها لا تزال قوية بنشر مقطع فيديو زعمت فيه تدمير طائرة من طراز سوخوي 24 في منطقة وادي سيدنا العسكرية بأمدرمان عبر طائرة مسيرة إستراتيجية زودتها بها الإمارات وفق صحفيين سودانيين.
واتهم قادة الجيش السوداني مرارا الإمارات بالوقوف وراء تمرد حميدتي وقدم السودان شكاوى للأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية ضدها.
وعقب تحرير القصر الرئاسي تحدث قائد الجيش البرهان عن “دول وأطراف تزود المتمردين بالسلاح النوعي” قائلا إنه “سيتم الكشف عنها مستقبلا”.
ورأت وزارة الخارجية السودانية في بيان استعادة القصر الرئاسي بمثابة “إسفين آخر في نعش المؤامرة الخارجية على سيادة السودان واستقراره ووحدته وعزة وكرامة شعبه” في إشارة إلى الإمارات.
ويقول حساب باسم “وزير إماراتي”: إن القيادي الفلسطيني مستشار رئيس الإمارات محمد دحلان وهو مهندس ملف السودان وصلة الوصل مع الدعم السريع قد تلقى توبيخا قاسيا بعد سقوط مليشيا حميدتي في الخرطوم.
وأشار إلى حالة من الغليان عمت داخل القصر الحاكم في أبوظبي بعد أن أحكم الجيش السوداني قبضته على القصر الجمهوري وعقد لقاء طارئا جمع رئيس الإمارات محمد بن زايد مع دحلان حيث تعرض لتوبيخ حاد من ابن زايد شخصيا.
وتحدث عن التعاقد مع شركة اللوبي الكندية “Dickens & Madison”، التي سبق أن استخدمتها الإمارات عام 2019 لتلميع صورة حميدتي لتشويه رواية الجيش السوداني في الإعلام الغربي وتصوير ما يحدث على أنه “نزاع داخلي معقد بلا طرف خارجي”.
وتحسين صورة الإمارات دبلوماسيا عبر حملات علاقات عامة ولنفي أي دور إماراتي في دعم مليشيا الدعم السريع.
المالحة ودارفور
في نفس توقيت دخول الجيش القصر الجمهوري وتحريره من الدعم السريع، أعلنت هذه المليشيا دخولها منطقة “المالحة” الإستراتيجية بولاية شمال دارفور والسيطرة عليها.
وترجع أهمية منطقة المالحة إلى أنها أقرب منطقة للفاشر خامس إقليم من أقاليم دارفور الخمسة والوحيد الذي تسيطر عليه قوات الجيش في حين يسيطر حميدتي على الأقاليم الأربعة الأخرى.
كما أن “المالحة” تقع تحت سيطرة الجيش والقوة المشتركة وسبق لها أن دعمت المدينة بقوات من القوة المشتركة ولعبت دورا في تخفيف الضغط عليها من خلال المناوشات التي تنفذها القوات المشتركة بين الحين والآخر.
لذا يرى محللون سودانيون أن سقوط المالحة يعني تضييق الخناق على مدينة الفاشر بشكل أكبر وربما سقوط الفاشر ليسيطر حميدتي بالتالي على كل دارفور وقد ينفصل بها أو يعلن بها حكومته المستقلة عن الخرطوم.
منذ أكتوبر 2024 تدور معارك بين القوة المشتركة المتحالفة مع الجيش بدارفور والدعم السريع في منطقة المالحة بولاية شمال دارفور وسط سجال تقدم وتراجع متبادل.
وحاول الجيش عن طريق هذه المنطقة شغل الدعم السريع وفك حصارها عن “الفاشر” التي تحاصرها مليشيا منذ أبريل 2023.
المصدر: https://goo.su/23dqPiH
هل اقترب الحسم العسكري الكامل في السودان؟
تعكس الانتصارات المتتالية التي يحققها الجيش السوداني على قوات الدعم السريع ترجيح ميزان القوى لصالح الجيش وفي حين توشك الحرب أن تتم عامها الثاني، فإن الحل السياسي يبدو أبعد من أي وقت مضى بينما يأمل الجيش أن يواصل الحسم العسكري.
وأدخلت محاولة انقلاب فاشلة نفذتها قوات الدعم السريع في 15 أبريل/نيسان 2023 البلاد في حرب مفتوحة شملت كل أرجاء السودان بدءا من العاصمة الخرطوم وتوسعت لتشمل إقليم دارفور وولايتي الجزيرة وسنار.
وحقق الجيش السوداني انتصارات متتالية بالسيطرة على القصر الرئاسي بالإضافة إلى التقدم في جبل موية وسنجة ليأخذ مسار الحرب في التغير بعد السيطرة على ود مدني التي تراجعت بعدها قوات الدعم السريع بوتيرة أسرع مما توقعه المراقبون وهو ما نتج عنه تحقيق انتصارات في محاور أخرى مختلفة.
وعن تقدم الجيش السوداني نحو الخرطوم واحتمالات تحقيق نصر حاسم في المعركة نشر مركز الجزيرة للدراسات ورقة تحليلية بعنوان “حرب السودان: بعد عامين من القتال.. هل من حل في الأفق؟” ناقش فيها الباحث في الشؤون الأفريقية محمد تورشين دوافع وأسباب اعتماد الجيش السوداني الخيار العسكري في حربه مع قوات الدعم السريع، رغم محاولات إقليمية ودولية الدفع باتجاه مباحثات مباشرة بين طرفي الصراع.
كيف انطلقت الحرب؟
سيظل سؤال: من أطلق الرصاصة الأولى لحرب أبريل/نيسان 2023؟، وكذلك أسباب ودوافع الحرب، علامة فارقة في تاريخ السودان الذي لم ينعم بالاستقرار قط منذ استقلاله عن بريطانيا عام 1956 لكن هذه الحرب مختلفة عن سابقاتها إذ انحصرت الحروب السابقة في أطراف البلاد كما اختلفت دوافعها وسياقاتها والفاعلين فيها عن الحرب الدائرة حاليا.
واندلعت المواجهات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 أبريل/نيسان 2023 بعد توتر وتراشق إعلامي بين الطرفين انتهى بمحاولة قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) الاستيلاء على القصر الجمهوري والقواعد العسكرية للجيش في العاصمة الخرطوم ثم توسعت المواجهات لتشمل كافة أنحاء البلاد.
وتعود علاقة حميدتي بقائد الجيش الحالي عبد الفتاح البرهان إلى عام 2003 عندما كانا يعملان وسط دارفور ثم توطدت علاقة الرجلين بعد إشراك حميدتي في المجلس العسكري الثاني وتعيينه نائبا للبرهان وإلغاء المادة الخامسة من قانون الدعم السريع لتقنين وضعها والسماح لها بتوسيع قواتها إلى نحو 100 ألف جندي.
وبدأت الخلافات في الظهور بين الرجلين بعد انقلاب أكتوبر/تشرين الأول 2021 على حكومة عبد الله حمدوك ثم الفشل في اختيار رئيس وزراء جديد وتشكيل حكومة جديدة لتبدأ بعد ذلك سلسلة من الاجتماعات واللقاءات المشتركة برعاية دولية وإقليمية مشتركة قادت إلى ما عرف بـ”مؤتمر الاتفاق الإطاري”.
نص اتفاق المؤتمر على خضوع الجيش لرئيس الوزراء ودمج كل الفصائل المسلحة في القوات المسلحة في الجيش السوداني بينما ظل الخلاف معلقا على الجدول الزمني لدمج الدعم السريع في الجيش فبينما كان قادة الجيش يريدون التخلص من حميدتي في غضون عامين كان هو يرغب في تمديدها إلى 10 سنوات لاستغلال ما يمكن من الوقت للحفاظ على إمبراطوريته الاقتصادية وتمكين موقعه في القيادة.
ولا يمكن لحميدتي عسكريا أو سياسيا أن يظل في القيادة دون رعاية قوة أكبر منه فهو لم يستوف شروط الانخراط في الكلية الحربية السودانية لعدم امتلاكه شهادة ثانوية ويحمل في سجله السياسي جرائم ارتكبها زمن الرئيس المعزول عمر البشير فضلا عن مشاركته في فض اعتصام القيادة العامة في الخرطوم.
لكن مشاركة حميدتي في عملية عاصفة الحزم ساهمت في تعزيز طموحه لحكم السودان، خاصة مع امتلاك قواته أسلحة ثقيلة وسيارات رباعية الدفع واستغلاله مناجم الذهب وتصدير كميات ضخمة منها إلى الإمارات.
وساهم نجاح الجيش السوداني في حماية قائده البرهان من الاغتيال أو الاعتقال في الأسبوع الأول من الحرب في إفشال محاولة قوات حميدتي السيطرة على السلطة، ما نتج عنه تصعيد الصراع إلى جميع مدن السودان.
وقد راهن حميدتي على ترسانته العسكرية وتفوق قواته لتوسيع رقعة الصراع وإطالة أمده من أجل صناعة أدوات ضغط تخضع الجيش للجلوس إلى طاولة المفاوضات والقبول بحفاظ حميدتي على استقلالية قواته، كما كانت قبل حرب أبريل/نيسان 2023 لكن التقديرات كانت خاطئة على ما يبدو.
وفي 26 سبتمبر/أيلول 2024 أعلن الجيش السوداني عن عملية عسكرية -وُصفت وقتها بالأكبر منذ بدء الحرب- استطاع خلالها السيطرة على ود مدني وجسري النيل الأبيض والحلفايا، وتوجها بتحقيق اختراق أكبر نحو فك الحصار عن مقر قيادته وسط الخرطوم، وعن سلاح الإشارة جنوب الخرطوم بحري إلا أن المساعي لم تكتمل بالسيطرة الكاملة على ولايتي الجزيرة والخرطوم وهو ما ينبئ بعودة الحرب إلى مراكزها التقليدية في كل من كردفان ودارفور.
مواقف القوى السياسية السودانية
السودان منذ استقلاله يدور فيه صراع بين القوى المحافظة ممثلة بالأحزاب الإسلامية وحلفائها والقوى اليسارية والقومية ممثلة بالأحزاب الشيوعية والبعثية والناصرية وحلفائها.
ويتمحور جوهر الصراع حول السلطة لكن تجلياته ومجالاته متعددة ويمكن حصرها في 3 مسائل أساسية:
- الدستور الدائم.
- وعلاقة الدين بالدولة.
- والهوية الوطنية.
لكن بعد حرب أبريل/نيسان انقسمت الأحزاب بين مؤيد للجيش ومؤيد لقوات الدعم السريع وحلفائه الخارجيين للسيطرة على البلاد أو تشكيل حكومة موازية في مناطق الدعم السريع.
وقد تطابقت أجندة الدعم السريع على سبيل المثال مع تحالف القوى المدنية والديمقراطية (تقدم) في الحرب على الجيش من أجل القضاء على وجود عناصر النظام السابق وفرض الديمقراطية والحكم المدني.
في المقابل تطلق القوى السياسية التي تقف مع الجيش على حرب أبريل/نيسان اسم “حرب الكرامة” وترى في قتال الدعم السريع قضاء على التمرد واستعادة العملية السياسية القائمة على أسس وقواعد العملية السياسية الديمقراطية إبان الفترة الانتقالية.
وازدادت الساحة السياسية تعقيدا مع ظهور تكتل جديد باسم التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة (صمود) بقيادة عبد الله حمدوك بعد اختلاف مكونات “تقدم” حول تشكيل حكومة موازية في المنفى أو دعم مساعي الدعم السريع في تشكيل حكومة موازية في مناطق حكمها.
كما أعلن قائد الجيش البرهان خطة طريق لما بعد الحرب تضمنت تشكيل حكومة حرب من كفاءات التكنوقراط لاستكمال مهام الانتقال ومساندة القوات المقاتلة للقضاء على ما تبقى من قوات الدعم السريع داعيا إلى التنافس السياسي في الانتخابات المزمع إجراؤها بعد الحرب ومؤكدا “استحالة عودة حزب المؤتمر الوطني للحكم ثانية على أشلاء السودانيين”.
الأدوار الإقليمية والدولية
تحول الصراع في السودان إلى فرصة للتنافس على النفوذ الإقليمي والدولي في المنطقة بعد سقوط نظام البشير ما بين دول خليجية سارعت للاستثمار في الزراعة والصين التي توجهت للاستثمار في النفط بينما ركزت روسيا اهتمامها على بناء قاعدة بحرية لها على البحر الأحمر.
ومع اندلاع الحرب دخلت الإمارات العربية المتحدة على خط دعم قوات الدعم السريع بينما قدمت مصر وإيران دعمهما عسكريا للقوات المسلحة. كما اتهمت قوات الدعم السريع القاهرة أحيانا بالانخراط المباشر في الحرب بسلاح الجو المصري.
وترى الإمارات في السودان فرصة متعددة الأوجه، بدءا من مناجم الذهب وميناء أبوعمامة على ساحل البحر الأحمر المرتبط بسلة الموانئ التي تسيطر عليها أبو ظبي على امتداد القرن الأفريقي.
وتحدثت الحكومة السودانية أكثر من مرة عن العثور على أسلحة إماراتية بعد الاستيلاء على معسكرات لقوات حميدتي.
في المقابل حصل الجيش السوداني على طائرات بدون طيار إيرانية الصنع من طراز “مهاجر” و”أبابيل”، وهو ما ساعد الجيش على تحقيق تقدم عسكري متسارع على قوات الدعم السريع ويساعد طهران في البحث عن ظهير إقليمي جديد وتعزيز حضورها في البحر الأحمر.
وبينما تشير تقارير إلى حصول الحكومة السودانية على تعهدات من موسكو بتقديم إمدادات عسكرية ضخمة مقابل الحصول على ضمانات مؤكدة بإقامة قاعدة روسية على سواحل البحر الأحمر، فرضت واشنطن عقوبات على قيادات الجيش السوداني وقيادات الدعم السريع على حد سواء بعد فشل المساعي الأميركية السعودية في حل الأزمة عبر منبر جدة.
السيناريوهات المحتملة
في ظل دخول الحرب عامها الثالث وإصرار الطرفين على الحسم العسكري فإن آمال الوصول إلى تسوية سياسية تبدو بعيدة المنال وتلوح في الأفق 3 سيناريوهات محتملة لانتهاء الحرب:
- الحسم العسكري: وهو السيناريو الأقرب مع تحقيق الجيش السوداني انتصارات متتالية ومتسارعة في كل من ولايتي سنار والجزيرة، بينما يُتوقع أن تظل معارك العاصمة الخرطوم الأكثر شراسة وتعقيدا باعتبارها مفتاح النصر لاستعادة بقية المناطق.
- التقسيم: في حال لم تبق قوات الدعم السريع مطاردة من الجيش في بعض مناطق دارفور فإن حميدتي سيدفع نحو إحكام سيطرته على كردفان ودارفورعلى غرار النموذج الليبي والصومالي ما يفتح بابا أوسع للتدخل الأجنبي.
- التسوية: يعتمد هذا السيناريو على قيام المجتمع الدولي والاتحاد الأفريقي بالضغط على طرفي الصراع للجلوس إلى طاولة المفاوضات، تماما كما فعلت السعودية والولايات المتحدة في منبر جدة أو كما فعلت المنظمة الحكومية الدولية للتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد)، دون أن تكون مخرجات المناسبتين محل إجماع لدى الأطراف المتصارعة.
المصدر: https://goo.su/U22Cz
السودان يطالب دعم عالم الجنوب ضد الإمارات في قضية الإبادة الجماعية
نشرت مجلة “فورين بوليسي” مقالا لأمجد فريد الطيب رئيس طاقم رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك دعا فيه عالم الجنوب إلى دعم الطلب الذي تقدم به السودان لمحكمة العدل الدولية ضد دولة الإمارات العربية المتحدة ودعمها طرفا في الحرب الاهلية السودانية والمتهم بارتكاب جرائم إبادة.
ففي 6 آذار/مارس أعلنت محكمة العدل الدولية أن السودان رفع دعوى قضائية ضد الإمارات متهما إياها بالتواطؤ في الإبادة الجماعية بدعم قوات الدعم السريع.
واتهم السودان الإمارات بتقدم دعم مستمر لقوات الدعم السريع التي تخوض حربا شرسة على السلطة ضد القوات المسلحة السودانية منذ نيسان/أبريل 2023، يعد تواطؤا في جريمة حرب.
وتشير القضية إلى جرائم موثقة ارتكبتها قوات الدعم السريع ضد قبيلة المساليت ففي الفترة ما بين أيار/مايو وحزيران/يونيو 2023 قتل ما يصل إلى 15,000 مدنيا من المساليت في غرب دارفور ونزح ما لا يقل عن 500,000 شخصا إلى تشاد وهو ما أعاد إلى الأذهان الصراع في دارفور أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين عندما ارتكبت ميليشيات الجنجويد أسلاف قوات الدعم السريع جرائم مماثلة لصالح نظام الرئيس عمر البشير.
ويتهم السودان الإمارات بانتهاك ميثاق الإبادة عبر مساعدتها قوات الدعم السريع وأعمالها الإبادة وفصلت الأدلة الجنائية بما فيها ما ورد في تقرير لـ “مركز راؤول ويلينبرغ لحقوق الإنسان” وتقريرا منفصلا صادرا عن منظمة “هيومان رايتس ووتش” عمليات القتل الممنهجة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع والعنف الجنسي وحرق قرى بأكملها في غرب دارفور.
وتكشف صور الأقمار الاصطناعية التي حللها مختبر الأبحاث الإنسانية بجامعة ييل عن تدمير واسع النطاق للتجمعات السكنية المدنية.
ويعزز التحقيق الصادر عن الأمم المتحدة بشأن اكتشاف مقابر جماعية بعد هجمات قوات الدعم السريع هذه الأدلة. ووصفت روايات الناجين استهداف مقاتلو الدعم السريع للمساليت بسبب عرقهم وترديدهم عبارات عنصرية أثناء إعدامهم المدنيين بمن فيهم الأطفال، مما يقدم أدلة واضحة على نية الإبادة الجماعية.
وعلى الرغم من تأخره يتماشى قرار إدارة بايدن المتأخر والصادر في كانون الثاني/يناير باعتبار أفعال قوات الدعم السريع على أنها إبادة جماعية مع النتائج هذه ويعتقد فريد أن الحديث عن دور الإمارات لا يقوم على التخمين ولكنه حقيقة موثقة وبدقة ففي كانون الثاني /يناير 2024 قدم فريق خبراء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أدلة موثوقة على تورط الإمارات العربية المتحدة وتزويدها قوات الدعم السريع بالأسلحة عبر قاعدتها في أمجراس بتشاد.
وأشارت البيانات لتتبع الرحلات الجوية وصور الأقمار الاصطناعية، التي حللها مرصد النزاعات وهو منظمة أمريكية غير حكومية تتحقق من تقارير جرائم الحرب في السودان وأوكرانيا إلى “الحقيقة شبه المؤكدة” بأن الإمارات نقلت أسلحة إلى قوات الدعم السريع.
كما وذكرت وكالة أنباء “رويترز” أن هناك ما لا يقل عن 86 رحلة جوية من الإمارات العربية المتحدة إلى أمجراس منذ بدء الحرب وأن ثلاثة أرباعها تشغلها شركات طيران كانت مرتبطة سابقا بتهريب الأسلحة.
وكشفت صحيفة “نيويورك تايمز” عن قاعدة سرية للمسيرات في مطار أمجراس قرب الحدود السودانية والتي دعمت قوات الدعم السريع وكشف التحقيق عن مسيرات صينية الصنع من طراز “وينغ لونغ” والتي أطلقت من مهبط طائرات جرى تحديثه، وجرى التستر عليه كجزء من مشروع إنساني مرتبط بمستشفى تابع للهلال الأحمر الإماراتي كما أن الميليشيات التي حصلت على هذه المسيرات سجلت مستويات عالية من الضحايا في المناطق المدنية.
ويقول فريد أن النفوذ الإماراتي المالي والدبلوماسي يزيد من التحدي فقوتها الناعمة القائمة على النفط والتجارة وناتجها المحلي الإجمالي البالغ 569 مليار دولار يجعلها أقوى بكثير من اقتصاد السودان البالغ 30 مليار دولار كما أن علاقاتها الوثيقة بالحكومات الغربية تزيد الأمور سوءا.
وقد أكد السناتور الأمريكي كريس فان هولين والنائبة سارة جاكوبس اللذان حاولا منع صفقة سلاح بقيمة 1.2 مليار دولار مع الإمارات في العام الماضي أن الإمارات تراجعت عن تعهدها بوقف الدعم لقوات الدعم السريع وبناء على إحاطات إدارة بايدن وهو ما مكن قوات الدعم السريع من قتل الألاف.
ويعتقد فريد أن هذه الحالة المقدمة من السودان تعتبر امتحانا للمحاكم الدولية وإن كانت قادرة على محاسبة الدول القوية أو الخضوع للضغوط السياسية والإجرائية وتأتي في ظل ما يشهده نظام العدالة الدولي من ضعف الذي ظهر في العقوبات الأمريكية الأخيرة على المحكمة الجنائية الدولية.
وقال إن جنوب أفريقيا تقدمت في كانون الأول/ديسمبر 2023 دعوى قضائية ضد إسرائيل متهمة إياها بارتكاب الإبادة في غزة. وحظيت الدعوى بدعم عدد من الدول في عالم الجنوب مثل الجزائر وبنغلاديش والبرازي وتشيلي والمكسيك وباكستان.
وكانت الدعوى لحظة محورية في تضامن عالم الجنوب واستندت جنوب أفريقيا في دعواها ضد إسرائيل على تراثها الأخلاقي في مكافحة نظام الفصل العنصري ومقاومة الاستعمار ومع أن السودان ليس لديه هذا التراث إلا أن الازمة الحالية تفصح عن التحديات الخطيرة التي تعاني منها دول ما بعد الاستعمار، بما فيها استغلال القوى الداخلية والخارجية.
وتعتبر الأزمة الحالية التي شهدت معاناة المدنيين ونزوحهم واستهداف بالعنف وانهيار لمؤسسات الدولية واحدة من الأزمات الإنسانية والسياسية الخطيرة في عصرنا وهي في النهاية ليست نزاعا محليا بل هي تمظهر للإهمال الدولي والتلاعب الإقليمي والتهميش المستمر لأفريقيا.
ولو فشلت الدول التي دعمت جنوب أفريقيا بتقديم نفس الدعم للسودان فإن هذا سيقوض نزاهة المبادئ التي قام عليها تضامن عالم الجنوب، ومن شأنه أن يخاطر بتعزيز أوجه عدم التماثل في تطبيق القانون الدولي، حيث تسلح القوى العظمى العدالة بشكل انتقائي بينما تحرم الفئات الضعيفة بشكل ممنهج.
ويرى أنه لا ينبغي الخلط بين دعم القضية ضد الإمارات ودعم الحكومة السودانية في صراعها مع قوات الدعم السريع.
فسجل القوات المسلحة السودانية ليس خاليا من العيوب فقد وجد “بيانات موقع وأحداث النزاع المسلح” أن القوات المسلحة السودانية كانت مسؤولة عما يقرب من 200 حادثة شملت إصابات بين المدنيين في عام 2024 مقارنة بحوالي 1,300 حادثة تنسب إلى قوات الدعم السريع.
في حين أن خسائر القوات المسلحة السودانية غالبا ما تقدم على أنها أضرار جانبية في عمليات مكافحة التمرد، فإن هذا لا يعفي الجيش من مسؤولية الضرر أو واجبه في تقليله.
علاوة على ذلك، أدت العقبات البيروقراطية التي وضعتها الحكومة السودانية أمام المساعدات الإنسانية إلى تفاقم ما يعتبر الآن أسوأ كارثة إنسانية في التاريخ الحديث.
ويري الطيب أن دعم قضية السودان يجب أن يكون قائما على المبدأ فشبكات المحسوبية الواسعة لدولة الإمارات المدعومة بثروتها النفطية ونفوذها بالإضافة إلى تحالفاتها الاستراتيجية مع القوى الغربية وغير الغربية تجعل انتهاكاتها المزعومة أكثر أهمية.
وتابع أن الإمارات غير الخاضعة للرقابة ستواصل تصرفاتها متشجعة بالإفلات من العقاب والتلاعب بالصراعات الإقليمية، من السودان إلى ليبيا إلى اليمن إلى سوريا، مما يقوض العديد من الدول ذات السيادة في الجنوب العالمي في سعيها للحصول على الموارد والنفوذ.
واشار إلى أن كما أن المخاطر كبيرة للغاية بالنسبة لنظام العدالة الدولي وقد يعزز حكم ناجح مصداقية محكمة العدل الدولية إلا أنه يتطلب دعما واسعا وبنفس الروح التي غذت الدعم لقضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، مضيفا أن الإمارات ستحاول التحفظ والحديث عن المادة التاسعة من اتفاقية الإبادة الجماعية، التي تحصر اختصاص محكمة العدل الدولية بتنفيذ الاتفاقية.
واختتم أن فقهاء القانون قد يطعنوا في صحة التحفظات على المادة التاسعة لتعارضها مع روح الاتفاقية وتحصين الدول من المساءلة. وأصدرت محكمة العدل الدولية نفسها رأيا استشاريا عام 1951، ينص على أن التحفظات على معاهدات مثل اتفاقية الإبادة الجماعية لا يمكن قبولها إلا إذا لم تتعارض مع هدف وغرض المعاهدة التي تهدف إلى منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.
المصدر: https://goo.su/dv5Lz