قانون المياه الجديد.. بين تعزيز التوجه لخصخصة الخدمات وضغط صندوق النقد

1074818.jpeg

تمريره بتوصية من “صندوق النقد”.. نواب في البرلمان المصري يكشفون كواليس قانون تنظيم المياه والهدف منه

كشف نواب في البرلمان المصري أن مشروع قانون تنظيم مرفق مياه الشرب والصرف الصحي يتضمن إنشاء جهاز خاص تابع لمجلس الوزراء المصري تكون مهمته متابعة أداء شركة المياه المصرية وفض المنازعات بينها وبين المواطن في حال حدوث أي خلافات في حين حذر نواب آخرون من أن القانون يتضمن مواد “تودي بالمواطن إلى السجن أو دفع غرامات مالية كبيرة دون أي داعٍ”.

كان مجلس النواب المصري قد وافق الثلاثاء 27 مايو/أيار 2025 على مشروع قانون تنظيم مرفق مياه الشرب والصرف الصحي الذي أعدته الحكومة وهو القانون الخاص بتنظيم العلاقة بين المواطن ومرفق المياه والصرف الصحي متضمناً كافة العقوبات التي مررتها الحكومة في القانون.

مخاوف من العقوبات

النائب في البرلمان المصري أحمد بلال البرلسي أطلق صرخة تحذير داخل قبة البرلمان معترضاً على المادة 73 من مشروع قانون تنظيم مياه الشرب والصرف الصحي التي تفرض عقوبات صارمة على من ينشر “شائعات أو معلومات غير صحيحة” عن جودة المياه إذ إن ما بدا وكأنه بند تنظيمي لحماية المواطنين من البلبلة يمكن أن يكون “تهديداً مباشراً لحرية الصحافة ومناخ الشفافية” بحسب ما أكده البرلسي.

إذ تنص المادة المثيرة للجدل على فرض غرامة مالية تتراوح بين خمسين ألفاً وخمسمائة ألف جنيه على من “يروج شائعات أو معلومات غير صحيحة بأي وسيلة بشأن جودة المياه” بدعوى زعزعة الأمن والسلم الاجتماعي.

ويكشف هذا النص بحسب منتقديه عن فلسفة قانونية تميل إلى العقاب المسبق بدلاً من التشجيع على التحقيق والمحاسبة وهو ما يثير مخاوف من استخدام القانون كأداة قمع بدلاً من كونه إطاراً تنظيمياً.

النائب لم يتردد في التعبير عن قلقه فقال “هل يعقل أن أقول لصحفي أجرى تحقيقاً بأنه نشر معلومات غير صحيحة؟ وهل يعقل أن أتهمه بتكدير السلم العام؟”.

بهذه الكلمات أعرب عن مخاوفه من أن تتحول المادة إلى سيف مسلط على رقاب الصحفيين والمواطنين على السواء خصوصاً من يحاولون تسليط الضوء على مشكلات حقيقية تتعلق بجودة المياه أو الفساد في قطاع المرافق العامة.

ويرى أن قانون العقوبات المصري يحتوي بالفعل على مواد تنظم النشر وتعاقب على بث أخبار كاذبة، وبالتالي لا حاجة لإضافة بنود جديدة داخل تشريع خاص بقطاع المياه. من وجهة نظره فإن إدخال هذه المادة إلى قانون فني وتنظيمي هو محاولة لتمرير آليات قمع جديدة تحت ستار حماية الأمن والسلم الاجتماعي، في وقت أصبحت فيه الصحافة الاستقصائية خط الدفاع الأول عن حقوق المواطنين في معرفة الحقيقة.

“اعترضت لأن المادة دي هتكون قيداً على عمل الصحفيين” قالها البرلسي بوضوح معتبراً أن أي تحقيق صحفي عن فساد أو تدهور في جودة المياه يمكن أن يُستخدم ضده. ومع غياب ضمانات حقيقية للاستقلالية الإعلامية تزداد احتمالات توظيف القانون في قمع الأصوات الناقدة بدلاً من الاستجابة لمطالب الرقابة والمحاسبة.

صحفيون ومواطنون… جميعهم في مرمى الاستهداف

تحذيرات البرلسي لم تقتصر على الإعلاميين وحدهم بل شملت المواطنين العاديين حيث يقول إنه في حال أقدم أحدهم على تصوير مياه ملوثة تتدفق من الحنفية ونشرها على مواقع التواصل قد يجد نفسه متهماً بتكدير السلم العام بدلاً من تلقي رد فعل من الجهات المختصة لإصلاح العطل أو معالجة المشكلة.

من هذا المنطلق يرى النائب أن المادة 73 تمثل تحصيناً للشركة المسؤولة عن تقديم الخدمة على حساب المواطن.

وتضع غطاءً قانونياً يُعفي الجهات المقصّرة من المساءلة.

وأضاف “الحكومة لو مش عايزة تعترف بالمشكلة، هتلجأ إلى حبس الصحفي أو المواطن”.

حرية التعبير في مرمى التشريع

هذه النظرة من جانب البرلماني أحمد بلال البرلسي هي ذاتها التي أثارتها النائبة مها عبد الناصر وهو البند المتعلق بالعقوبات التي يتضمنها القانون والذي يقضي بمعاقبة كل من ينشر “معلومات كاذبة أو مضللة” عن أزمة المياه وهو ما فسّرته عبد الناصر بأنه تهديد مباشر لحرية التعبير.

وقالت في تصريحات لـها  “الحديث عن الحبس أو الغرامة بسبب نشر معلومات أو آراء عن أزمة المياه أمر مرفوض ويتعارض مع الحق الأساسي للمواطنين في المعرفة”.

هذا البند –كما توضح عبد الناصر – لم يكن يجب أن يمر لأنه يفتح الباب أمام استخدام القانون كأداة لإسكات الأصوات المنتقدة أو الباحثة عن حلول بديلة لأزمة المياه في وقت تحتاج فيه البلاد إلى مناخ من الشفافية وتبادل المعلومات لتجاوز التحديات البيئية والاقتصادية المرتبطة بالمياه.

تبرير بند العقوبات

لكن النائب محمد عطية الفيومي رئيس لجنة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية الجديدة بمجلس النواب تبنى وجهة نظر الحكومة المصرية وخفف من مخاوف بعض النواب الآخرين بخصوص أكثر بنود القانون إثارة للجدل وهو بند العقوبات على نشر معلومات مغلوطة عن جودة المياه.

في حين حذر نواب آخرون من أن هذه المادة قد تُستخدم لتكميم أفواه الصحافة أو إسكات المواطنين دافع الفيومي عنها باعتبارها ضرورة وطنية لحماية الأمن المجتمعي ومنع إثارة الذعر.

وقال الفيومي في تصريحات لـه “نشر خبر خاطئ عن المياه ممكن يخلق هلعاً في الشارع المصري، ويؤدي إلى كوارث صحية ومجتمعية. القانون لم يأتِ ليكمّم الأفواه وإنما ليمنع الفوضى”.

وكشف أن المسودة الأولى للقانون كانت تتضمن عقوبة الحبس إلى جانب الغرامة، لكن البرلمان –وحرصاً على التوازن– رفض الحبس وأبقى فقط على بند الغرامة المالية ما يدل حسب الفيومي، على أن القانون لا يستهدف الصحفيين أو المواطنين بل يسعى إلى ضبط المعلومات التي تُنشر حول قطاع حساس مثل المياه.

جهاز لضبط الخدمة… أم آلية لمراقبة المواطنين وباب للخصخصة؟

القانون الجديد يتضمن بنداً يسمح بإنشاء جهاز جديد لضبط وتنظيم عمل قطاع المياه والصرف الصحي مهمته الإشراف على أداء الشركات ومتابعة شكاوى المواطنين وفض المنازعات.

بخصوص دور الجهاز يقول النائب أحمد بلال إنه في البداية يجب الإشارة إلى أنه، ورغم تقديم الجهاز كخطوة تنظيمية فإن هذا الكيان كان قائماً منذ سنوات دون غطاء قانوني ويفتقد إلى فاعلية حقيقية.

وبعيداً عن الجدل القانوني يفتح القانون الجديد باباً واسعاً لدخول القطاع الخاص في إدارة وتشغيل خدمات المياه والصرف الصحي في مصر. بحسب ما ورد في نصوص القانون فإن أي جهة، سواء كانت عامة أو خاصة يمكنها الاستثمار في هذا القطاع الحيوي في خطوة تُقرأ ضمن سياق أوسع من السياسات الاقتصادية التي تنتهجها الدولة.

النائب البرلسي لم يغفل هذه النقطة مؤكداً في حديثه أن القانون الجديد مرتبط بشكل وثيق بالتوجه العام نحو تخارج الدولة من تقديم الخدمات الأساسية وهو ما يتسق مع شروط صندوق النقد الدولي لتحرير الاقتصاد ورفع الدعم والسماح للقطاع الخاص بإدارة المرافق العامة.

في هذا السياق يصبح القانون جزءاً من منظومة أوسع لتحويل الخدمات من مسؤولية عامة إلى مشروع تجاري بحت ما يثير مخاوف من ارتفاع الأسعار وتراجع جودة الخدمة في ظل غياب رقابة فعالة ومستقلة على حد قوله.

دفاع عن الخصخصة

لكن النائب محمد عطية الفيومي قال في تصريحات خاصة لـه إن القانون لا يهدف إلى خصخصة قطاع المياه كما يروّج البعض بل يسعى لإنشاء جهاز رقابي جديد يخضع لمجلس الوزراء مباشرة هدفه الأول هو حماية حقوق المواطنين ومحاسبة شركات المياه التي وصفها بأنها كانت “مصدر فساد ضد المواطن”.

وقال إنه، في قلب مشروع القانون، يبرز إنشاء جهاز مستقل لتنظيم خدمات مياه الشرب والصرف الصحي، يكون تابعاً مباشرة لمجلس الوزراء، وليس لوزارة الإسكان أو أي جهة تنفيذية.

وبحسب النائب الفيومي فإن الغرض من هذا الجهاز هو إصلاح الخلل المزمن في أداء شركات المياه العامة التي طالما شكا منها المواطنون، والتي كانت حسب قوله، تعمل دون رقابة فعلية وتتحول في أحيان كثيرة إلى عبء على المواطنين بدلاً من أن تقدم لهم خدمة محترمة.

وقال “شركات المياه كان كلها فساد ضد المواطن وآن الأوان لأن تكون هناك جهة تراجع وتحقق وتلزم كل شركة بتقديم خدمة تليق بالشعب المصري”.

وأضاف أن الجهاز الجديد سيكون بمثابة حائط صد لأي تجاوزات أو تلاعب في الفواتير أو جودة المياه وسيكون المواطن قادراً على التظلم مباشرة أمام هذا الجهاز المستقل.

بيع القطاع!

واحدة من أبرز نقاط الجدل حول القانون الجديد كانت ما اعتبره البعض “تمهيداً لخصخصة المياه” لكن النائب الفيومي نفى هذا الاتهام بشدة مؤكداً أن فتح المجال أمام القطاع الخاص لا يعني بيع القطاع أو التخلي عن مسؤولية الدولة في تقديم الخدمة، بل هو خيار ضروري لضمان التنافس وخفض الأسعار وتحسين الجودة.

وأوضح أن الجهاز الجديد سيكون من مسؤولياته تنظيم المنافسة بين الشركات العامة والخاصة، مشدداً على أن ذلك يصب في مصلحة المواطن، لأن الاحتكار –سواء من الدولة أو من جهة واحدة– يؤدي دائماً إلى التردي في الخدمة ورفع الأسعار.

وقال: “القطاع الخاص لن يكون بديلاً عن الدولة بل سيكون منافساً لها وهذا التنافس سيجبر الجميع على تحسين أدائه. بدل ما تبقى شركة واحدة بتحتكر الخدمة وبتسعر زي ما هي عايزة يبقى عندي أكثر من مقدم خدمة والمواطن هو اللي يختار”.

منطق “الجهاز لكل وزارة”

برر النائب إنشاء الجهاز الرقابي الجديد بأنه جزء من فلسفة حكومية أوسع تقوم على وجود جهاز تنظيمي مستقل لكل وزارة أو قطاع خدمي.

فمثلما توجد هيئة لتنظيم الاتصالات وهيئة للدواء فإن خدمات المياه –بحساسيتها وأهميتها– تستحق جهة رقابية تتابع أداء الشركات وتفحص الشكاوى وتتدخل لحماية المواطن.

وقال “ده مش اختراع، ده نظام موجود في قطاعات كتير ناجحة. الفكرة إنك تفصل الجهة اللي بتقدم الخدمة عن الجهة اللي بترقبها والمستفيد في النهاية هو المواطن”.

علاقة ذلك بصندوق النقد

وبينما يرى النائب محمد عطية الفيومي في مشروع القانون خطوة إصلاحية لضبط الفوضى وتحسين الخدمة لا تزال الشكوك تحيط بمقاصد الدولة من فتح الباب أمام القطاع الخاص خاصة في ظل توجهات اقتصادية أوسع تُبرز نية الدولة في التخارج من بعض الخدمات العامة بناءً على توصيات مؤسسات دولية مثل صندوق النقد الدولي.

هذه القناعة عبّر عنها بوضوح الدكتور كريم العمدة أستاذ الاقتصاد السياسي في تصريحات خاصة الذي أشار إلى أن استعانة الحكومة المصرية بالصندوق ليست سوى اعتراف ضمني بفشل الأدوات والسياسات المحلية في إنعاش الاقتصاد أو حتى الحفاظ على استقراره. لكن ما يبدو مخرجاً قد يتحول إلى عبء جديد ليس فقط على الدولة بل على المواطن أيضاً.

وقال إن صندوق النقد الدولي في علاقته بمصر يركز على قضيتين أساسيتين:

  • تحرير سعر الصرف
  • وإعادة هيكلة منظومة الدعم وخاصة دعم المحروقات.

من وجهة نظر الصندوق فإن استمرار الدولة في دعم أسعار الطاقة والمياه وغيرها من الخدمات العامة يُعد تشوهاً اقتصادياً لا بد من إصلاحه ويطالب الصندوق بتقليص تدخل الدولة في الاقتصاد تدريجياً وفسح المجال للقطاع الخاص ليلعب الدور الأوسع في عملية الإنتاج والخدمات والاستثمار.

وفي هذا السياق يشير الدكتور كريم العمدة إلى أن الصندوق لا يتدخل فقط في السياسات الاقتصادية الكلية بل يمتد تأثيره إلى بنية التشريعات المحلية وهو ما تجلّى مؤخراً في مشروع القانون الذي أقره البرلمان بشأن إنشاء جهاز خاص لإدارة خدمات المياه والصرف الصحي.

القانون الذي قد يبدو فنياً أو إدارياً في ظاهره يحمل في جوهره توجهاً نحو خصخصة تدريجية لقطاع المياه ويمثل استجابة غير مباشرة لتوصيات صندوق النقد بالتخارج “الهادئ” من ملكية وإدارة بعض المرافق الحيوية على حد وصفه.

أضاف إن تاريخ علاقة مصر بصندوق النقد الدولي يكشف أن كل برنامج تمويلي يرتبط بمجموعة من “الشروط المهيكلة” وقد يكون أبرزها حالياً هو:

التخارج الكامل أو الجزئي للدولة من الشركات العامة

خصوصاً تلك التي تنافس القطاع الخاص في قطاعات الإنتاج والخدمات.

وينظر الصندوق إلى استمرار الدولة في التوسع الاقتصادي باعتباره أحد معوقات النمو المستدام ويفضّل أن تلعب الدولة دور المنظم لا المُنتج أو المُستثمر.

تلك الرؤية ليست جديدة لكن الجديد هو التركيز المتزايد في المرحلة الراهنة على تفعيلها من خلال قوانين وأجهزة تنفيذية مثل قانون تنظيم قطاع المياه الذي يُعد من وجهة نظر بعض المراقبين مقدمة لطرح هذه الخدمة لاحقاً أمام الاستثمار الخاص أو الأجنبي تحت مسمى “تحسين الكفاءة” و”ضمان الاستدامة المالية للخدمة” على حد قول العمدة.

كريم العمدة قال إن تبعات هذه السياسات لا تظل حكراً على الدولة أو الشركات بل تنعكس في نهاية المطاف على المواطن المصري الذي يجد نفسه محشوراً بين مطالب صندوق النقد من جهة وقرارات الحكومة من جهة أخرى.

وبينما يُبرر الصندوق إجراءاته بأنها خطوات “إصلاحية” ضرورية لاستقرار الاقتصاد على المدى الطويل فإن الحكومة تضيف من جانبها أعباءً جديدة على كاهل المواطن سواء من خلال رفع أسعار الخدمات الأساسية أو فرض رسوم وتكاليف جديدة لتعويض تقليص مخصصات الدعم.

ويرى أن ما يُعرف بسياسة “صفر دعم” ليست توصية مباشرة من صندوق النقد بقدر ما هي توجه حكومي اختارت من خلاله الدولة أن تعوّض تقليص الدعم عبر جيب المواطن لا عبر تحسين الكفاءة أو مكافحة الفساد أو تقليل الإنفاق الحكومي غير الضروري. وبهذا تصبح فاتورة الإصلاح مزدوجة الأثر:

  • شروط صندوق النقد من الأعلى.
  • وإجراءات الحكومة من الأسفل في حين يتلقى المواطن الضربة من الجانبين.

وأوضح إن ما يشهده الاقتصاد المصري اليوم هو إعادة صياغة جذرية لدور الدولة في السوق تحت ضغط الأزمة من جهة وبفعل التزامات التمويل الدولي من جهة أخرى.

وتتجلى هذه الصياغة في مجموعة من المؤشرات بدءاً من توجه الدولة لتصفية بعض الشركات العامة أو عرض حصص منها للبيع مروراً بإعادة هيكلة الدعم، وانتهاءً بتعديل قوانين الإدارة العامة للمرافق الحيوية.

تشريعات تحت ضغط الوقت

النائبة البرلمانية مها عبد الناصر عبّرت عن قلقها من الطريقة التي أُقر بها القانون، مشيرة إلى أن النص كان يستحق وقتاً أطول للنقاش والتشاور. وبينما رفضت أن تجزم بأن توقيت إقرار القانون له ارتباط مباشر بأجندة سياسية أو بحدث بعينه لم تُخفِ استغرابها من استعجال الحكومة في تمريره.

وقالت: “كان يجب أن يأخذ القانون وقته الكافي في المناقشة لأن تداعياته ستكون واسعة على المواطنين والبنية المؤسسية المتعلقة بالمياه والصرف الصحي”.

تشير هذه التصريحات إلى وجود شعور داخل بعض الدوائر البرلمانية بأن الحكومة تميل إلى تسريع تمرير تشريعات مصيرية دون منح النواب فرصة كافية للتدقيق والمراجعة مما قد يحدّ من الدور الرقابي للبرلمان ويضعف العملية التشريعية من حيث التمثيل والمشاركة.

أزمة المياه: الواقع يتجاوز الخطاب الرسمي

وتعقيباً على مبررات الحكومة لتمرير القانون أكدت عبد الناصر أن الحديث عن ترشيد استهلاك المياه ليس جديداً وأن الحكومة تروّج منذ سنوات لفكرة أن سوء الاستخدام هو السبب الرئيس في أزمة المياه.

إلا أنها ترى أن هذا الخطاب يغفل عمق الأزمة البنيوية، مشيرة إلى أن مصر تمر بالفعل بـ”أزمة تخص نقص مياه الشرب” وهو ما يجعل النقاش حول القوانين المنظمة أكثر حساسية.

وتضيف: “لا يمكن فصل التشريع عن الواقع والمواطنون يشعرون بتراجع مستوى خدمات المياه وفي بعض المناطق هناك معاناة حقيقية في الحصول على مياه نظيفة”.

هذا الطرح يكشف عن فجوة متزايدة بين الخطاب الرسمي الذي يركز على “سلوك الأفراد” وبين الواقع اليومي الذي يُظهر وجود مشكلات هيكلية في البنية التحتية وشبكات المياه وكذلك في إدارة الموارد.

بنود القانون

كان شريف الشربيني وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية قد قال في الجلسة العامة لمجلس النواب إن مشروع القانون اشتمل على 79 مادة بخلاف مواد الإصدار موزعة على 7 أبواب رئيسية، وذلك على النحو التالي:

الباب الأول: قانون الإصدار ويشمل 6 مواد وتحدد مهلة لإصدار اللائحة التنفيذية خلال 6 أشهر من نشر القانون ويشمل الباب الأول التعاريف والأحكام العامة ويتضمن تعريفات المصطلحات المستخدمة في القانون، ويؤكد أن مرفق مياه الشرب والصرف الصحي مرفق خدمي يمس حياة المواطنين.

الباب الثاني: تنظيم الجهاز التنظيمي لمياه الشرب والصرف الصحي ومقدمي الخدمة ويتناول تنظيم عمل الجهاز، وتحديد مقدمي الخدمة من جهات عامة أو خاصة، ويحدد التزاماتها تجاه المستفيدين ويفتح الباب أمام مشاركة القطاع الخاص والاستثمار كما يحظر إقامة أي منشآت بنية تحتية داخل الحرم الآمن للشبكات، ويعتبر منشآت المرافق أموالاً عامة.

الباب الثالث: بشأن التزامات متلقي الخدمة حيث يحدد التزامات المواطنين بسداد الاستهلاك وفقاً للتعريفة وعدم تغيير الغرض من استخدام المياه ويضع جزاءات إدارية على المخالفين.

الباب الرابع: يتضمن التراخيص، لوضع الضوابط والقواعد اللازمة لمنح التراخيص لمزاولة أنشطة المرفق ويحظر مزاولة أي نشاط دون ترخيص يصدر من الجهاز.

الباب الخامس: التعريفة وينظم أسس حساب تعريفة الخدمة وفقاً لمبدأ العدالة والشفافية ويمنح مجلس الوزراء سلطة اعتمادها كما يلزم مقدمي الخدمة بتركيب عدادات دقيقة وقراءتها بانتظام.

الباب السادس: يشمل الدور الرقابي والتوعوي حيث يلزم الجهاز بوضع سياسات لترشيد الاستهلاك وتعزيز دوره الرقابي ونشر الوعي من خلال النشرات ووسائل الإعلام.

الباب السابع: يشمل العقوبات وينص على عقوبات متنوعة للمخالفات تتراوح بين الغرامة والحبس ويتيح التصالح بشروط محددة منها إزالة المخالفة وسداد تكاليف إعادة الشيء إلى أصله.

عقوبات القانون

في حين حددت هذه المواد العقوبات التي ستوقع على المخالفين لأحكام القانون والتي تنوعت بين الغرامة والحبس تبعاً لجسامة المخالفة وفيما يلي أبرز بنود القانون والعقوبات المقررة لها:

عقوبات تتعلق بالهدم أو الإتلاف أو الإعاقة:

  • يعاقب بالسجن وغرامة مالية تتراوح بين 10,000 و100,000 جنيه كل من أقدم على هدم أو إتلاف أي جزء من مرافق مياه الشرب أو الصرف الصحي.
  • تصل العقوبة إلى السجن المشدد إذا نتج عن الفعل انقطاع الخدمة.
  • في حال كان الفعل غير متعمد، تكون العقوبة هي الحبس أو الغرامة أو كليهما.
  • تلتزم المحكمة بإلزام المحكوم عليه بدفع تعويضات لتغطية نفقات إعادة الشيء إلى حالته الأصلية.

عقوبات مخالفة التسعيرة:

  • تفرض غرامة مالية تتراوح بين 100,000 ومليون جنيه على أي مقدم خدمة يخالف التسعيرة المعتمدة.
  • تلتزم المحكمة بإلزام المحكوم عليه برد المبالغ التي تم تحصيلها من المستفيدين بدون وجه حق.

عقوبات سوء استخدام مياه الشرب:

  • تفرض غرامة مالية تتراوح بين 5,000 و100,000 جنيه على كل من استخدم مياه الشرب في أغراض غير تلك المحددة في عقد تقديم الخدمة.
  • يُلزم المخالف بدفع قيمة فرق المحاسبة وفقاً للتسعيرة المعتمدة.

عقوبات منع تنفيذ مشروعات المرفق:

  • يعاقب بالحبس لمدة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وبغرامة مالية تتراوح بين 50,000 و500,000 جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من منع بدون سند قانوني إنشاء أو تشغيل أو صيانة مشروعات مياه الشرب أو الصرف الصحي.
  • إذا استخدم الجاني القوة أو التهديد، تزداد العقوبة لتصل إلى الحبس لمدة سنة أو أكثر بالإضافة إلى الغرامة.
  • يُعاقب بالسجن المشدد إذا تسببت الأفعال في ضرب أو جرح نتج عنه عاهة مستديمة، وقد تصل العقوبة إلى السجن المشدد لمدة لا تقل عن 5 سنوات في حالة الوفاة.
  • يُلزم المحكوم عليه بتغطية نفقات إعادة الشيء إلى أصله.

عقوبات تركيب توصيلات غير مرخصة وصرف المخلفات:

  • يعاقب بالحبس والغرامة كل من قام بما يلي:
  • تركيب توصيلات على شبكات المياه أو الصرف الصحي بدون موافقة مقدم الخدمة.
  • صرف مياه الصرف الصحي عن طريق الكسح أو بأي طريقة أخرى على الشبكة بدون موافقة.
  • صرف نواتج أو مخلفات غير مياه الصرف الصحي على شبكة الصرف الصحي بدون موافقة.
  • يُلزم المخالف بإعادة الوضع إلى ما كان عليه.

عقوبات صرف مياه الصرف الصناعي غير المرخص:

  • يعاقب بالحبس لمدة تتراوح بين 6 أشهر و5 سنوات، وبغرامة مالية تتراوح بين 50,000 و500,000 جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
  • يُلزم المحكوم عليه بتغطية نفقات إعادة الشيء إلى أصله.

عقوبات الترويج للشائعات والمعلومات المغلوطة:

  • تفرض غرامة مالية تتراوح بين 50,000 و500,000 جنيه على كل من يروّج لشائعات أو معلومات كاذبة حول جودة المياه بهدف الإخلال بالسلم والأمن الاجتماعي.

عقوبات مزاولة النشاط بدون ترخيص:

يعاقب بالحبس والغرامة كل من يمارس نشاطاً يتعلق بمياه الشرب أو الصرف الصحي بدون الحصول على ترخيص من الجهة المختصة.

عقوبات إعادة استخدام مياه الصرف الصحي بدون معايير:

يعاقب بالحبس والغرامة مقدم الخدمة الذي يعيد استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة دون الالتزام بالكود المصري المعتمد.

عقوبات صرف تخفيض المياه الجوفية غير المرخص:

  • يعاقب بالحبس والغرامة كل من صرف تخفيض المياه الجوفية على شبكات الصرف الصحي بدون موافقة مقدم الخدمة.
  • تتم مصادرة الأدوات المستخدمة في المخالفة، ويُلزم المخالف بإعادة الحالة إلى أصلها.

عقوبات الامتناع أو تقديم الخدمة بدون سند قانوني:

يعاقب بالحبس والغرامة كل من امتنع عن تقديم خدمات مياه الشرب أو الصرف الصحي بدون سند قانوني أو قدمها بدون وجه حق أثناء قيامه بعمله.

مسؤولية الإدارة الفعلية للشخص الاعتباري:

  • يخضع المسؤولون عن إدارة الأشخاص الاعتبارية للعقوبات المقررة إذا ثبت علمهم بالمخالفات نتيجة إهمال في أداء واجباتهم الوظيفية.
  • يكون الشخص الاعتباري مسؤولاً بالتضامن عن دفع العقوبات المالية والتعويضات.

آلية التصالح:

  • يجوز التصالح في الجرائم المنصوص عليها في القانون بشرط إزالة أسباب المخالفة، باستثناء الجرائم الخطيرة (المواد 67، 70، 73).
  • يكون التصالح مقابل دفع مبلغ مالي يختلف حسب مرحلة الدعوى:
  • قبل إحالة الدعوى إلى المحكمة: مبلغ يعادل الحد الأدنى للغرامة أو ثلث الحد الأقصى، أيهما أكبر.
  • بعد إحالة الدعوى وحتى صدور حكم نهائي: مبلغ يعادل الحد الأدنى أو نصف الحد الأقصى للغرامة، أيهما أكبر.
  • بعد صدور حكم نهائي: مبلغ يعادل الحد الأقصى للغرامة.
  • يترتب على التصالح انقضاء الدعوى الجنائية وفي حال تم التصالح أثناء تنفيذ العقوبة يتوقف التنفيذ.

المصدر: https://n9.cl/10ylos

قانون المياه الجديد .. تكريس لسياسة تكميم الأفواه

تنص المادة (73) من القانون على أنه “يعاقب بغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تزيد على خمسمائة ألف جنيه كل من قام بترويج شائعات أو معلومات غير صحيحة بأية وسيلة كانت عن جودة المياه بقصد تكدير السلم والأمن الاجتماعي لدى المواطنين بشأن حالة المياه وجودتها” وهي المادة التي اعتبرها البعض تكريسَا لسياسة تكميم الأفواه وتضييق الخناق على المواطنين فيما يتعلق بالتعبير عن أرائهم بشأن المرفق الأهم في حياتهم.

وتحت شعار “اشرب وأنت ساكت” عبر نشطاء ومعارضون لتلك المادة عن مخاوفهم من اتساع رقعة استخدامها لتمثل مستقبلا حائط صد أمام أي اعتراضات على مستوى المياه وجودتها ونظافتها الأمر الذي يعتبره البعض تمريرًا للفساد والإفلات من العقوبة وغض الطرف عن التقصير إزاء مرفق بهذه الخطورة يمس حياة وصحة الملايين من المصريين.

وكان النائب أحمد البرلسي طالب بحذف تلك المادة قائلا “هل سيجد الصحافيون أنفسهم متهمين بتكدير السلم العام إذا أجرى أحدهم تحقيقًا عن المياه؟” محذرًا من خطورتها على حرية التعبير عن الرأي في البلاد إلا أن البرلمان رفض طلبه وتمسك بالإبقاء على تلك المادة ما أثار الشك والريبة.

وردًا على مخاوف البرلسي قال وزير الشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي، محمود فوزي: إن “النص لا يتعلق بالصحافيين هناك قلة قليلة جدًا قد تقول كلامًا غير حقيقي يترتب عليه بلبلة في المجتمع ومن مصلحة المجموع أن يكون النشر في هذه الموضوعات بحرص ومسؤولية” مضيفًا أن “تقدير العقوبة وثبوت الجريمة يكون من جهات التحقيق وتحت نظر القاضي الذي يحدد مدى توافر أركان الجريمة، ومن الصالح العام مواجهة هذا السلوك بالأدوات الجنائية وتحت رقابة القضاء”.

العدادات مسبقة الدفع.. الاستهلاك بالتنقيط

وتنص المادة (64) من القانون على “اتخاذ الإجراءات اللازمة لتعظيم الاستفادة من المياه النقية بما يحقق سياسات وأهداف الدولة في ترشيد استهلاك المياه بما في ذلك تعميم استخدام العدادات مسبقة الدفع أو الذكية” في محاولة لتكرار تجربة العدادات الكهربائية مسبقة الدفع مع مرفق المياه.

وكان هذا التوجه قد فرض نفسه على ساحة النقاش المجتمعي والفني منذ سنوات ووثقته السينما المصرية من خلال فيلم (صرخة نملة) إنتاج عام 2011 غير أن التعاطي التخيلي حينها كان من قبيل السخرية والمخاوف الاحتمالية بعيدة المدى ولم يتوقع أحد أنه في غضون عشرة سنوات سيتحول هذا التناول السينمائي الساخر إلى حقيقة وواقع يعيشه المواطن، حيث لا يستطيع أن يتناول شربة ماء أو يستحم دون أن يدفع مقدمًا.

ولا شك أن مثل هذه النظام الجديد سيكون له تأثيره على محدودي الدخل ممن لا يملكون كلفة شحن كروت العدادات مسبقة الدفع مما سينعكس سلبًا على صحتهم وسلامتهم، وهو ما حذر من أحد النواب قائلًا: “لو شحنت العداد والرصيد نفد، وبنتي عطشانة كيف أسقيها” ليرد عليه وزير الإسكان المصري شريف الشربيني بقوله إن العدادات مسبقة الدفع تُصدر إضاءة أو أصوات إنذار قبل انتهاء الرصيد في حوار مأساوي قدر سخريته.

الخصخصة.. مخاوف على محدودي الدخل

المشروع يهدف إلى توسيع مشاركة القطاع الخاص والسماح له بالمشاركة في إنشاء وتشغيل وصيانة وتمويل شبكات المياه والصرف الصحي كما نص بشكل رسمي على وجود ممثل للقطاع الخاص في مجلس إدارة الجهاز التنظيمي لمرفق مياه الشرب والصرف الصحي والذي من بين اختصاصاته وضع التعريفات المادية لتسعير المياه.

وهنا تكمن الخطورة فالقطاع الخاص حين يدخل قطاعًا بعينه فحتمًا يبحث عن الربح والمكاسب وعليه لا يجد أي غضاضة في تحقيق ذلك دون أي اعتبارات إنسانية أو اجتماعية وبدعوى رفع كفاءة التشغيل وجودة الخدمات المقدمة سيلجأ الجهاز لرفع أسعار متر المياه بشكل تصاعدي في محاولة لجني الأرباح التي هي في الأساس دافعه ومحركه الأساسي.

ومن ثم قد يجد المواطن لاسيما متوسط ومحدودي الدخل نفسه في مأزق كبير، حيث زيادة الأعباء الملقاة على كاهله لتزيد معاناته بندًا جديدًا إلى جانب الكهرباء والغاز والوقود والطعام والخضروات واللحوم والخدمات وغيرها من قائمة الاحتياجات التي قفزت بمستويات جنونية خلال السنوات الأخيرة بفعل التضخم وانهيار قيمة العملة المحلية في مواجهة العملات الأجنبية.

وكالعادة في مثل تلك المناسبات يخرج بعض المسؤولين ليؤكدوا ويقسموا بأغلظ الأيمان على عدم تأثير هذه السياسات على جيب المواطن ولا حياته المعيشية، حدث قبل ذلك مع ارتفاع أسعار الوقود ومع زيادات الكهرباء ومع ارتفاع أسعار العقارات، مخدرات ومسكنات اعتادها المصريون منذ عقود طويلة، ليفاجأوا بعد أيام قليلة من دخولها حيز التنفيذ وقد سقطوا في مستنقع الابتزاز الرخيص وفي أسفل مفرمة خلاط الحياة الذي لم يترك شيئَا إلا وفرمه عن أخره.

ماذا عن سد النهضة؟

لا يمكن قراءة قانون المياه الحالي وما به من ثغرات وانتقادات بمعزل عن تطورات ملف سد النهضة فهو المشروع الذي حمل منذ اليوم الأول له تهديدًا مباشرًا وصريحًا للأمن المائي المصري والملف الذي تعهد النظام الحالي في مصر بحسمه حين قدم عشرات الوعود والتعهدات والتحذيرات بأن لا أحد يستطيع مس نقطة مياه واحدة من حصة الدولة المصرية من مياه النيل والمقدرة بنحو 55.5 مليار متر مكعب سنويًا

وجاء إقرار هذا القانون بعد 10 أشهر فقط من انتهاء إثيوبيا من الملء الخامس لخزان السد والذي كان في يوليو/تموز الماضي لتحسم الجدل بشأن فشل الحكومة المصرية في إدارة هذا الملف بعد أكثر من عقد كامل شهد خلالها عشرات الجولات المكوكية من المباحثات والاجتماعات الطائرة بين القاهرة وأديس أبابا والخرطوم، دون أي إنجاز ملموس.

لينجح الإثيوبيون عبر استراتيجية التسويف في تحقيق أهدافهم بعدما منحتهم السلطة المصرية هدية على طبق من ذهب بتوقيع اتفاقية إعلان المبادئ 2015 التي منحت أديس أبابا الضوء الأخضر في بناء السد والحصول على التمويل والدعم الدولي له، وهو ما لم يكن يحدث لولا الموافقة المصرية وتوقيعها على الإعلان.

وتعاطيًا مع هذه الكارثة كونها “أمر واقع” والاستسلام لما حدث بعيدًا عن التصريحات العنترية الصادرة بين الحين والأخر اضطرت السلطة لفرض حزمة من الإجراءات القاسية منها استخدام نظام معالجة مياه الصرف لإعادة استخدامها مرة أخرى كمياه للشرب لتعويض العجز الكبير الذي سببه السد.

ورغم ما يثار حول دقة وجودة محطات المعالجة الثلاثية فإن خبراء الصحة والبيئة يشيرون إلى أنها تحمل الكثير من الأضرار بسبب طبيعة الصرف الصحي المصري المختلط كونه مزيجًا من الصرف الزراعي والصناعي والشخصي في آن واحد ما يجعل هناك صعوبة بالغة في تحلية هذه المياه، فضلًا عن الأمراض الناجمة بسبب تناول هذه المياه كفقر الدم عند الأطفال وسرطان البلعوم والمثانة عند الكبار.

علاوة على إجبار المواطن على ترشيد استهلاكه للمياه وهو ما ينعكس بطبيعة الحال على حياته وصحته اليومية وذلك إما بقطع المياه لفترات طويلة وإما رفع أسعارها بما يجعلها عبئًا على محدودي ومتوسطي الدخل، فيضطرون للترشيد قهرًا وهو ما يحدث اليوم ويقره القانون الجديد الذي يمكن اعتباره شهادة اعتراف رسمية على فشل السلطة المصرية في معركة سد النهضة.

المصدر: https://n9.cl/2igce

تعزيز التوجه نحو خصخصة القطاعات الخدمية بمصر

عضو مجلس النواب المصري محمد عبد الله زين الدين قال إنه «لا توجد خصخصة وهدف مشروع القانون مشاركة القطاع الخاص في عمليات الإنشاء وإقامة المشاريع الخاصة بالبنية التحتية للمياه والصرف الصحي». وشدد على أن «مشروع القانون ينص بشكل قاطع على عدم المساس بتكلفة الخدمة المقدمة للمواطنين»، موضحاً أن «المقصود هنا ألا تؤثر المستحقات المالية للقطاع الخاص لدى الحكومة كتكلفة تدشين المشروعات على سعر الخدمة التي ستقدمها الحكومة للناس».

وكان لافتاً أن مشروع القانون الذي وافق عليه مجلس النواب تضمن أنه «يستهدف تنظيم قطاع مياه الشرب والصرف الصحي وإنشاء جهاز مستقل يُعنى بالرقابة والترخيص ووضع المعايير لضمان كفاءة الخدمات وتحسين جودتها واستدامتها ومنع التعديات على شبكات المياه والصرف الصحي وحماية المستهلك وتعزيز الشفافية ومنع الممارسات الاحتكارية وضمان تكافؤ الفرص وتشجيع مشاركة القطاع الخاص وجذب الاستثمارات لقطاع مشروعات مياه الشرب والصرف الصحي».

ويرى الخبير الاقتصادي حمدي الجمل أن «الأمر ملتبس حول مشروع القانون ولا أحد يستطيع أن يعرف ما هي فلسفته وهل القطاع الخاص قادر على إنتاج الماء؟ خصوصاً أن الماء مورد طبيعي سواء مياه النيل أو المياه الجوفية».

وأضاف أنه «على ما يبدو أن الحكومة تحاول أن تسند مهمة بيع مياه الشرب أو حتى اللازمة للزراعة إلى القطاع الخاص… والسؤال: هل القطاع الخاص سيكون مسؤولاً عن التوزيع وتحصيل رسوم الخدمة؟ أم أنه سيقوم بتدشين محطات التحلية وخطوط التوصيل فقط وتتولى الحكومة التوزيع وتحصيل رسوم الخدمة؟».

وبحسبه فإن «الاستثمار في المياه ليس مثل الاستثمار في الكهرباء لأن القطاع الخاص دخل من قبل في استثمار إنتاج الكهرباء وهذا مطلوب وشيء جيد لكن بالنسبة للمياه وشبكات الصرف الصحي القائمة ما هو دور القطاع الخاص وهو لا يملك إنتاجهما مثل الكهرباء؟».

وفي اعتقاده أن «الحكومة تريد أن تجعل القطاع الخاص مسؤولاً عن تكاليف تحلية المياه وصيانة الشبكات وتحصيل رسوم الخدمات وهذا شكل من أشكال الخصخصة».

ويشار إلى أن مشروع القانون تضمن «فترة انتقالية لتوفيق أوضاع الجهات القائمة على إنشاء وتقديم أي من خدمات مياه الشرب والصرف الصحي طبقاً لأحكام هذا القانون خلال مدة خمس سنوات من تاريخ العمل به ويجوز تجديد هذه المدة لمرة واحدة بموافقة مجلس الوزراء المصري مع منحها رخصاً مؤقتة لمزاولة هذه الأنشطة لحين توفيق أوضاعها خلال المدة المذكورة وإعادة تنظيم الجهاز التنظيمي لمياه الشرب والصرف الصحي وحماية المستهلك، بالإضافة إلى تحديد مدة ستة أشهر لإصدار اللائحة التنفيذية لهذا القانون عقب نشره في الجريدة الرسمية».

وكانت مصر فتحت الباب أمام القطاع الخاص للاستثمار في الكهرباء من حيث الإنتاج لكن «تظل هي المتحكمة في تقديم الخدمة وتحصيل رسومها» بحسب مراقبين. وشهدت الخدمات في مصر زيادات كبيرة بالأسعار خلال السنوات العشر الماضية ضمن اشتراطات صندوق النقد لتقليل الدعم على الخدمات مقابل الحصول على قرض ميسر.

المصدر: https://n9.cl/o3oee