التواجد الأمريكي على الحدود.. هل ترفض مصر هذا التواجد حقا؟

288828

 مصر ترفض التصورات المقترحة لموطئ قدم أمريكي في البحر الأحمر

حملت الرسائل المسربة على مجموعة بتطبيق «سيجنال» التي تحمل اسم «Houthi PC small group» والتي ناقش فيها مسؤولون بالإدارة الأمريكية هجومًا وشيكًا على مواقع الحوثيين في اليمن منتصف مارس الماضي في طياتها إشارات إلى ملامح سياسة أمريكية جديدة تجاه مصر: «سنجعل ما نتوقعه في المقابل واضحًا قريبًا لمصر وأوروبا».

لم يُفصح المسؤولون الأمريكيون في المجموعة عن ماهية ما يتوقعونه تحديدًا مقابل استعادة الأمن في قناة السويس -وهو ما لم يتحقق حتى الآن رغم نبرتهم المتفائلة-، لكنهم عبروا عن يقينهم بأن تحقيقهم ذلك سيعود بالنفع على مصر وأوروبا، اللتين تكبدتا خسائر اقتصادية فادحة على مدى 18 شهرًا من الهجمات الحوثية على السفن التجارية المارة بالقناة، ردًا على حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة.

وبسبب تلك الهجمات اضطرت شركات الشحن الكبرى إلى التوقف عن استخدام البحر الأحمر الذي تمر عبره نحو 12% من حركة التجارة البحرية العالمية واللجوء إلى مسار أطول بكثير يمر حول الطرف الجنوبي للقارة الإفريقية.

تأثرت إيرادات قناة السويس نتيجة لذلك لتبلغ خسائرها نحو 800 مليون دولار بحسب تقديرات أعلنها عبد الفتاح السيسي في مارس الماضي.

وبحسب مسؤولين أوروبيين ومصريين وإقليميين تحدثوا إلى «مدى مصر» خلال الأسابيع الأخيرة فإن ما تريده الولايات المتحدة وتناقشه مع حلفائها الإقليميين هو تغيير جذري في منظومة الأمن بالبحر الأحمر، بما يضعها في طليعة القوى المراقبة لهذا الممر البحري. إلا أن مصر، بحسب المصادر، ما زالت تقاوم الضغوط المتزايدة من الولايات المتحدة وحلفائها الخليجيين للاستجابة لمطالب قد تتسبب في المزيد من التهميش لمكانتها بالمنطقة.

وتبقى المسألة الأكثر إلحاحًا على أجندة الولايات المتحدة هي التهديد الذي تشكله جماعة الحوثي في اليمن. فمنذ نوفمبر 2023 استهدفت الجماعة على الأقل 100 سفينة تجارية في البحر الأحمر وخليج عدن باستخدام الصواريخ والطائرات المسيّرة والزوارق ما أسفر عن غرق سفينتين والاستيلاء على ثالثة ومقتل أربعة من أفراد الطواقم.

وكانت إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن شنّت بالتنسيق مع المملكة المتحدة غارات على مواقع الحوثيين في اليمن أما إدارة الرئيس الحالي، دونالد ترامب فأطلقت في 15 مارس الماضي، حملتها الخاصة على اليمن تحت اسم عملية «راف رايدر». وتوعّد ترامب باستخدام «قوة فتّاكة ساحقة» حتى تتوقف الجماعة المتمردة المدعومة من إيران عن استهداف حركة الشحن في الممر البحري الحيوي.

وقد نُفذت في اليوم الأول من الحملة ما لا يقل عن 40 غارة جوية في أنحاء متفرقة من اليمن، خاصة في العاصمة صنعاء ومحافظة صعدة. وبحلول نهاية مارس، وبعد 15 يومًا من بدء الحملة تجاوز عدد الضربات الجوية أي شهر سابق منذ بدء الضربات الأمريكية في اليمن.

ونفذت الولايات المتحدة منذ بدء الحملة في منتصف الشهر الماضي ضربات شبه يومية على أهداف في اليمن ووصفتها القيادة المركزية الأمريكية بأنها عملية متواصلة على مدار الساعة.

وتكبد كثافة الضربات وتواترها الولايات المتحدة تكاليف مالية باهظة. ووفقًا لشبكة CNN، بلغت التكلفة الإجمالية للعملية العسكرية الأمريكية في اليمن، مع بداية أبريل الجاري، قرابة مليار دولار، رغم أن تأثيرها في تقويض قدرات الحوثيين ما زال محدودًا.

ووفقًا لأحد المصادر من المرجّح أن يلجأ البنتاجون إلى طلب تمويل إضافي من الكونجرس لمواصلة العملية لكن الموافقة على هذا الطلب تبقى غير مؤكدة في ظل الانتقادات المتصاعدة للعملية داخل أروقة الكونجرس.

هذه التكاليف المتزايدة أصبحت مصدر قلق واضح للإدارة الأمريكية ويُمثل هذا أحد جوانب ما «تتوقعه في المقابل».

وفي تصريح لدبلوماسي أوروبي يعمل في المنطقة خلال مقابلة مع «مدى مصر» أوائل أبريل الجاري قال إن «ترامب يريد انخراطًا عسكريًا وماليًا أكبر من مصر» في المعركة ضد الحوثيين. ووفقًا له فإن أي دعم لوجيستي يمكن أن تقدمه مصر للهجمات الأمريكية في اليمن ليس كافيًا لواشنطن.

من جانبها رفضت مصر المشاركة عسكريًا وأوضحت أنها لا تملك الموارد المالية اللازمة لتقديم دعم مادي.

مصدران مصريان أكدا أن الولايات المتحدة طلبت من القاهرة تعاونًا عسكريًا وماليًا في البحر الأحمر. وبحسب المصدر الأول، عندما رفضت مصر تقديم دعم مالي للمهمة في مارس الماضي، أبلغت وزارة الخارجية الأمريكية السفارة المصرية في واشنطن أنها ستعيد النظر فيما ستطلبه من القاهرة في المقابل.

وبحسب المصدر فإن الفهم السائد في القاهرة هو أن تصريح ترامب في وقت سابق من هذا الأسبوع، بأن على مصر السماح بمرور السفن الأمريكية في قناة السويس «مجانًا»، هو نتيجة مباشرة لهذا الطلب السابق.

إلا أن هذا الطلب وضع مصر في مأزق بحسب المصدر لأن الاستجابة له قد تفتح الباب أمام مطالب مماثلة من دول أخرى ما قد يقوّض أحد أهم مصادر الدخل القومي التي تعتمد عليها مصر وهي إيرادات القناة.

ورغم عدم صدور موقف رسمي من القاهرة، فإن مصر لم تعلن رفضها الطلب وفقًا لمصدر في مركز أبحاث تابع للدولة لكنها شكّلت لجنة لدراسة كيفية الرد على الطلب الأمريكي.

تأتي هذه المطالب على خلفية الضغوط التي تواجهها مصر للمشاركة في العمليات ضد اليمن. ويقر مسؤول مصري ثانٍ بوجود ضغوط مستمرة سواء من الولايات المتحدة أو من حلفائها الخليجيين وخاصة السعودية والإمارات، لدفع مصر للمشاركة في الحرب ضد الحوثيين.

«رغم أن مصر تتأثر بشكل مباشر من تعطل حركة الملاحة في البحر الأحمر، فإنها تدرك أن المطالب الأمريكية والخليجية تهدف بالأساس إلى حماية مصالح تلك الأطراف أكثر من كونها سعيًا لاستعادة الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس» يقول المسؤول، مضيفًا أن مصر «عرضت تقديم المشورة بشأن المخاطر الأمنية المتصاعدة في البحر الأحمر لكنها لا تعتزم أن تكون طرفًا في صراع تتجاوز تكاليفه المكاسب المحتملة».

يشير المسؤول إلى الورطة التي وقعت فيها مصر في ستينيات القرن الماضي عندما دعمت قوات الجمهورية العربية اليمنية الثورية. «هذه عملية لا نرغب في تكرارها بمصر، خصوصًا بعد الخسائر الفادحة التي تكبدتها مصر في الحرب السابقة باليمن»، يقول. «الحوثيون في اليمن ليسوا قوة يمكن هزيمتها بسهولة، بالنظر إلى طبيعة اليمن الجغرافية، وسيطرتهم على البلاد منذ 2015، وتحكمهم في إمكاناتها، وطردهم للحكومة الشرعية، إلى جانب الدعم الواسع الذي يتلقونه من إيران ودول أخرى مثل الصين».

«الولايات المتحدة لا تريد أن تخوض المعركة بمفردها رغم أنها هي من بدأتها دعمًا لإسرائيل ومحاربة للحوثيين. كان الأجدر بها، قبل أن تطلب الدعم من أصدقائها وحلفائها في المنطقة أن تضغط على إسرائيل لوقف عدوانها على غزة وسوريا ولبنان. مصر أبلغت جميع شركائها وأصدقائها في المنطقة بما فيهم الولايات المتحدة بأنها لن تكون طرفًا في أي صراع يهدد السلام والاستقرار في الشرق الأوسط» يقول المسؤول.

لكن حتى وإن كانت مصر غير راغبة في المشاركة المباشرة بالضربات الجوية على اليمن، إلا أنها تواجه ضغوطًا من جهة أخرى. فبحسب دبلوماسي إقليمي، تسعى تل أبيب وواشنطن إلى إقامة وجود عسكري دائم للولايات المتحدة في البحر الأحمر، شمال معسكر «ليمونييه»، القاعدة البحرية الأمريكية في جيبوتي.

يقول المسؤول المصري الأخير ومسؤول مصري ثالث إن السعودية عرضت السماح للولايات المتحدة بإقامة قاعدة عسكرية على جزيرتي تيران وصنافير، الواقعتين عند مدخل خليج العقبة.

وبحسب المسؤول الثالث فإن الهدف من القاعدة هو أن يتولى الجيش الأمريكي تأمين قناة السويس ومنع دخول أي سفن «مشبوهة» يُحتمل استخدامها في نقل أسلحة ومعدات عسكرية إلى قطاع غزة أو الأراضي اللبنانية، خاصة تلك القادمة من إيران.

كانت مصر وافقت في 2016 على نقل السيادة على الجزيرتين إلى السعودية في خطوة رأت فيها القاهرة فرصة لتعزيز العلاقات الثنائية وجذب الاستثمارات السعودية لكنها أثارت موجة احتجاجات واسعة داخل البلاد ومعركة قانونية طويلة. ونُظمت التظاهرات يوم عيد تحرير سيناء ذكرى انسحاب إسرائيل من شبه الجزيرة في 1982 ووصف بعض النشطاء الخطوة على مواقع التواصل الاجتماعي بـ«الخيانة العظمى».

ورغم مصادقة البرلمان رسميًا على الاتفاقية وتوقيع الرئيس عليها، فإن عملية نقل السيادة لم تُستكمل، ما أدى إلى فتور في الدعم السعودي بعدما كان أكثر سخاءً فيما مضى.

في عام 2023 كشف «مدى مصر» أن القاهرة لم تكن قد توصلت بعد إلى اتفاق مع الرياض وتل أبيب بشأن مضمون الرسائل الرسمية المتبادلة التي يفترض أن تُستكمل بها عملية نقل السيادة بشكل نهائي، كما أن تفاصيل الترتيبات الأمنية التي يجب أن تسبق صياغة هذه الرسائل لا تزال محل خلاف.

يقول مصدران حكوميان إن الخلاف بين مصر والسعودية بشأن تيران وصنافير يتعلق بكاميرات المراقبة التي تريد السعودية وضعها على الجزيرتين بالتنسيق مع إسرائيل حيث تُظهر بيانات الأمن القومي المصري أن مدى تغطية هذه الكاميرات يتجاوز النطاق الذي تسمح به مصر ويكشف كامل شبه جزيرة سيناء بحسب المصدرين.

كان موقع «أكسيوس» ذكر في 2022 أن الولايات المتحدة حاولت التوسط بين مصر وتل أبيب والرياض لإتمام عملية النقل ضمن اتفاق تطبيع أوسع مقترح بين إسرائيل والسعودية، لكن مصر رفضت المشاركة، مما أدى إلى إفشال هذه المساعي.

اليوم يقول المسؤول المصري الأول إن التوتر لا يزال قائمًا بين السعودية ومصر بشأن الجزيرتين وإن الرسائل اللازمة لاستكمال عملية النقل لم تُرسل بعد. وأوضح أن جزءًا من التباطؤ المصري يرجع إلى استمرار وجود خلافات داخل الإدارة المصرية نفسها بشأن نقل السيادة على الجزيرتين.

كما تثير المقترحات الجديدة الخاصة بإقامة قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة انقسامًا مماثلًا داخل دوائر صنع القرار في القاهرة، إذ عبّر بعض المسؤولين الذين تحدثوا إلى «مدى مصر» عن رفضهم التام، في حين أشار آخرون إلى أن مصر ليست في موقع يمكّنها من رفض الطلب السعودي بشكل قاطع، وأنها قد تضطر في نهاية المطاف إلى البحث عن سبل تضمن تحقيق بعض التنازلات لصالحها.

أما المسؤول المصري الثالث فيشير إلى وجود العديد من المخاوف لدى القاهرة بشأن وجود عسكري أمريكي محتمل.

أولاً تخشى القاهرة أن يؤدي تعزيز الوجود العسكري والأمني الأمريكي في المنطقة إلى التأثير على الاستثمارات الأجنبية في خليج السويس، لا سيما تلك التي مُنحت لشركات صينية وروسية، وهو ما قد يعرقل هذه الاستثمارات التي تعوّل عليها مصر لتسريع وتيرة التنمية الاقتصادية في محور قناة السويس، فضلًا عن انعكاسها السلبي على علاقاتها مع بكين وموسكو، بالنظر إلى حجم استثمارات البلدين في مصر خلال العقد الأخير ومصالحهما الاستراتيجية وعلاقاتهما بأطراف فاعلة في اليمن والسودان ومنطقة القرن الإفريقي.

ثانيًا تخشى مصر أن تؤدي هذه الخطوة إلى تقويض الترتيبات الأمنية القائمة في سيناء، والتي سمحت بموجبها إسرائيل للقاهرة بزيادة عدد القوات المصرية وبناء نقاط أمنية جديدة في إطار حربها ضد تنظيم ولاية سيناء التابع لداعش. وبحسب المصدر، تسعى إسرائيل حاليًا إلى تقليص هذه الترتيبات.

ثالثًا من شأن إقامة قاعدة أمريكية على الجزيرتين أن تعزز العلاقات الأمنية المباشرة بين السعودية وإسرائيل وهو ما يُتوقع أن تكون له تداعيات سلبية على الدور الإقليمي لمصر وعلى علاقاتها مع القوى الغربية التي لا تزال تعتبر مصر ذات مكانة مهمة في ضوء اتفاقية السلام الموقعة مع إسرائيل.

في المقابل لا يستبعد المسؤول المصري الثاني أن تدرس مصر المقترح السعودي، مشيرًا إلى أن مصر قد تطلب في المقابل السماح لها بتعزيز وجودها الأمني على الساحل الشرقي لجنوب سيناء.

ويتوقع المسؤولان المصريان الثاني والثالث أن يكون المقترح السعودي بشأن تيران وصنافير على جدول أعمال زيارة ترامب المرتقبة إلى السعودية في منتصف مايو.

وفي السياق ذاته صرح مسؤول مصري رابع لـ«مدى مصر» بأن وزير الخارجية بدر عبد العاطي ناقش خلال زيارته إلى السعودية الأسبوع الماضي مع المسؤولين في المملكة مسألة تفعيل «منتدى البحر الأحمر» المؤجل وذلك قبل زيارة ترامب حيث أعد الجانبان سلسلة من الاتفاقيات الأمنية المتعلقة بالبحر الأحمر، يرغبان في توقيعها خلال الاجتماعات. ووفقًا للمسؤول فإن أحد الأهداف الأساسية لهذه الاتفاقيات هو حصول السعودية على حماية أمريكية في حال تعرضها لأي هجوم.

المصدر: https://n9.cl/iezd6

جس نبض “استباقا لزيارة ترامب”

يربط مراقبون بين حديث ترامب عن قناة السويس والأنباء التي تتردد حول سماح السعودية لأمريكا ببناء قواعد عسكرية في تيران وصنافير وبين زيارة الرئيس الأمريكي للسعودية والإمارات وقطر الشهر الجاري والتي يعتقدون أنه سيتبعها ترتيبات كثيرة بإقليم الشرق الأوسط وقد يكون من بينها هذا الملف لحماية دولة الاحتلال الإسرائيلي.

وقبل أيام قال رئيس تحرير صحيفة “الأهرام” المصرية الأسبق عبد الناصر سلامة: “هناك أنباء عن أن زيارة ترامب المقبلة للسعودية تتضمن الحديث عن إقامة قاعدة عسكرية أمريكية على تيران وصنافير” ملمّحا إلى رفض مصري وضغوط أمريكية على القاهرة.

وفي آذار/ مارس 2017 ظهر ذلك الحديث لأول مرة وحتى قبل أن تقر مصر بسعودية الجزيرتين حيث قال الصحفي زيد القنائي بصحيفة “تايمز أوف إسرائيل” العبرية إن “السعودية وفق خطة مسربة ستقوم بمنح واشنطن قاعدة عسكرية داخل تلك الجزر بهدف خنق إيران وروسيا”.

وهو ما سبقه حديث مثير لنقيب الصحفيين المصريين الأسبق مكرم محمد أحمد تشرين الأول/ أكتوبر 2016 حين قال بحوار تليفزيوني إنّ: “إسرائيل تمثل طرفا ثالثا بقضية تيران وصنافير” وأكد أنها: “ستقوم بما كانت تقوم به مصر من حماية أمنية للجزيرتين”.

إلى ذلك تشير أنباء صحفية عن وجود خلاف مصري سعودي حول تسليم الجزيرتين بشكل نهائي إلى الرياض، خاصة حول الترتيبات الأمنية التي قد تمثل قلقا للقاهرة ومخاوف من تهديد الأمن القومي المصري.

وفي ذات السياق تتحدث تقارير أخرى عن عدم مشاركة مصر بهجمات عسكرية تشنها أمريكا على “جماعة الحوثي” باليمن ردا على منعها السفن الإسرائيلية من المرور بمضيق باب المندب بالبحر الأحمر ودعمها المقاومة الفلسطينية بمواجهة تل أبيب التي ترتكب مذابح بحق 2.3 مليون غزاوي منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.

من مصر للسعودية لـ”إسرائيل”

منذ الحديث عن ترسيم الحدود البحرية المصرية السعودية نيسان/أبريل 2016 وما يتبعها من نقل تبعية “تيران وصنافير” للرياض ثار جدل بين المعارضين والنظام المصري قضت فيه المحكمة “الإدارية العليا” كانون الثاني/ يناير 2017 ببطلان الاتفاقية وتأكيد تبعية الجزيرتين الاستراتيجيتين لمصر.

لكن محكمة “الأمور المستعجلة” وبطلب من الحكومة المصرية قضت في نيسان/أبريل من ذات العام، باستمرار الاتفاق ونقل السيادة للسعودية الأمر الذي أقره البرلمان المصري حزيران/ يونيو 2017 وأيدته المحكمة “الدستورية العليا” آذار/مارس 2018.

آنذاك خرجت عدّة تقارير تشير لرفض قيادات بالجيش للاتفاقية لكن السيسي كان قد اتخذ قراره مبكرا، وخاطب الرأي العام 13 نيسان/أبريل 2016 بقوله إن البيانات والوثائق تؤكد سعودية الجزيرتين مطالبا الجميع بعدم الحديث بالأمر.

وبحسب التقارير قد “نتج عن تلك الاتفاقية تحول مضيق “تيران” الإستراتيجي الذي أغلقته مصر عام 1967 في وجه الملاحة الإسرائيلية، من ممر مائي مصري لممر دولي يخضع للقانون الدولي للبحار، وصار من حق سفن الكيان المرور دون أحقية مصرية بمنعها، وفق تعبير مراقبين”.

الأنباء الجديدة دفعت بسياسيين ومعارضين مصريين لتحميل السيسي ومن أقروا اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مسؤولية ما يجري الآن من تهديد للأمن القومي المصري وبينهم السياسي مجدي حمدان موسى.

وطالب السياسي محمد محيي الدين المحكمة “الدستورية العليا” بتحديد موعد عاجل لنظر الطعن الذي قدمه السفير المصري الراحل إبراهيم يسري على حكمها السابق.

في المقابل شكّك الباحث المصري بشؤون الأمن القومي، جمال طه بصحة الخبر قائلا إنّ: “مصر لم تتبادل التصديق على اتفاق تيران وصنافير ولم يدخل الاتفاق حيز التنفيذ” زاعما أن “مصر لم تسلم الجزيرتين بعد أن تيقنت مبكرا أن هناك نية لتسليمهما لواشنطن”.

ولفت إلى أنه: “لو صدق الخبر فسيكون لتحريض ترامب للضغط على مصر لتسليم الجزيرتين”.

“تعزيز أمن وحماية إسرائيل”

في قراءته للموقف قال رئيس “أكاديمية العلاقات الدولية” عصام عبدالشافي إنّ: “الحديث عن وجود قواعد عسكرية إسرائيلية أو أمريكية في تيران وصنافير وأن الهدف الرئيسي من هذه القواعد هو التحكم والسيطرة بحركة المرور والملاحة بالبحر الأحمر كلام يحتاج لإعادة ضبط”.

وفي حديثه أوضح أنه: “في الأخير وإن كنا نتحدث عن أمن البحر الأحمر من جانب واشنطن فهناك قواعد عسكرية أمريكية بجيبوتي، والصومال، وإريتريا، وجزيرة سوقطرة اليمنية والسعودية، وتسهيلات أمنية أمريكية عسكرية بإثيوبيا وتسهيلات أمنية عسكرية وأيضا وجود عسكري وتنسيق أمني مع مصر بدرجة كبيرة بجانب أن الأسطول الخامس موجود ببحر العرب والخليج العربي”.

وأكد أنه “لذلك وبعد أحداث طوفان الأقصى أعلنت واشنطن بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي القيام بعملية أمنية لحماية البحر الأحمر وبالتالي فالأمر لا يحتاج هنا فكرة قواعد عسكرية بقدر ما يرتبط بأن التنازل عن تيران وصنافير، هدفه الأول أن تكون السعودية عراب الصفقة”.

“تقوم بالدفع والتمويل وتكون الجزيرتان تحت سيطرة وهيمنة إسرائيل تفعل فيهما ما تشاء وخاصة أن هناك خلفية تاريخية ترتبط بتيران وصنافير عندما تم استخدامهما بإغلاق طريق المرور عبر قناة السويس قبل حرب 1967” وفق رؤية الأكاديمي المصري.

ويرى أنه: “لذلك فإن منح السعودية قواعد عسكرية لأمريكا إن صح لا أعتقد أنه أمر مرتبط بأمن البحر الأحمر ولا أعتقد أنه مرتبط من مكان قريب للتحكم والسيطرة بل الهدف الرئيسي تعزيز أمن وحماية إسرائيل بالدرجة الأولى”.

وتابع بأنّ: “هذا يأتي على حساب الأمن القومي للسعودية ولمصر، فأي وجود أجنبي عسكري بدولة بقدر مصر تهديد لأمنها القومي ويعد تحكما بسيادتها، وأي وجود عسكري أجنبي بدولة بحجم السعودية تهديد لأمنها القومي وسيادتها”.

وأشار إلى أنه “عند الحديث عن زيارة ترامب للسعودية والإمارات وقطر فأحد أهداف الزيارة باعتباره رجل أعمال اقتصادية والهدف الآخر ملف التطبيع بهدف تعزيز هيمنة إسرائيل على المنطقة”.

واستدرك: “لكن في الخلفية إعادة هندسة الشرق الأوسط والتحكم بالأوراق الرئيسية فيه ومنها الممرات المائية والمضائق ومنها قناة السويس والتحكم بمسار التجارة العالمية بالبحرين الأحمر والمتوسط كأداة ووسيلة لتأمين هيمنة إسرائيل، ومواجهة التمدد الصيني الاقتصادي بالمنطقة عبر مبادرة (الحزام والطريق)”.

وخلص للقول: “لا يجب النظر للأمر باعتباره قضية فرعية وبلا قيمة، فالقضية للأسف هي فكرة الهيمنة والسيطرة وإعادة هندسة الشرق الأوسط لصالح الكيان الصهيوني برعاية وتمويل وضغط أمريكي”.

وفي نهاية حديثه اعتقد أنه: “لذلك يجب أن تكون هناك رؤية استراتيجية حقيقية وعلى الأقل إن لم تمتلك الشعوب العربية القدرة على المواجهة بهذه المرحلة فالحد الأدنى أن تمتلك الوعي بخطورة هذه التحركات والسياسات بهذا التوقيت”.

“حرمان مصر وحماية إسرائيل”

حول أهمية تلك الخطة لدولة الاحتلال الإسرائيلي قالت رئيسة “المجلس الثوري المصري” مها عزام إنّ: “أي دراسة لخارطة المنطقة تُبين أن الكيان له منفذان بحريان؛

  • الأول بالبحر المتوسط
  • والثاني عبر خليج العقبة حيث مرفأ إيلات”.

وأوضحت أنّ: “التأكد من أن  معبر تيران وصنافير يبقى مفتوحا يُعطي للكيان إمكانية استلام أي واردات من مرفأ إيلات من الجنوب البحري في حالة (وهي مستبعدة جدا الآن) أن العلاقات مع مصر تسوء فتقفل مصر على الكيان استعمال قناة السويس لتوصيل الشحن إلى شاطئ المتوسط”.

وبمعنى آخر تُبين أنّ: “وجود تيران وصنافير بحوزة مصر يعطي الدولة قوة ضغط تجارية على الكيان ناهيك عن البعد العسكري بأن إيلات من ناحية وغزة من ناحية أخرى يحددان خط الحدود للكيان مع مصر”.

وترى أنه: “إذا كان الخبر صحيحا وسُمح لواشنطن ببناء قواعد عسكرية على تيران وصنافير يكون الكيان حينذاك حمى هذا المعبر الاستراتيجي تجاريا وعسكريا من أي إمكانية مستقبلية لأي دولة عربية تملكه بأن تستعمله للضغط على الكيان”.

وتعتقد أنه “من هذا المنطلق فإن تسليم السيسي الجزيرتين للنظام السعودي من منطلق الأمن القومي المصري كان خطأ فادحا لا يمكن تعويضه، لأن السيسي تخلى عن مقدرة مصر في التحكم بشعبتي شمال البحر الأحمر وهو ذخر استراتيجي دون مقابل ونرى الآن مدى ضعف وتقوض السيطرة المصرية على منطقة شمال البحر الأحمر جراء ذلك”.

“جس نبض”

من جانبه يرى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، عبد الله الأشعل أنّ: “ما أثير عن قواعد عسكرية أمريكية بتيران وصنافير بقبول سعودي جس نبض لردود الفعل العربية ولا تستطيع السعودية منح أمريكا قواعد عسكرية هناك لأنه غير مؤكد حتى الآن تسلم الرياض الجزيرتين من القاهرة بشكل نهائي”.

وفي حديثه أكد وهو أحد المدافعين عن مصرية تيران وصنافير أن “هذا نتيجة منطقية للتفريط بالجزيرتين وبيعهما وقبض ثمنهما وخروج البعض من مؤيدي النظام والمستفيدين منه عامي 2016 و2017 بالقطع والترويج بسعودية الجزيرتين بما فيهم شخصيات سياسية وإعلامية وعسكريون سابقون”.

وأضاف: “كان لا بد من التمسك بمصرية الجزر، وترافعت أمام (مجلس الدولة) حول ذلك وأصدرت كتاب (الحقائق والأساطير في مصرية تيران وصنافير)، عرضت خلاله 30 وثيقة تاريخية للخارجية المصرية”.

وقال: “واضح أن أي توجه نحو منح واشنطن موطئ قدم على الجزيرتين المصريتين لقواعد عسكرية يعرض الأمن القومي المصري للخطر” متسائلا: “أين الأشاوس الذين يدعون الحفاظ على أمن مصر؟”.

ولا يعتقد أنها “خطوة سهلة على الشعب الذي قد لا يصمت هذه المرة، خاصة وأنه مع أزمات بينها غلاء جميع مقومات الحياة، فيما أرى أنها إبادة للمجتمع المصري تماما، وهذا ما تريده إسرائيل”.

ويرى أنه: “على الجانب الآخر قد يكون الموضوع أكبر من فقط قاعدة عسكرية في تيران وصنافير، خاصة مع ما أثاره ترامب حول المرور من قناة السويس بلا رسوم”، معتقدا أنّ: “أمريكا طامعة بالقناة وتريد الاستيلاء عليها وجمع عوائدها”.

“سيناء مكشوفة ومحاصرة”

يرى الباحث المصري تقادم الخطيب أنّ: “تيران وصنافير قلعتان طبيعيتان تحرسان بوابة سيناء الجنوبية من جهة البحر الأحمر ومن يسيطر عليهما يتحكم بمضيق تيران المعبر الوحيد لخليج العقبة والطريق البحري لموانئ نويبع وطابا بسيناء وإيلات بإسرائيل والعقبة بالأردن”.

وأكد أن “الجزر تقف عند مفترق طرق استراتيجي حساس أشبه بـ(صمام أمان) لحركة الملاحة وأي تهديد لهما يعني تهديدا مباشرا لشريان الحياة البحري نحو جنوب سيناء” مضيفا: “تخيّل لو أن قوة معادية سيطرت عليهما يصبح الساحل الجنوبي لسيناء مكشوفا ومحاصرا الموانئ بلا منفذ والقوات بلا إمدادات”.

المصدر: https://n9.cl/jrt8lp

تداعي السيادة وانهيار الردع

بحسب وثائق “ويكيليكس” المنشورة عن مصر إبان يناير/كانون الثاني 2011 أن السعودية التي كانت متوجسة من امتداد أثر سقوط نظام مبارك ضمن متوالية الربيع العربي على ملكيتها النفطية الاستبدادية قد أسست بنيةً دبلوماسية استخبارية لجمع المعلومات الحساسة والتأثير ما أمكن على الأوضاع في مصر.

فقد نجحت السعودية باستخدام المال السياسي في استقطاب نخب بارزة محسوبة على نظام مبارك لكتابة تقديرات موقف موضوعية عن الأوضاع السائلة في مصر تتضمن توصيات للجهات العليا في المملكة لتعظيم المصالح وتقليل المخاطر.

يقع على رأس تلك القائمة مصطفى الفقي سكرتير رئاسة الجمهورية في عهد مبارك ومصطفى بكري الإعلامي المحافظ المقرب من الجيش وهي نفس الشخصيات التي أدت دورًا بارزًا في وقت لاحق هو عام 2016 لتبرير استيلاء الرياض على جزيرتي تيران وصنافير الاستراتيجيتين على البحر الأحمر ضمن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين.

ما جرى اكتشافه عام 2019 أن الرياض الحليفة الوطيدة للقاهرة على أرضية التحالف السني الإقليمي المعتدل في مواجهة الإسلام السياسي وإيران قد استخدمت تقنيات “إسرائيلية” شديدة التقدم لاعتراض الاتصالات التي يجريها مسؤولون مصريون رفيعو المستوى داخل دوائر الدولة منهم رئيس الوزراء وحقائب الخارجية والمالية والعدل والاتصالات.

وقد استخدمت السعودية أداة “بيغاسوس” التي تنتجها شركة NSO الإسرائيلية ولا تباع إلا للحكومات الحليفة لاعتراض اتصالات المسؤولين المصريين كما جاء في التحقيق الاستقصائي الذي شاركت فيه منصة “قصص ممنوعة” الفرنسية ومعمل الأمن الرقمي التابع لمنظمة العفو الدولية وعدد من المنصات الصحافية المرموقة دوليًا وعربيًا وكشف عنه صيف 2021 فيما لم يرد أي تعليق رسمي من السلطات المصرية على تلك النتائج.

“إسرائيل”.. الدوس على الخط الأحمر

مع اندلاع معركة “طوفان الأقصى” أكتوبر/تشرين الأول الماضي على بعد أمتار من حدودها أعلنت القاهرة أمام الرأي العام العالمي فلسفتها في التعاطي مع هذا الحدث الاستثنائي والتي تقوم على إدانة اقتحام مستوطنات غلاف غزة وجملة ما حدث صبيحة يوم السبت من حركة حماس، دون الإخلال بالانحياز التاريخي للشعب الفلسطيني المحاصر والذي يتعرض لحملة عسكرية تتسم بالوحشية وعدم التناسب.

وبالتزامن مع لعبها دور الوساطة الإيجابية لتجنب عدم انزلاق الإقليم إلى حرب شاملة ستمتد نارها إلى الجميع، قالت القاهرة إن لديها عدة “خطوط حمراء”، بعدم المساس بها ستظل بعيدةً عن الانخراط المتوتر في الأزمة.

بتحليل تلك الخطوط الحمراء يتضح أنها تتعلق كليًا بالحملة العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة أو بلغة أوضح، فإن المخاطب بتلك التحذيرات هي “إسرائيل” فقط.

وتتمثل تلك الخطوط الحمراء في عدم اتخاذ إجراءات ميدانية تؤدي إلى دفع الفلسطينيين قسرًا للحدود المصرية وهو ما يعني نكبة جديدة وتصفية للقضية على حساب سيناء المصرية وبعدم غزو مدينة رفح المتاخمة للحدود المصرية.

على أرض الواقع لم يكد يمر الأسبوع الأول من مايو/آيار 2024 إلا وقد أقدمت “إسرائيل” على استباحة الخط الأحمر المرسوم من النظام السياسي في مصر. غزت رفح الفلسطينية التي نزح إليها جل فلسطينيي الشمال أول الحرب بعد اجتياح خان يونس. واحتلت محور فيلاديلفيا المتاخم للحدود المصرية، بالمخالفة لأحد البنود المستحدثة من اتفاقية “كامب ديفيد” عام 2005 بل وقتلت عددًا من الجنود المصريين في رفح المصرية.

لم تتوقف الإهانة الإسرائيلية المتعمدة للقاهرة عند هذا الحد فقد تكررت عمليات قتل الجنود داخل الحدود المصرية ودمرت معبر رفح البري من الجانب الفلسطيني بما أدى إلى قطع الشريان المصري، الدبلوماسي والتجاري مع عالم غزة وتقليص المساعدات الشحيحة النافذة إلى القطاع لحدها الأدنى مع فشل اللسان الأمريكي المستحدث على شواطئ القطاع في تلك المهمة.

ومع الصمت المصري غير المفهوم تجاه العربدة الإسرائيلية تجرأت “إسرائيل” على المزيد من الاستباحة للمصالح المصرية حيث اتهمت القاهرة أمام المحاكم الدولية بالمسؤولية عن حصار الفلسطينيين، بل وعن تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة عبر محور فيلاديلفيا.

ليغدو الوضع كالتالي: القاهرة مجردة من أي أوراق سياسية في ظل عدم طرح إمكانية الانسحاب من اتفاق السلام أو تخفيض العلاقات مع “إسرائيل” باعتبارها “خطوط حمراء” حقيقية واستباحة جوية وخسائر بشرية، وممارسات استفزازية وصياغة وضع أمني جديد على الحدود مع غزة لا يراعي الحد الأدنى من الشواغل المصرية.

المصدر: https://n9.cl/zmns4

ماذا نعرف عن جزيرتي تيران وصنافير؟

تبعد جزيرتا تيران وصنافير عن بعضهما بمسافة نحو أربعة كيلومترات في مياه البحر الأحمر ما يجعلهما نقطة تحكم لدخول خليج العقبة وميناءي العقبة في الأردن وإيلات في إسرائيل.

تقع جزيرة تيران عند مدخل خليج العقبة على امتدادٍ يتسم بأهمية استراتيجية يطلق عليه “مضيق تيران” وهو طريق إسرائيل لدخول البحر الأحمر.

وجزيرة تيران أقرب الجزيرتين إلى الساحل المصري، إذ تقع على بُعد ستة كيلومترات عن منتجع شرم الشيخ المطل على البحر الأحمر.

وتتمركز القوات المصرية في الجزيرتين منذ عام 1950 إذ كانتا من بين القواعد العسكرية الاستراتيجية لمصر في فترة “العدوان الثلاثي” عام 1956 واستولت إسرائيل عليهما في ذلك الوقت.

كما سيطرت إسرائيل على الجزيرتين مرة أخرى في حرب 1967 لكنها أعادتهما إلى مصر بعد توقيع البلدين إتفاقية سلام في عام 1979.

وتنص بنود اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية على أنه لا يمكن لمصر وضع قوات عسكرية على الجزيرتين، وأن تلتزم بضمان حرية الملاحة في الممر البحري الضيق الذي يفصل بين جزيرة تيران والساحل المصري في سيناء.

والجزيرتان غير مأهولتين بالسكان باستثناء وجود قواتٍ تابعةٍ للجيش المصري وقوات حفظ السلام متعددة الجنسيات منذ عام 1982.

وأعلنت السلطات المصرية الجزيرتين محمية طبيعية بعد أن أعادتها إسرائيل إلى مصر وباتت الجزيرتان مقصدا للسياح الذين يمارسون رياضة الغوص في البحر الأحمر.

وجاء قرار عبد الفتاح السيسي في أبريل/نيسان 2016 بتبعية الجزيرتين للسعودية ليفجر حالة من الغضب الشعبي وأزمة داخلية بين مؤيد للقرار ومعارض له.

وواجه السيسي انتقاداتٍ حادة لما اعتبره معارضون “بيعا” للأراضي المصرية لاسيما بعد أن جاء القرار أثناء زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، لمصر في ذلك الوقت. وأعلن الملك سلمان أثناء الزيارة عن مساعدات لمصر واستثمارات فيها.

وأكد السيسي أكثر من مرة على اقتناعه بأن الجزيرتين سعوديتان، واعتبر أن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية ترد الحق لأصحابه.

وأصدرت المحكمة الإدارية العليا في مصر “حكما نهائيا باتا واجب النفاذ” ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر السعودية والتي نصت على أن الجزيرتين سعوديتان. وأشارت المحكمة إلى أن الجزيرتين هما ضمن الإقليم المصري وخاضعتان للسيادة المصرية الكاملة بينما قضت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بسريان الاتفاقية ما اضطرّ الحكومة إلى اللجوء للمحكمة الدستورية العليا لتحديد أي من المحكمتين لها الولاية القضائية للفصل في هذا الخلاف.

وفي ديسمبر/كانون الأول عام 2016 أحالت الحكومة المصرية الاتفاقية إلى البرلمان لمناقشتها وإقرارها وهو ما رآه منتقدو الاتفاقية محاولة للالتفاف على حكم القضاء.

وفي يوليو/تموز 2017 وافق مجلس النواب المصري في جلسة عامة على اتفاقية إعادة تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية، وأقرّ سيادة الرياض على جزيرتي تيران وصنافير، ما رآه حقوقيون “التفافاً” على القضاء.

وقال سامح شكري وزير الخارجية المصري حينها إن الاتفاقية وُقعت بعد 11 جولة من التفاوض، مشيراً إلى أن لجنة قومية تضم كبار مسؤولي وزارتي الخارجية والدفاع وأجهزة سيادية مثلت مصر في التفاوض واستندت في المفاوضات لقرار الرئيس الأسبق حسني مبارك عام 1990.

ومنذ ذلك الحين تشهد مصر جدلا قانونيا وسياسيا وإعلاميا واسعا إذ يرى برلمانيون أن الحكم القضائي مُلزم للحكومة فقط وأن قبول الاتفاقيات الدولية أو رفضها من اختصاص مجلس النواب باعتباره أعلى سلطة تشريعية في البلاد، وبالتالي فهو صاحب الكلمة الفصل في هذه القضية.

وأكدت تقارير سابقة للحكومة المصرية أن السعودية وافقت على أن تحتفظ مصر “بحق إدارة وحماية” جزيرتي تيران وصنافير، حتى إذا تمت الموافقة على نقل السيادة عليهما.

وبحسب التقارير فإن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي تضمنت نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير للسعودية تنهي فقط الجزء الخاص بالسيادة ولا تنهي مبررات وضرورات حماية مصر للجزيرتين.

ورجح مسؤولان مصريان بحسب موقع مدى مصر أن يكون المقترح السعودي بشأن تيران وصنافير على جدول أعمال زيارة ترامب المرتقبة إلى السعودية في منتصف مايو/أيار الجاري.

المصدر: https://n9.cl/o5tev