ملفات خليجية | “حياة الماعز”.. قصة 170 دقيقة أطاحت بسنوات من خطط الأمير محمد بن سلمان

“حياة الماعز” فيلم هندي أغضب النظام السعودي، بعدما أحدث دويا هائلا على جميع الأصعدة الشعبية والإعلامية، فضلا عن منصات التواصل الاجتماعي، الذي تصدر فيها لأيام هاشتاغ “حياة الماعز” أو “الكفيل”.
الفيلم الذي عرض على منصة “نتفليكس” في 24 مارس/ آذار 2024 ومدته 3 ساعات، مأخوذ عن قصة حقيقية هي رواية “أيام الماعز” التي تجسد معاناة المواطن الهندي، نجيب محمد” الذي “اختطف” في السعودية خلال تسعينيات القرن الماضي وتمكن من الفرار بعد مرور ثلاث سنوات.
أبطال الفيلم هم الممثل الهندي بريثفيراج سوكوماران والفنان العماني طالب البلوشي الذي صب عليه السعوديون جام غضبهم ومنع من دخول المملكة، بحسب الصحفي السعودي المعارض تركي الشلهوب.
ووصف النقاد الفيلم بـ”دراما البقاء المدهشة” بعدما كشف عن جحيم استعباد العمالة الوافدة إلى السعودية عبر نظام الكفيل “رجل سعودي هو المسؤول عن العمالة القادمة إلى البلاد يكون هو المتحكم في حياتها وحرية حركتها وإقامتها وأجورها” سيئ السمعة.
لكن “حياة الماعز” ترك انطباعا آخر عن مدى قوة الصورة والعمل الدرامي في الانتصار لقضية، فهناك عشرات التقارير الحقوقية الدولية التي نشرت وانتقدت نظام الكفيل لكنها لم تأتِ بنفس ردة فعل العمل السينمائي الضخم.
قصة الفيلم ..
استغرق تصوير الفيلم نحو خمس سنوات، بين الهند والأردن والجزائر وهو من إخراج المخرج الهندي الشهير، ليسي توماس وشهرته “بليسي”.
وعرض للمرة الأولى في الهند ثم عرض على المنصة العالمية “نتفلكس” منذ يوليو/ تموز 2024 ليصبح في أيام معدودة أحد أكثر الأفلام مشاهدة على المنصة.
ومع نزول الترجمة العربية الخاصة بالفيلم منتصف أغسطس/ آب 2024 انفجرت ردود الأفعال داخل العالم العربي والشرق الأوسط.
وتبدأ قصة الفيلم عندما يصل نجيب إلى السعودية وفي المطار لا يفهم لغة الموظفين ولا يجد كفيله الذي كان من المفترض أن يستقبله.
ويصبح عرضة للنصب والاحتيال بل الاختطاف من أصحاب البلد ثم يظهر كفيل “وهمي” سعودي صارم الملامح قاسي الطباع عنيف المعاملة.
اصطحبه في سيارة متهالكة في رحلة نحو الصحراء القاحلة، يسبه كلما تكلم يوبخه كلما سأل يضربه كلما اعترض وأخذه إلى المجهول أو إلى جحيم الصحراء لرعاية الماعز.
ظل نجيب 3 أعوام في قبضة الكفيل السعودي تحول فيها إلى شخص آخر فقد وزنه طالت لحيته وتغير لون جسده.
كما تعرض لأبشع أنواع التنكيل فلا ماء ولا طعام إلا بإذن الكفيل لم ير إلا الماعز فبات يعيش حياتهم، يأكل أكلهم حتى فقد القدرة على الكلام، إلا بعضا من أصوات يطلقها الماعز بين الحين والآخر.
في إحدى اللقطات يتوسل (نجيب) في مشهد مؤثر يمزق القلب والدموع تنهمر من عينيه على وجهه وهو يحكي كيف باع كل شيء وغادر عائلته سعيا وراء وظيفة موعودة لكن كلماته باللغة المالايالامية لم تجد صدى لدى كفيله.
أما مشهد النهاية في الفيلم قبل عودة نجيب إلى الهند مرة أخرى كشف عن مفاجأة مذهلة داخل مصلحة الجوازات وقسم الترحيلات وهي أن السعودي الذي اصطحب نجيب من المطار لم يكن بالأساس كفيله الحقيقي وهو ما يوضح بشاعة هذا النظام الذي راح ضحيته آلاف البشر عبر سنوات طويلة.
رؤية فنية ..
ينتمي فيلم “حياة الماعز” إلى ما يعرف بـ”سينما الواقع” حيث إنه في عام 2008 تسلم المخرج الهندي بليسي رواية “أيام الماعز” التي حققت انتشارا كبيرا حينها نظرا إلى وجود نحو 2.1 مليون هندي من ولاية كيرالا (التي ينتمي إليها نجيب) يعيشون خارج وطنهم وما يقرب من 90 بالمئة منهم يعيشون في دول الخليج ومعظمهم في السعودية.
بدأ المخرج بليسي في إدخال بعض التعديلات على الرواية لتحويلها إلى عمل سينمائي ضخم.
لكنه رغم علمه بتفاصيلها المجملة كونها حديث الناس في الولايات الجنوبية الهندية ذهل حين قرأها بشكل دقيق ونقدي.
وفي تعليقه على تلك الرواية في حديثه لموقع “بي بي سي” البريطاني، قال بليسي “من السمات البارزة لهذه القصة هو امتزاج الهويات بين الإنسان والحيوان فهذا الرجل يفقد هويته ببطء كإنسان ويصبح واحدا من تلك الحيوانات لم أقرأ شيئا كهذا من قبل”.
وبحسب المعلومات الفنية الواردة عن الفيلم في موقع السينما العالمي “IMDB” فقد استخدم “بليسي” تقنيات التصوير باستخدام الإضاءة الطبيعية لتعزيز واقعية المشاهد.
كما استخدام اللقطات العريضة (Wide Shots) لالتقاط المناظر الطبيعية الشاسعة وإبراز البيئة التي تعيش فيها الماعز.
وقام بالتصوير باستخدام كاميرات محمولة (Handheld Cameras) لتحقيق تأثير وثائقي وشعور بالاندماج مع الشخصيات والبيئة.
لكن تلاعب المخرج بالألوان الطبيعية أضفى بعدا مختلفا فكان دائما يستخدم الإضاءة الصفراء في مشاهد السعودية كتعبير عن الصحراء القاحلة والقسوة والكآبة.
في حين أنه استخدم الإضاءة الطبيعية المبهرة في مشاهد الهند للتعبير عن السعادة والطمأنينة وصور الغابات الخضراء والأنهار.
هدم المعبد ..
تلك التفاصيل جعلت من فيلم “حياة الماعز” أيقونة كشفت عوار نظام الكفيل داخل السعودية.
لكنه أغضب نظام محمد بن سلمان الذي أطلق العنان للذباب الإلكتروني، خاصة أن ذلك النظام ومندوبه في رئاسة هيئة الترفيه تركي آل الشيخ، أنفقوا مليارات الدولارات لرسم صورة جديدة للسعودية أمام العالم.
فعلى مدار سنوات نظموا الحفلات، وغيروا القوانين، وبدلوا الهوية، واستضافوا مناسبات عالمية كبرى، في محاولة لتوجيه رسالة مفادها أن السعودية قادمة وبقوة نحو رؤية 2030 وكأس العالم 2034.
لكن ما فعله فيلم “حياة الماعز” أنه هدم المعبد فوق الرؤوس، وفتح نقاشا لن يتوقف عن حقوق العمال في السعودية وفعالية الإجراءات التي أدخلتها على نظام الكفالة منذ مارس 2021 فيما عرف بخدمة التنقل الوظيفي ومبادرة تحسين العلاقات التعاقدية.
وبالحديث عن نظام الكفالة محور الفيلم وسبب النقد فإنه نظام يتطلب من جميع العمال الوافدين أن يكون لديهم كفيل داخل البلد.
عادة ما يكون صاحب العمل المسؤول عن تأشيراتهم ووضعهم القانوني خاصة أن تصريح الدخول والعودة للعامل الوافد إلى السعودية لا يتم إلا بموافقة الكفيل.
كذلك الإقامة تجدد سنويا من خلال مبلغ مالي يدفعه للكفيل وهو الذي يقوم بأي إجراءات تتعلق بالتأمين الطبي على العامل ويشترط الحصول على موافقة الكفيل للانتقال من عمل لآخر أو الانتقال إلى كفيل آخر.
وظل هذا النظام مطبقا بوضعه القديم في السعودية لمدة 72 عاما قبل أن تحدث بعض التعديلات التي لم تحسن الأوضاع إلا قليلا.
وفي مارس 2021 أصدرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية الدولية تقريرها عن إشكاليات نظام الكفيل في المملكة.
وقالت المنظمة إن “ثروة السعودية واقتصادها بنيت على ظهر ملايين العمال الوافدين وحان الوقت لتغيير جذري بمنحهم الحماية القانونية وضمانات الحقوق التي يستحقونها”.
قوة الدراما ..
وقال الناقد الفني عبد الرحمن الشرقاوي إن “الدراما والسينما ليست مجرد أعمال فنية وليدة الحالة وتنتهي بل هي توثيق يظل قائما لسنوات طويلة ويحفر في وجدان ملايين البشر”.
وأوضح أن “فيلم حياة الماعز وثق لظلم نظام الكفيل ولما يحدث للعمال الهنود تحديدا في السعودية وبعض دول الخليج وهو توثيق يتجاوز عشرات التقارير الحقوقية والمقالات الصحفية التي تقرأ ويتم تجاوزها في أيام وشهور على الأكثر”.
وأضاف “يجب ألا نستهين بقوة الصورة واللقطة فهناك صورة غيرت مسار غزو الولايات المتحدة لفيتنام في الستينيات عندما قام رئيس الشرطة الوطنية في فيتنام بسحب أسير إلى وسط الشارع مدينة سايغون وأطلق عليه رصاصة في رأسه ليرديه قتيلا ببرودة”.
واستطرد “كان على بعد أمتار يقف المصور الأميركي إدي آدامز الذي اقتنص هذه اللحظة التاريخية القاسية في صورة خالدة صنعت الكثير وغيّرت وجهة الرأي العام باتجاه الحرب في فيتنام”.
وتابع: “الدراما حاليا قادرة على تغيير سياسات دول كبرى وهي بمثابة غزو ناعم أيضا وقد رأينا الهند نفسها تغزو الولايات المتحدة بالدراما وتركيا وصلت إلى أميركا اللاتينية بمسلسلاتها المشهورة”.
المصدر: https://2h.ae/cFQu
فيلم “حياة الماعز”.. لماذا أغضب السعوديين ؟؟
المخرج الهندي المعروف ليسي توماس وقد عُرض في الهند لأول مرة في مارس/آذار الماضي ويعرض على المنصة العالمية الشهيرة “نيتفلكس” منذ يوليو/تموز الماضي ليصبح في غضون أيام قليلة أحد أكثر الأفلام مشاهدة على المنصة.
العمل سلط الضوء مجددًا على نظام “الكفيل” الذي تتمسك به السعودية حتى اليوم رغم إلغاء جيرانها الخليجيين له وهو النظام الذي يتنافى شكلًا ومضمونًا مع مبادئ حقوق العمال والإنسان في آن واحد، ويتعارض مع مزاعم التطوير والعصرنة التي تقوم بها الدولة النفطية وبسببه تعرضت المملكة لانتقادات حقوقية لاذعة على مدار سنوات.
وفي غضون أيام قليلة تصدر فيلم “حياة الماعز” محركات البحث في العالم العربي إقبال غير متوقع على هذا العمل الذي يعتبره البعض تجسيدًا حقيقيًا لما يحدث داخل المملكة بعيدًا عن الصور المزيفة التي يحاول رئيس هيئة الترفيه تركي آل الشيخ تصديرها من خلال مهرجاناته الرياضية والفنية..
فلماذا أثار الفيلم كل هذا الجدل؟
حياة الماعز.. قصة حقيقة ليست من وحي الخيال
ينتمي فيلم حياة الماعز إلى السينما الواقعية، فهو مستوحى من رواية “أدوجيفيثام” بالعربية “حياة الماعز” والتي جسدت بشكل أدبي تجربة أحد الشباب الهندي “نجيب” حين حاول السفر للعمل في السعودية عام 1991 كواحد من الأعمال التي تسلط الضوء على معاناة فقراء الهند الذي يسعون لتحسين مستوياتهم المعيشية في بلدان الشرق الأوسط، لا سيما الخليج.
كان نجيب الذي جسد دوره في الفيلم الفنان الهندي، بريثفيراج سوكوماران يعاني من تدني حياته المعيشية في ولاية كيرالا جنوب الهند، وسمع من بعض زملائه عن رغد العيش في بلدان الشرق الأوسط لا سيما السعودية فمنى نفسه أن ينوبه حظًا من هذا الرغد، وفكر في تجربة العمل هناك لكنه صُدم بكلفة التأشيرة الباهظة والتي تساوي تقريبًا ثمن منزله الوحيد.
وبعد تفكير ليس بالطويل استقر به الحال أن يرهن منزله من أجل الحصول على المال لدفع ثمن التأشيرة متوهمًا أنه سيفك هذا الرهن بعد سفره بشهرين فقط كما أخبره أحد أصدقائه لتبدأ بعد ذلك رحلة المعاناة التي استعرضها العمل وأطال في تفاصيلها بشكل كبير.
وأحدثت تلك الرواية الصادرة أول مرة عام 2008 والمكتوبة باللغة الماليالامية (اللغة الرسمية لولاية كيرالا الجنوبية) رواجًا كبيرًا في الشارع الثقافي الهندي لا سيما في الجنوب حيث صُدر منها 250 طبعة في عام واحد فقط كونها تعبر بشكل كبير عن معاناة الكيرالايين في بلدان الخليج.
ويعود هذا الرواج والانتشار الكبير لتلك الرواية إلى وجود ما يقرب من 2.1 مليون هندي من ولاية كيرالا يعيشون خارج وطنهم ما يقرب من 90% منهم يعيشون في دول الخليج، حيث ترتبط الولاية بعلاقات جيدة تاريخيًا مع شبه الجزيرة العربية وبلدان الخليج النفطية.
في عام 2008 تسلم المخرج الهندي بليسي الرواية وبدأ في إدخال بعض التعديلات عليها لتحويلها إلى عمل سينمائي، لكنه ورغم علمه بتفاصيلها المجملة كونها حديث الناس في الولايات الجنوبية الهندية، ذُهل حين قرأها بشكل دقيق ونقدي، مضيفًا في تعليقه على تلك الرواية في حديثه “من السمات البارزة لهذه القصة هو امتزاج الهويات بين الإنسان والحيوان فهذا الرجل يفقد هويته ببطء كإنسان، ويصبح واحدًا من تلك الحيوانات لم أقرأ شيئًا كهذا من قبل”.
ومع طرح الفيلم داخل دور العرض في مارس/آذار الماضي، حقق في الأسبوع الأول فقط أكثر من 870 مليون روبية (أي ما يعادل 8.23 مليون جنيه إسترليني أو 10.4 مليون دولار) في جميع أنحاء العالم وهو رقم من الصعب تحقيقه مع عمل ليس بالإنتاج الضخم مثل الأفلام الأخرى.
معاناة لا تنتهي
بعد أن رهن نجيب منزله لتوفير ثمن التأشيرة، ودع زوجته ووالدته وهو محمل بأحلام الثراء لهما ولطفله الذي ما زال جنينًا في بطن أمه كان الاتفاق مع سمسار السفر الهندي الذي وفر له التأشيرة أن يكون العمل داخل إحدى الشركات السعودية مع توفير غرفة مكيفة وطعام جيد وراتب شهري يضمن له حياة كريمة هناك وإرسال جزء منه لعائلته وسداد رهن البيت في غضون شهرين فقط.
بدأت المعاناة مع وصوله مطار السعودية حيث اصطدم أول الأمر بجهله باللغة العربية كذلك جهل ضباط المطار باللغة الماليالامية وربما كان تواجد صديق هندي معه (حكيم) في تلك الرحلة خفف عنه تلك المعاناة إلى حد ما، إذ كان يجيد بعض الكلمات الإنجليزية التي يتعامل بها مع الآخرين.
وبعد فترة طويلة قضاها الشابان الهنديان في المطار لم يأت كفيلهما المفترض حضوره لتسلمها وتوصيلهما لمكان عملهما كما أُخبرا لكن في نهاية الأمر وجدهما رجل سعودي قاسي الطباع كما يبدو على ملامحه، وسألهما عن سبب وقوفهما لكنهما لم يفهما بطبيعة الحال العربية وحين عرف أن كفيلهما لم يأت لهما بادر هو بأخذهما.
كان مع الكفيل السعودي سيارة بصندوق لتحميل الأغنام أو البضائع وعلى الفور طلب منهما ركوبها فهمّا إلى اللحاق به داخل كابينة السيارة لكنهما فوجئا بطلبه منهما أن يركبا في الخلف في المكان المخصص للأغنام مع صياح في وجههما ونعتهما بعدم الفهم.. وهنا كانت البداية.
حتى هنا لم يدر بخلد الشابين أن الأمر فيه مشكلة، لكن مع مرور الوقت وابتعاد السيارة رويدًا رويدًا عن المناطق الحضرية والدخول إلى قلب الصحراء بدأ القلق يساورهما وفجأة توقف الكفيل السعودي وطلب من حكيم أن ينزل من السيارة لتسليمه إلى أحد أصدقائه الذي يمتلك مزرعة للأغنام والإبل وهنا كانت الصدمة أيقن نجيب أنه وصديقه لن يكونا في مكان واحد ليأخذه السعودي إلى مزرعة أخرى على مسافة ليست بالقصيرة مما فيها صديقه.
وما إن وصل نجيب إلى المزرعة حتى بدأت المعاناة الحقيقية حيث لا مكان للمبيت ولا مياه للشرب ولا طعام للأكل فجأة وجد نفسه في العراء مع الأغنام والإبل وفي ظل عدم القدرة على التواصل مع السعودي صاحب المزرعة تعمقت الأزمة وزادت شدتها.
حاول الشاب الهندي إخبار السعودي بأنه جاء إلى هنا للعمل في شركة وليس في مزرعة وأن تربية الأغنام والقيام على رعايتها ليست وظيفته وأخرج أوراقه الرسمية التي تؤكد على ذلك، وهنا كانت الصدمة الثانية حيث أخذ السعودي منه تلك الأوراق ومزقها أمام عينيه خشية أن يُحدث له مشكلات إذا ما أخرجها أمام أي مسؤول فيما بعد.
وفجأة وجد نجيب نفسه مستعبدًا لدى كفيله فلا شرب إلا بإذنه وبالكمية التي يقررها ولا طعام إلا ما يُلقى له من الفتات ولا استحمام ونظافة مطلقًا حتى قضاء الحاجة يتم التعامل معها بالرمال وليس بالمياه بل مُنع من الاتصال بأهله وهنا استدعى الشاب الهندي أيام ما كان في بلاده حيث النهر القريب من منزله والحياة التي كانت رغم ضيق عيشها أفضل عشرات المرات مما باتت عليه اليوم.
وبعد مقاومة وعناد وتمرد على هذا الوضع في مقابل ضرب وانتهاكات وإذلال من قبل كفيله رضخ نجيب للأمر الواقع وبدأ يتعامل مع الوضع كما طُلب منه ليقضي 3 أعوام تقريبًا بين الأغنام حتى تحول مع مرور الوقت إلى واحد منهم يأكل أكلهم ويشرب شربهم بل ولا يتحدث إلا بالأصوات الصادرة عنهم نسي الكلام ونسي التفكير ونسي نفسه بالكلية.
وفجأة وفي أثناء قدوم سيارة العلف التي تحمل طعام الأغنام والإبل نظر نجيب لأول مرة منذ مجيئه للمزرعة في مرآة السيارة وهنا كانت الصدمة حيث لحيته الطويلة وشعره المجعد ولونه الذي ازداد سمرة وتجاعيد الحياة التي خيمت على وجهه كانت الصدمة مروعة على الشاب الهندي الذي قرر بعدها أن يرحل بأي طريقة ومهما كان الثمن.
وبعد محاولات عدة حاول فيها الهروب ومُنيت بالفشل فجأة وفي أثناء رعايته للأغنام في الصحراء قابل صديقه حكيم وقد فعل به الزمن ما فعله بنجيب، حينها قرر الصديقان الفرار عن طريق راعي إفريقي على دراية بدروب الصحراء لتبدأ رحلة الهروب التي كانت في حد ذاتها رحلة عذاب وألم ومعاناة فاقت تلك التي كان يعاني منها الصديقان في مزرعتيهما.
وبعد رحلة شاقة لقى فيها صديقه حكيم ودليله الإفريقي حتفهما وصل نجيب إلى الطريق الرئيسي، بعدما بات على بعد أمتار قليلة من الهلاك ليأخذه رجل سعودي بدا عليه الطيب والجود وأكرمه بالطعام والماء قبل أن يوصله إلى قلب المدينة حيث ذهب إلى بعض من أفراد الجالية الهندية في السعودية ممن قاموا بعلاجه وتهذيب ملامحه التي شوهتها معاناة الأعوام الثلاث.
لم يفكر نجيب في البقاء في المملكة بعد تلك المعاناة والتجربة المريرة، وقرر العودة لبلاده بعدما تحدث إلى زوجته لأول مرة منذ سنوات، لكنه كان مطالبًا باستخراج أوراق ثبوتية تثبت صحة موقفه وقانونيته حتى يتمكن من السفر وهنا كان لا بد أن يوضع في سجن مع فاقدي أوراقهم الرسمية لعرضهم على الكفلاء من السعوديين ممن أبلغوا عن وافديهم الهاربين.
المفاجأة هنا أنه في أثناء العرض على أصحاب العمل السعوديين تعرف عليه الرجل الذي أخذه من المطار حين قدم إلى المملكة وأخبره أنه لو كان كفيله لما تركه وعاقبه على هروبه حينها أيقن نجيب أن هذا الرجل لم يكن كفيله في الأساس وأنه استعبده كل تلك السنوات بشكل غير قانوني وهو ما زاد من معاناته وآلامه.
وبعد أكثر من شهر قضاها في السجن لاقى فيها ما لاقى من أوجه التنكيل، خرج نجيب باتجاه المطار ليغادر المملكة إلى أهله وعائلته في وطنه وهنا توقف أمام سلم الطائرة مستدعيًا أحلامه بداية سفره حين كان يؤمل نفسه أن يعود محملًا بالأجهزة الكهربائية وغيرها لكنه استدرك قائلًا “الأفضل الآن أن أحمل لهم ما تبقى من عمري”.
نسف لسنوات من التجميل
يرى البعض أن هذا العمل الذي لم يتجاوز 3 ساعات نسف بشكل كبير جهود أكثر من 6 سنوات حاول فيها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، عن طريق ذراعه اليمنى، رئيس هيئة الترفيه، تركي آل الشيخ، رسم صورة مشرقة وبراقة ومبهرة للسعودية على المستوى العالمي.
أنصار هذا الرأي يعتبرون أن الفيلم رغم إنتاجه الضئيل أطاح بمليارات أنفقها آل الشيخ لتجميل صورة المملكة عبر مسارات الرياضة والفن والترفيه والإعلام في محاولة لطمس سجلها المشين حقوقيًا وسياسيًا والذي وضعها في مرمى الانتقادات الإقليمية والدولية.
وكشف هذا العمل عن الوجه الآخر للسعودية فالمملكة لم تكن البوليفارد وموسم الرياض ومهرجانات جدة فحسب، فهناك جانب آخر من الصورة لا يعرفه كثيرون ولا يُسلط عليه الضوء الكافي للتعريف به هذا الجانب الذي فضحه الفيلم الهندي في دقائق معدودة رغم جهود الإخفاء والتستر على مدار سنوات.
ومن عاش في السعودية قبل ذلك يعرف أن “نجيب” ليس الحالة الوحيدة لوافد تعرض لكل تلك الانتهاكات على أيدي كفيله فهو نموذج مصغر لعشرات آلاف المهاجرين واجهوا تلك المعاناة وربما أكثر منهم من توفي هناك من القهر دون أن يتمكن من العودة لأهله ومنهم من عاد في صندوق يحمل جثمانه دون الوقوف على حقيقة وفاته، ومنهم من يُزج به في السجن لسنوات ليس لسبب سوى مطالبته بحقه وراتبه.. هناك عشرات بل آلاف من مثل تلك الحالات الموثقة إما بشكل رسمي وإما عن طريق شهود عيان عايشوها رأي العين والسمع.
لماذا أغضب الفيلم السعوديين؟
الفيلم بكل تفاصيله أحدث جدلًا كبيرًا على منصات التواصل الاجتماعي حيث اعتبره البعض هجومًا على السعودية يستهدف سمعتها الدولية رغم أن الرواية ذاتها تعود لواقعة حدثت قبل 23 عامًا ومن ثم وبدلًا من مناقشة ما جاء بالعمل من اتهامات وطرح ملف الكفالة على طاولة النقاش جيشت اللجان الإلكترونية فرقها في الداخل والخارج للهجوم على هذا العمل وتبرئة المملكة مما نسبه إليها نجيب وحكيم والمخرج توماس بل واتهموا سلطنة عمان بالتواطؤ في تشويه سمعة السعودية بسبب مشاركة الفنان العماني طالب البلوشي الذي جسد دور الكفيل.
ووصل التجييش الممنهج إلى خارج حدود المملكة حيث تصدي بعض المواقع الصحفية غير السعودية لهذا العمل والزعم بأنه ينافي الواقع مدعية أنها استشهدت بآراء أفراد من الجاليات العربية المقيمة في المملكة والتي ترى فيما عُرض مجافاة للحقيقة ومبالغة غير منطقية.
لكن يبدو أن هذا الهجوم المضاد على الفيلم فشل في حصد ثماره، وذلك لعدة أسباب:
أولها: أن العمل صور في بوليود بقلب الهند، وفي ظل العلاقة الجيدة التي تربط الرياض بنيودلهي في الآونة الأخيرة، فمن الصعب الادعاء بأن هناك أهدافًا سياسة وراء العمل، وهي النقطة التي كان يمكن التعويل عليها حال إنتاج العمل خارج الهند مثلًا أو في بلدان أخرى تعاني علاقتها بالسعودية من توتر أو جفاء.
ثانيًا: في ظل مناخ الحرية النسبي التي تتمتع به السينما الهندية في مناقشة المشكلات والأزمات، الداخلية والخارجية، ليس من المرجح أن تتدخل السعودية لدى حليفها الهندي للمطالبة بوقف هذا العمل إذ إن فكرة التدخل في حد ذاتها قد تأتي بنتائج عكسية وتزيد من الرواج للعمل وانتشاره على قطاع أوسع.
ثالثًا: العزف على وتر أن العمل يستهدف الإساءة للإسلام في صورة السعودية بثقلها الإسلامي لخدمة أهداف هندوسية هو رأي قد يُرد عليه من داخل العمل نفسه حيث الاستعانة في نهاية الفيلم بشخص سعودي مسلم وكريم ويبدو عليه سمت الشهامة والنخوة ساعد نجيب على الوصول إلى المنطقة الحضرية وأكرمه فضلًا عن المرشد الإفريقي الذي دلهم على الطريق فكان نموذجًا للمسلم الكريم الذي آثر الشابين الهنديين على نفسه.
رابعًا: حالة الترويج الكبيرة التي شهدها الفيلم على منصات التواصل الاجتماعي، تحديدًا لدى الشارع العربي حيث اعتبرها البعض “تشفيًا” في تركي آل الشيخ وسيده وهدمًا للمعبد فوق الرؤوس ذلك المعبد الذي غرد كثيرًا خلال الآونة الأخيرة بعيدًا عن المزاج العربي والإسلامي.
وكان للجمهور المصري النصيب الأكبر من هذا التشفي ويرجع ذلك لأمر شخصي بينهم وبين آل الشيخ الذي أراد قبل فترة إنتاج فيلم بأبطال مصريين يشوه سمعة الشعب المصري إذ يحكي عن محتال مصري ينصب على الحجاج المصريين القادمين للمملكة لتأتيه الضربة من الهند حيث نجيب الذي فضح ما هو مستتر داخل السعودية وكشف عن الوجه القبيح للدولة النفطية.
لعل التأثير الأكبر لفيلم حياة الماعز والزلزال الذي أحدثه لدى الشارع السعودي يكمن في خرقه لكل حوائط الصد التي بناها تركي آل الشيخ وسيده على مدار سنوات فرغم القوانين المعدلة، والانقلاب الكبير على كل المرتكزات والثوابت الوطنية والدينية لتصدير صورة الأمير الإصلاحي والدولة العصرية جاءت 170 دقيقة فقط لتنسف تلك الجدران، وتفضح هشاشتها وضعفها بما يتعارض شكلًا ومضمونًا مع مزاعم الدولة القوية المبنية على أسس غير قابلة للصدأ ولا التآكل.
المصدر: https://2h.ae/Kqys
“حياة الماعز”… السياسة والكفيل السعودي
ربما يفسّر المشهد القصير في فيلم “حياة الماعز” للرجل السعودي الثري بسيارته الفارهة، المتعاطف مع العامل الهندي نجيب، من ولاية كيرلا، بعد أن أمضى سنوات مستعبداً، وفي ظروف قاهرة، من مالك للأغنام في مزرعة صحراوية نائية، بعد أن أوهمه هذا بأنه كفيله، غضب كثيرين في السعودية من الفيلم الذي لا يعرض صورة إيجابية لدولتهم ولا مجتمعهم سوى هذا المشهد القصير، ومن خلال شخص واحد يدعو للعامل، قائلاً: “ربّ ارحم هذا الرجل”.
أثار الفيلم جدلاً كبيراً فنّيا وسياسياً فبعضهم خصوصاً في مصر رأى أن صرف السعودية أموالاً طائلة على أعمال فنية وترفيهية لم يمنع أن يأتي نقد المجتمع والدولة في فيلم سينمائي وعلى منصة يعدّ مشاهدوها بمئات الملايين “نتفليكس”.
انقسم آخرون بشأن الفيلم فنّيا وهذا مجال متخصّصين، ويدلّ مرّة أخرى على قدرة “نتفليكس” على نشر الدعاية للأفلام التي يعرضها عبر الجدل المثال حولها.
… وبعيدا عن الدعاية والجانب الفني لامس الفيلم قضية أساسية في المجتمع السعودي والخليجي عموما وهي حقوق العمّال التي كانت موضوع انتقادات من منظمّات حقوقية سنوات طويلة. وفي المقابل، كانت الدول الخليجية تعمل على تحسين أوضاعهم عبر تقنين ساعات العمل لتفادي أشعّة الشمس الحارقة، وفتح مدن عمّالية… إلخ لكن نظام الكفيل بحد ذاته بقي إشكاليّاً. ويحسب للفيلم أنه أعاد تقديم “الكفالة” سلعة، بمعنى أن العامل البسيط يقدّم أو يبيع جهداً (بلغة الماركسيين) تحتاجه السوق لا بل يستغلّه بعضهم بسبب حاجته لها وهي لا منّة ولا مساعدة من الاقتصاد السعودي (أو الخليجي) لأولئك العمّال وهنا تظهر الرمزية العالية في مشهد الثري السعودي آخر الفيلم، الذي يدرك ذلك.
حال العمّال في الخليج موضوع أعمال فنية وأدبية عديدة ولعل رواية غسّان كنفاني “رجال في الشمس” (1963) لا تزال غير منسية رغم سياقاتها المختلفة المرتبطة بحال الفلسطينيين بعد عام 1948 لكن أحداثها تدور في الخليج. وكذلك الفيلم المصري “عرق البلح” المصري الذي يناقش غواية السفر إلى الخليج وأثمانه الاجتماعية لكن فكرة “الكفيل” ونقدها إبداعيا يحسبان لفيلم “حياة الماعز”. وكان شبّان سعوديون قد أثاروا قبل عشر سنوات تقريبا عبر أغنية راب بعنوان “كفيل” جدلاً كبيراً حيث انتقدوا نظام (أو أسلوب) تعامل الكفيل مع العمّال. وكان لافتاً أن الأغنية رحبت بها أوساط ثقافية عدة داخل السعودية. ومن كلمات الأغنية ما يعبّر عن عدم التعامل مع القوة الاقتصادية وفق نظام الكفيل، بشكل خاطئ.
يجرى استبعاد المنطق الاقتصادي في التعامل مع ظاهرة “الكفالة” حتى من المكفولين، وهم الحلقة الأضعف، لذلك لا يُلقى اللوم عليهم كثيرا هو ناتج من طبيعة هذا النظام الذي لم يتطوّر كثيراً منذ ظهوره. ولعل سعد الدين إبراهيم من أوائل من تلقّف الفكرة في كتابه “النظام العربي الجديد” بداية ثمانينيات القرن الماضي حين أشار إلى النماذج الاقتصادية -الاجتماعية الصاعدة في السوق العربية، ووصف نظام الكفالة بأنه “دور اجتماعي – اقتصادي من أغرب أنواع الأدوار في التاريخ” فالكفيل بمجرّد “تحمّل مسؤولية مبهمة تجاه السلطات والمكفول” يستطيع التحكّم بالمكفول، والاحتفاظ بجواز سفره (تغيّر هذا في معظم دول الخليج)، وهنا يصفها سعد الدين إبراهيم بـ”تجارة بشرية” أقرب إلى “الرقّ المؤقت”، وهذا ما استطاع فيلم “حياة الماعز” عرضه، أن الجهد البشري هذا عرضة للسرقة، والاستغلال، ومع تطوّره بات تعامل السلطات معه بيروقراطياً بحتاً، كما أظهر الفيلم في بحث الكافلين عن مكفوليهم في السجن بسبب هربهم وكأننا إزاء مشهد من أفلام الرقّ الأميركية قبيل الحرب الأهلية.
الإنتاج الهندي للفيلم يمنحه بعداً سياسياً- اجتماعياً آخر فقد كان النقد القادم من الدول المصدّرة إلى العمالة للخليج محدوداً فدول كالهند وباكستان وبنغلادش وأخيراً من دول أفريقية (خصوصا في الإمارات وقطر) وبحكم الأعداد الكبيرة المتّجهة إلى تلك الدول الخليجية تتفادى نقاش أوضاع العمّال من مواطنيها، وبالتالي، قد يكون “حياة الماعز” رسالة إلى الداخل الهندي أيضاً، خصوصاً أن المجتمع يشهد صعوداً يمينياً ويُعاد طرح الأسئلة القومية، وإن بشكل سلبي في معظم الأحيان. وعليه، قد لا تحصر حقوق العمّال وظروف عملهم في دول الخليج، لا بل قد تثير الجدل في الدول مصدّرة العمالة أيضاً.
رسالة الفيلم السياسية (لا يناقش المقال جوانبه الفنية) قوية وهذا ما تكرّر في كثير من أفلام “نتفليكس”. ولافتٌ أن يثار موضوعٌ الكفيل بعد أن عُرض في فيلم وهو الذي لم يكن يثار إلا على استحياء عربياً وهو ما يستدعي انخراطاً أكبر في هذا الجدل والنقاش ومراجعة خليجية لنظام الكفالة، خصوصاً أن الدول الخليجية وتحديداً السعودية تبدي صعوداً واضحاُ في دعم الاقتصاد المفتوح وتشكّل نموذجاً لدعمها عالميا. وبالتالي، فيلم مثل “حياة الماعز” سيتكرّر مرّات ولن يقتصر على هذا الجانب.
المصدر: https://2h.ae/gvWF
«حياة الماعز» وسياسة الاحتكاك الصفري في الخليج
بعد فترة وجيزة من مظاهرات الجالية البنغالية، في أكثر من بلد خليجي يأتي عرض الفيلم الهندي (حياة الماعز) ليكون محلًا لجدل واسع بين المشاهدين العرب بصورة تفوق ما جرى في الهند نفسها. فالصحف الهندية لم تحفل بتغطيات تعرضت لجوانب سياسية أو استعدائية وبعض التغطيات كانت من باب النقد الفني، أو الحديث عن موضوع الفيلم، بوصفه مسألة حقوقية من غير أبعاد سياسية.
في المقابل توزعت مواقف المشاهدين العرب بين الرفض التام والإنكار الكامل والحديث عن مؤامرة هندية تستهدف السعودية وبين من يتخذون موقفًا متطرفًا ضد السعودية والدول الخليجية بشكل عام، ويوظفون الفيلم لتصفية حسابات ليست ذات علاقة بالموضوع.
أتى الفيلم في توقيت حرج بخصوص ملفات العمالة الآسيوية في الخليج ولم تتمكن السعودية من بناء استراتيجية لتوظيف الفيلم لمصلحتها خاصة أن نظام الكفالة، الذي بنيت جوانب كثيرة من أحداث الفيلم على أساسه تعرض لمراجعة شاملة في السعودية وغيرها من دول الخليج منذ سنوات، كما إن الفيلم يتعرض لجانب من المجتمع السعودي تحاول الدولة تجاوزه من خلال هندسة مقاربة حداثية وليس عليها أن تتحمل ميراثًا يعود لأكثر من ثلاثين عامًا.
قبل المضي قدمًا فنظام الكفالة الرجعي كان يشتمل على عيوب جوهرية وأدى إلى ظهور طبقة من المستفيدين من إدارته وتوظيفه في مختلف الدول الخليجية واعتبره البعض منحةً من الدولة للمواطنين يستغلونها من أجل زيادة دخلهم أو الحصول على عمالة رخيصة، ومن غير حقوق تقريبًا كما إن الصورة الأوسع لأوضاع العمالة في الخليج أدت إلى تكشف إشكاليات أعمق من ذلك لأن الممارسة العملية تقوم على تخصيص الدولة الخليجية لأموال معينة لتمويل مشروعات البنية التحتية ويتم دخول المتعهدين، ومن ثم متعهدي الباطن ويعمل كل طرف على تخفيض التكلفة لتعظيم أرباحه.
فبينما تفترض الدولة أن العامل سيكلف مبلغًا معينًا فإن المتعهد الرئيسي يقوم باقتطاع جزء من التكلفة ليزيد من ربحه وكذلك المتعهد من الباطن ليصل إلى العامل بضعة مئات من الدراهم أو الريالات في النهاية مع تخفيضات أخرى في شروط السكن والتنقلات.
ويبقى أمام المسؤول الخليجي أن يتساءل مع الأزمات لماذا تحدث المشكلات مع أن الحقائق التي أمامه تقول غير ذلك؟ وهو السؤال الذي حاولت السعودية الإجابة عنه في السنوات الأخيرة.
الفيلم في بنيته الأساسية لم يصل إلى معالجة موضوع الكفالات نهائيًا فلو افترضنا أن الكفيل الذي تغيب لسبب مجهول في الفيلم كان موجودا أثناء وصول طائرة العاملين الهنديين فالفيلم كله لم يكن لينبني على أساس وبغض النظر عن أنه كان من الممكن للكفيل أن يضع العاملين في ظروف سيئة إلا أنها لم تكن لتصل أبدًا إلى المستوى الإجرامي الذي اقترفه رجل يمتلك قطعانًا من الجمال والأغنام والماعز، رجل يعيش تقريبًا خارج القانون ولم يكن محتملًا بأي صورة أن تتقاطع سلطة القانون من دوريات ومهام تفتيش نظامية مع أعماله بعيدًا عن أقرب طريق لعبور السيارات بعشرات الكيلومترات.
يقصد الفيلم الجمهور الهندي ويضع السعودية الشحيحة في المياه إلى درجة تجعله مخصصًا لرشفات متأنية مقابل الهند بمياهها الفياضة في مشهد متميز بصريًا ولكنه ينضح بالرمزية السهلة بالانتقال من الماء المنسكب من خزان في الصحراء إلى نهر كبير في الهند ولكن ما الذي يحدث في الهند على الجانب الآخر وراء الأشجار الكثيفة للغابات وكيف يمكن تجاهل نظام طبقي خانق يضم تصنيفات تضع كثيرين في فئة دون الآدمية وفي المقابل يأتي تفاعل الجمهور العربي محملًا بالتفسيرات الزائدة التي لم يتقصدها الفيلم بالضرورة.
وجد الجمهور العربي فرصةً جديدةً للمناكفات ووجبة شهية أمام الذباب الإلكتروني وألتراس المواقف السياسية، التي تحول فضاء الإنترنت إلى ساحة خصبة ورخيصة التكلفة المادية والمعنوية لاستيعابها متناسين أن بعض الدول الآسيوية قامت بمنع عاملات المنازل من التوجه إلى بلدان عربية معينة ولم تكن بلدانًا خليجية وذلك لوجود ثغرات في القوانين، أو شيوع معاملة خشنة من أصحاب المنازل، وهو ما قدم طرفًا منه الصحفي اللبناني حازم صاغية في كتابه «أنا كوماري من سريلانكا» وأن معظمهم لا يعتبر ذلك مشكلة تستحق اهتمامه أو متابعته.
بالعودة إلى مسألة التوقيت غير البعيد من مظاهرات الجالية البنغالية في أكثر من بلد خليجي لم يلتقط أحد أسئلة ذات طابع خليجي خاص وهي التركيبة السكانية، التي تشهد اختلالات عميقة وخاصة في دولتي الإمارات وقطر ومنها نسبة المواطنين إلى السكان، ونسبة الذكور إلى الإناث وهذه اعتبارات أدت مع عوامل ثقافية أخرى إلى ظهور نظام الكفيل خاصة أن دول الخليج تتجنب فكرة الاحتكاكات وتعمل على توظيف الأموال في جانب منها لإبقاء التوتر المحتمل في الحدود الدنيا أو الصفرية.
وسط حالة من الإفراط في الاستيراد تبقى فكرة استيراد المشكلات من الدول الأخرى مسألة مرفوضة خليجيًا لعدم وجود العمق السكاني الذي يمكنه أن يستوعبها والارتباك الذي أحدثه فيلم يدور حول جريمة فردية استغلت ثغرات قانونية وموقعًا بعيدًا عن الحدود الدنيا من التمدن يعتبر جزءًا من سياسة الاحتكاك الصفري ويبدو أن دول الخليج بشكل عام غير مستعدة أو غير مؤهلة في فكرها وذهنيتها السياسية للتعامل معه، وخاصةً في جوانبه المتعلقة بالبنى المجتمعية.
المصدر: https://2h.ae/efHE
ماذا أغفل فيلم “الماعز” في حكايته الملتبسة عن الكفيل؟
يوماً بعد يوم تتوسع رقعة الجدل عربياً حول فيلم “حياة الماعز” الذي أغضب الخليجيين وخصوصاً السعوديين بوصفه “متطرفاً” وفق قولهم.
وعلى رغم أن الفيلم بث في مارس (آذار) الماضي أي قبل نحو خمسة أشهر مستنداً إلى رواية صدرت عام 2008 لقصة حدثت مجرياتها في الصحراء سنة 1993 أي قبل نحو 31 عاماً فإن الحديث عنه طغى على منصات التواصل الاجتماعي أخيراً ولم يتوقف.
السجال حوله دعا مخرجه للتعليق أمس السبت مفنداً ردود الفعل، ومؤكداً أنه لا صحة لمزاعم كثيرة ومنها “تمويله ودعمه” في وقت شككت فيه الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان وهي جهة غير حكومية في السعودية عند أول تعليق لها عبر “اندبندنت عربية” في حسن النيات مشيرة إلى أهداف تقف خلف العمل، مثل “تحقيق أجندات سياسية”.
بالنظر إلى التسلسل الزمني للفيلم اللافت بين 1993 – 2024 يجده المناوئون يستدعي التوقف عنده طويلاً إذ يأتي في غضون أكثر من 30 عاماً شهدت فيها البلاد تغييرات قانونية واجتماعية هائلة ومتباينة توجت في الأعوام الأخيرة بإصلاحات في مجال المال والأعمال والقوى العاملة وتطورات حقوقية حتى إن مصطلح “الكفيل” صدر حوله أمر ملكي وثق في كلمة للرياض أمام أعضاء الأمم المتحدة في الدورة (59) للجنة القضاء على التمييز العنصري 2018. وأنشأت البلاد محاكم خاصة للعمال اسمها “المحاكم العمالية”، لضمان سرعة البت في هذا النوع من القضايا ذات الطابع الحقوقي الحساس في سياق مجموعة من التعديلات والأنظمة القضائية المستحدثة.
لكن هناك من اعتبر أن القصة فردية لرجل تعرض للخداع من رجل آخر ولا تستدعي كل هذه الهالة والحديث فالقصة واردة ومثلها حول العالم كثير، في وقت كان الجدل الذي ساد ليس على صدق القصة من عدمها بالقدر الذي كان عن محاولة تنميط حالة فردية على بلد مترامي الأطراف مر عليه خلال عقود مضت عشرات الملايين من العمالة.
ثمة أمر قد يسعد أرباب “الفن السابع” وهو أن هذا هو عصرهم الذهبي فالكتاب الذي صدر في قرابة 200 صفحة قبل نحو 16 عاماً لم يحدث ما أحدثته الشاشة وستائرها الحمراء في غضون أشهر وهذا أمر آخر يطول الحديث عنه.
“لم أقصد الإساءة”
الزاوية الأخيرة، كانت في السيارة الفارهة ومالكها السعودي، إذ وجد فيها مخرج الفيلم بليسى إيب توماس (60 سنة) مخرجاً، رآه يشهد على حسن نياته حين قال في تعليق نشره قبل ساعات عبر موقعة الرسمي على “فيسبوك”، “إن الفيلم حاول بلا هوادة تسليط الضوء على نبل النفس البشرية حتى في قلب شخص قاس. اشتد إيمان ’نجيب’ بالله بمرور الأيام ويأتيه الله أولاً على هيئة إبراهيم قادري (الأفريقي) ثم على هيئة السيد العربي الكريم (السعودي) مع الرولز رويس الذي لولاه كان نجيب مات على الطريق”. ويضيف، “حاولت أن أعطي هذه الرسالة باستمرار طوال الفيلم ولم أقصد أبداً إيذاء مشاعر أي فرد أو عرق أو بلد”.
ورأى أن المشاهد الإيجابية عن “الرجل العربي” في الفيلم كانت كثيرة فجميع موظفي المطعم والأشخاص في مركز الاعتقال مشاهد وثقت “معاني الرحمة والتعاطف” عند العربي وفق قوله قبل أن يضيف في بيانه “أنا مخرج الفيلم وسيناريو الفيلم من تأليف نفسي والفيلم من إنتاج شركتي الخاصة ’الرومانسية البصرية’ وأنا المالك الوحيد والمساهم فيها وليس لأي فرد أو شركة أخرى أي تورط في الإنتاج من الفيلم”.
يقول بليسي الحائز عدد من الجوائز في رده حول مزاعم كثيرة “الفيلم يجب التعامل معه بوصفه عملاً فنياً فقط، وأنا أصدر هذا البيان حين لاحظت أن هناك بعض المحاولات لخلق اضطراب اجتماعي من خلال تفسير محتويات الفيلم بشكل خطأ. أدعو الجميع إلى الامتناع عن أي جهود لنسب أي شيء أبعد مما كنت أنوي بصفتي كاتب سيناريو ومخرج ومنتج الفيلم”.
أكثر من علامة استفهام
من وجهة نظر أخرى يرى رئيس أول جمعية لحقوق الإنسان في السعودية (غير حكومية) الدكتور خالد الفاخري أن العمل فيه “تشويه للسمعة وتضليل عبر معلومات مغلوطة”.
ويقول “نحن جهة مستقلة لا تخضع لأي إشراف حكومي ولدينا حرية في التعاطي مع الملفات التي نتابعها رصدنا من قبل ظواهر سلبية وناقشناها مع جهات تنفيذية ووجدت طريقها للتعديل ولو أننا وجدنا ما يستحق الرصد في فيلم “رجل الماعز” لرصدناه ولكنه كان مضللاً” ولدى الجمعية فريق رصد تابع الفيلم وفق الفاخري قبل أن يدلي بتصريحه.
ويضيف “من أعد الفيلم يجهل ما يدور في دولة متقدمة ومنها اسم الكفيل الذي ألغي وبات صاحب العمل”.
ويؤكد أن “البلاد اليوم استحدثت ضمانات كثيرة للعمال مع وجود تطبيقات إلكترونية وطرق عديدة وسريعة للشكوى وضمانات تتعلق بحماية الأجور وتكفل للعامل الانتقال لمن لديه علاقة سلبية مع رب العمل”.
ويتساءل الفاخري عن “دور الشرط والنيابة والموارد البشرية واللجان العمالية في هذا الفيلم” قبل أن يجيب “ثمة أشياء كثيرة جهلها من قام بكتابة السيناريو”.
وفي السياق نفسه الذي تحدث عنه مخرج الفيلم بليسي حول مسائل تتعلق بداعمي العمل والمستفيدين من قصته، يرى الفاخري، “بطبيعة الحال هناك ممولون للسينما والأفلام والمنصات الإعلامية لتحقيق مسار معين، وهم بدعمهم سيقودون السيناريو لتحقيق رغباتهم وللإساءة بطريقة أو بأخرى”.
قال ذلك من دون تحديد أي اسم أو دولة. قبل أن يتساءل “أين هذه الأفلام عن المناطق التي يعيش بها الأفراد بتجاوزات كثيرة لا حقوق ولا شفافية هناك دول فيها انتهاكات عنصرية ودينية واستبداد لحقوق الإنسان؟ قبل أن يختتم هناك أكثر من علامات استفهام؟”.
وقد يجد العرب معالم قولهم الشهير “سبق السيف العذل” في مقدمة الفيلم الذي جاء في 170 دقيقة إذ كتب مخرجه “الفيلم لا يقصد الإساءة لأي بلد أو شعب أو مجتمع أو عرق” لكنها العبارة التي لم تنجه من واصب “إكس” وأخواتها.
الكفيل بين الأمس واليوم
وبالعودة لمصطلح “الكفيل” الذي ورد في الفيلم غير مرة وهي أول كلمة عربية عرفها بطل الفيلم (محمد نجيب) في المطار فهو مصطلح شائع في الخليج إذ “يكون لدى كل وافد من أجل العمل كفيل يكفله في حالة أن يكون على المكفول مديونيات تمنعه من السفر فيكون الكفيل ضامناً له” لكن في الممارسة العملية ثمة من يقول إن البعض استغل هذه الفقرة للتحكم في المكفول تحكماً تاماً مما أنتج بعض المخلفات وسوقاً كبيرة للتستر. وهو ما عملت البلاد أخيراً على تعديله من أجل تحسين بيئة العمل والعمال.
وأشارت هيئة حقوق الإنسان الحكومية في السعودية أمام أعضاء الأمم المتحدة في أبريل (نيسان) 2018 إلى أنه في مجال العمل تم “اتخاذ عدد من التدابير لحماية حقوق العاملين ومن أبرزها صدور قرار مجلس الوزراء بإلغاء مصطلح الكفيل وحظر احتفاظ صاحب العمل بجواز سفر العامل الوافد” وهو إجراء يمنح الوافدين حرية التنقل وعدم احتجاز وثائقهم.
وبدأ تطبيق النظام الذي تغير في الـ14 من مارس (آذار) 2021 أي قبل أن يرى فيلم “حياة الماعز” النور ولاحقاً في سبتمبر (أيلول) 2022 أدخلت تعديلات جديدة استهدفت “تعزيز حرية العمال في التنقل والبحث عن فرص عمل أفضل من دون الحاجة إلى موافقة صاحب العمل وتحسين ظروف العمل وبيئته لتصبح أكثر أماناً وإنصافاً مع تقلص فرص الاستغلال وسوء المعاملة”.
وتنص قوانين البلاد الصارمة اليوم على تجريم التستر على العمالة أو إيوائهم أو تشغيلهم من دون أوراق ثبوتية إذ رصدت الداخلية السعودية غرامة مالية تصل إلى 100 ألف ريال والسجن لمدة تصل إلى ستة أشهر مع الترحيل إن كان وافداً ناهيك بالاتجار بالبشر الذي صادقت الرياض على قانونه الدولي ولاحقت على أثره عشرات المتهمين باستغلال العمالة بتهم جنائية.
الرواية الوسيطة بين الفيلم وصاحب القصة
الفيلم المثير للجدل حاز بضع جوائز من بطولة الممثل بريثفيراج سوكوماران الذي يؤدي دور “نجيب”، ويستند إلى الرواية التي تحمل الاسم ذاته “Aadujeevitham” أو “حياة الماعز” صدرت عام 2008، للكاتب بنيامين باللغة الماليالامية التي تتحدث بها ولاية كيرالا جنوب الهند وترجمت إلى أكثر من ثماني لغات.
لكنه ما كان ليرى النور لولا وساطة من كاتب الرواية وهو الوسيط بين بطل القصة ومخرجها وهو كاتب يدعى بنيامين وعاش في البحرين ردهاً من الزمن.
يقول الروائي الذي ذاع صيته بعد الرواية في حديث مع صحيفة “دقيقة الأخبار” الهندية “عندما سمعت قصته، أدركت أن هذه هي القصة التي كنت أنتظر أن أرويها للعالم وأدركت أن هذه القصة لا بد وأن تروى. عادة لا نسمع إلا عن قصص النجاح في الخليج. ولكنني أردت أن أتحدث عن عديد من الذين يعيشون حياة مليئة بالمعاناة والألم”.
ولم يخفِ أن البطل الحقيقي “نجيب” “كان متردداً حول القصة وروايتها لأنه أراد نسيان ماضيه” لكنه نجح في إقناعه أخيراً.
ويبلغ نجيب اليوم 66 سنة وكان وفق لقاء أجري معه 2018 يعمل في الخليج وتحديداً في البحرين.
تم تصوير العمل على مراحل بين مارس 2018 ويوليو (تموز) 2022 من خلال ستة جداول زمنية في صحارى وادي رم بالأردن والصحراء الجزائرية في الصحراء الكبرى مع تصوير بعض المشاهد في ولاية كيرالا بالهند.
وتقطعت السبل بالطاقم الفني في الأردن لمدة 70 يوماً من مارس إلى مايو (أيار) 2020 بسبب قيود جائحة “كوفيد-19” إذ أعيدوا في النهاية إلى الهند عبر برنامج الإجلاء التابع للحكومة الهندية.
المصدر: https://2h.ae/jRQr
“حياة الماعز”.. تشويه للسعودية أم واقع حقيقي؟
“هذا الفيلم لا يحمل إساءة لأي دولة، أو شعب، أو مجتمع، أو عرق”، بهذه العبارة ينطلق الفيلم الهندي “حياة الماعز” الذي يعرض على منصة “نتفليكس”، ويحكي “قصة حقيقية” لعامل هندي يدعى “نجيب” وصل مطلع التسعينيات إلى السعودية، ليجد نفسه تحت رحمة “كفيل” وهمي، أودى به إلى الصحراء، في رحلة استعباد وظروف غير إنسانية للعيش امتدت لـ 3 أعوام قبل الهرب.
بتلك العبارة الافتتاحية حاول صناع الفيلم والقيمون عليه، تفادي ما حصل فعلاً ويبدو كان متوقعا، من ضجة وانزعاج كبيرين لدى الجمهور الخليجي بشكل عام والسعودي بصورة خاصة بعدما شكل العمل السينمائي منطلقاً لمهاجمة نظام الكفالة القائم في السعودية للعمالة الأجنبية وما يتيحه من تجاوزات تمس بحقوق العامل وحقوق الإنسان الرئيسية كانت على مدى عقود ماضية موضع انتقاد وتصويب منظمات إنسانية وجهات حقوقية دولية.
ووصل تأثير الفيلم إلى حد إثارة انتقادات سياسية للمملكة التي تسعى جاهدة خلال السنوات الماضية لتحسين صورتها أمام العال، وإبراز التغييرات الجوهرية التي تشهدها في سياق “رؤية 2030” على الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والحقوقية.
جدل كبير شهدته مواقع التواصل الاجتماعي في السعودية وبعض الدول العربية لاسيما الخليجية، بين مناصرين للفيلم ورسالته مؤكدين على ما يحمله من تصوير لواقع العمال الأجانب ومساوئ نظام الكفالة في السعودية، وبين من يرون في الفيلم قصة خيالية غير واقعية، تحمل مؤامرة تهدف لتشويه صورة السعودية، ومطيّة لمهاجمتها في وقت حساس تستعد فيه لاستقبال فعاليات عالمية، أبرزها كأس العالم للعام 2034.
“من نسج الخيال”
فيلم من هذا المستوى مقدم على أنه “قصة حقيقية”، كان يفترض وفقاً لما يقول الناقد الفني السعودي ورئيس قسم الفن والثقافة في جريدة الرياض عبد الرحمن الناصر أن يكون “واقعياً أكثر، وليس من نسج الخيال.”
وفي حديثه لموقع يوضح الناصر أن هذا الفيلم الذي يحكي قصة وقعت قبل 33 عاماً لم يراع الواقع الذي يدركه جميع السعوديين لناحية نظام الجوازات والعمالة في السعودية في حينها والذي كان واضحاً جداً فيما يتعلق بالكفيل والمكفول للعمالة بشكل عام.
حيث “لم يكن ممكنا بأي حال من الأحوال” وفق الناصر أن يخرج العامل الوافد من المطار في السعودية بدون كفيله الرسمي وبدون توقيعه على التزامات تحمي الطرفين “هذا النظام قديم جدا ومعمول به منذ ما قبل ذلك التاريخ.”
عليه يرى الناقد الفني السعودي أن قصة الفيلم بنيت على “جهل من القيمين بماهية الأنظمة في السعودية، حيث لم يدرسوا الواقع بما فيه الكفاية ليعكسوه في الفيلم المقدم كقصة حقيقية، وهو ما أدى إلى أخطاء جسيمة جداًِ أنتجت هذه البلبلة، وعكست نيّة لتشويه صورة المملكة.”
بالإضافة إلى ما سبق يعدد الناصر أخطاءً كثيرة وردت في الفيلم من بينها مشهد دخول أحد المفتشين السعوديين وقيامه بضرب أحد العمال “وهذا ما لا يمكن أن يحصل في السعودية لا من قبل ولا الآن خاصة وأن السعودية واضحة في رعايتها للمواطنين والمقيمين على حد سواء ولا تفرق بينهما وهذه سياسة عميقة جدا ومعتمدة في السعودية نتيجة وعي المسؤولين لكون هذه العمالة الأجنبية تساهم وتساعد في صناعة مستقبل هذه الدولة لذا فإنها تضع القوانين التي تحدد حقوق العاملين وتحميهم كما تحمي المواطن.”
هذه القصة “لم ولن تحصل في السعودية” بحسب ما يؤكد الناصر والذي يعتبر أن الصورة المقدمة في الفيلم للمواطن السعودي وأهل البادية السعودية والرجل البدوي “تناقض المعروف عنه من أصالة وكرم وعطاء.”
ويلفت إلى أن الفيلم الذي أتى ضمن فئة “القصة الأصلية” وهي الفئة المفضلة في المهرجانات السينمائية وحظوظها الأعلى في تصدر المراتب وتحقيق الأرقام القياسية في نسب المشاهدة والعرض في دور السينما، “ولكن هذه الفئة يكون فيها الحرص كبيرا على ملاءمة الحقيقة، بعكس هذا الفيلم الذي ناقض الواقع السعودي، فشوه الصورة الحقيقية للسعودية والخليج وبالغ في التصوير التنميطي والخيالي.”
لماذا الآن؟
من جهته يرى الكاتب والناقد الفني السعودي أحمد البن حمضة أن الجدل القائم حول الفيلم، لا يقتصر فقط على جمهور يدافع عن نفسه أو صوره بلده ضد رواية الفيلم “ولكن هناك أيضاً جهات معيّنة أخذت الفيلم إلى سياقات أخرى لتقدمه وكأنه “يعري السعودية” والخليج بشكل عام فبات الفيلم مطية لمن يريد مهاجمة السعودية.”
يحمل الفيلم بحسب الناقد الفني “إساءة واضحة لا لبس فيها للسعودية وشعبها وللخليج إن كان عبر الحوارات الواردة فيه خاصة مع بداية الفيلم أو من خلال المشاهد النمطية المصورة، كذلك في الخاتمة حيث كان هناك رسالة “زادت الطين بلة” وفحواها أن هذا الفيلم لا يهدف إلى تقديم قصة البطل فقط، وإنما قالوا إنه موجه لكل شخص “ضاع في صحراء الخليج” بشكل عام وهو ما يوحي أن صحراء الخليج أو السعودية تبتلع العمال الأجانب.”
الإشكالية ليست بالكلام عن الأمر وفقاً للكاتب والناقد السعودي تكمن في “من يتكلم عن الأمر هل هو مخول أن يتحدث؟” مضيفاً أنه وإذا ما كان هناك حساسية لدى الجمهور الخليجي تجاه هذا النوع من الأفلام فإنها ناجمة عن كونها تعزز الصورة النمطية والإساءة المستمرة التي عادة ما تقدمها السينما الغربية وحتى الهندية في تصويرها للعرب وبلادهم وسلوكهم.
إلا أن الفيلم لم يكن التماس الأول للجمهور السعودي، مع القصة الأصلية للرجل الهندي حيث كانت ولا تزال الرواية المكتوبة عام 2008 متوفرة ومتاحة في السوق السعودية وبالتالي لم يكن هناك مشكلة مع الرواية نفسها بحسب ما يؤكد البن حمضة.
ويعيد الناصر وهو مستشار الاتحاد العام للفنانين العرب سبب عدم إثارة الرواية المكتوبة منذ سنوات لتلك الضجة إلى واقع أن للروايات روادها المخمليين حيث لا تأخذ الانتشار الواسع في الأوساط الشعبية كما هو حال الأفلام والسينما وبالتالي لم تبرز القصة وتنتشر بهذا الشكل كما في الفيلم ولم يناولها الإعلام الجديد ووسائل التواصل كما هو حاصل الآن.
ويضيف أن هناك الكثير من الكتب التي تنشر وتسوق في السعودية، خاصة الآن “حيث تعيش المملكة حقبة مختلفة تنظر إلى المستقبل بعين مشرقة وانفتاح وتشهد تطوراً كبيرا وسريعاً على أصعدة مختلفة من بينها الصعيد الفني والثقافي والترفيهي والعمراني والسياحي بحيث باتت تزاحم العالم المتقدم، وبالتالي تفسح المجال أمام العديد من الأعمال والانتاجات الثقافية والفنية ومن بينها روايات عديدة مثل رواية هذا الفيلم.”
ما علاقة كأس العالم؟
في المقابل يحسم الناصر أن هذا الفيلم “وجد ليشوه سمعة السعودية في الماضي والحاضر” خاصة وأنه يأتي في وقت تشهد السعودية اندفاعة وانطلاقة كبيرة في مختلف المجالات “اليوم نشهد في السعودية كأس العالم للألعاب الإلكترونية وسنشهد أولمبياد الألعاب الإلكترونية، وبطولة آسيا، وكأس العالم 2034، وبالتالي أرى أن كل ذلك مرتبط وليس من فراغ، لأننا بلاد بات لديها رؤية مستقبلية تزاحم الدول المتقدمة.”
ويشدد الناقد الفني أن صورة السعودية الإيجابية أمام العالم اليوم “أوضح وليس من السهل والبسيط تشويهها ففي مقابل هذا الفيلم الواحد الذي يحكي قصة شخص واحد هناك الملايين من الجاليات الذين يعيشون ويعملون في السعودية ونتشارك معهم حياتنا في هذه البلاد حتى أن بعضهم يحب ويحترم السعودية أكثر من أوطانهم الأم.”
فوز السعودية في استضافة فعاليات كأس العالم لعام 2034، حوّل أنظار المهتمين بواقع العمال، ولاسيما العمالة الأجنبية من دولة قطر التي كانت المضيف الماضي وتعرضت لانتقادات واسعة من المنظمات الحقوقية بشأن واقع العمال الأجانب بعد تسجيل نسب وفيات عالية في صفوفهم نتيجة ظروف العمل القاسية إلى السعودية التي ستكون المضيف المستقبلي لاسيما وأن الفيفا تلتزم بقواعد وشروط تتعلق بالعناية الواجبة بشأن حقوق الانسان والعمل.
وكانت الفيفا تعرضت لانتقادات واسعة في السنوات الماضية، آخرها بعد قرارها منح السعودية استضافة كأس العالم 2034 حيث قالت مينكي ووردن، مديرة المبادرات العالمية في هيومن رايتس ووتش في بيان: “بعد أقل من عام على كوارث حقوق الإنسان في كأس العالم قطر 2022 لم تتعلم الفيفا الدرس في أن منح حق استضافة فعاليات بمليارات الدولارات، دون بذل العناية الواجبة ودون شفافية، يمكن أن يؤدي إلى الفساد والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.”
وكان “الاتحاد الدولي لعمال البناء والأخشاب” الذي يضم 12 مليون عضو، قد قدم شكوى في 5 يونيو قبيل إعلان الفيفا لقرارها بشأن استضافة كأس العالم 2034، بشأن ظروف العمل والمعيشة الاستغلالية التي تمس القوى العاملة الوافدة الهائلة التي يبلغ قوامها أكثر من 13.4 مليون عامل ذلك بموجب المادة 24 من دستور منظمة العمل الدولية.
الشكوى سلطت الضوء على سرقة الأجور المتفشية وكشف استطلاع أجراه الاتحاد شمل 193 عاملا مهاجرا مُدرجين في الشكوى عدم قدرة 63 في المئة منهم على الاستقالة بحرية مع إشعار معقول أو المغادرة بعد انتهاء عقودهم.
بالإضافة إلى ذلك 85% من العمال المدينين لا يمكنهم ترك وظائفهم بحرية، ويعجز 65% منهم عن حيازة وثائقهم (مثل جوازات السفر)، ويفيد 46% أن أصحاب العمل يؤخّرون أجورهم أو يحجبونها لإجبارهم على البقاء.
لاحقاً قالت “هيومن رايتس ووتش” إن “الفيفا” انتهكت قواعدها الخاصة بحقوق الإنسان في إعلانها لخطة استضافة بطولتي كأس العالم المقبلتين للرجال، التي تلغي عمليا الترشح التنافسي، والعناية الواجبة لحقوق الإنسان”.
وأضافت ووردن أن “منح الفيفا السعودية حق تنظيم كأس العالم 2034، رغم سجلها الحقوقي المروع، وإغلاق الباب أمام أي رقابة، يكشف أن التزامات الفيفا بحقوق الإنسان مجرد خدعة”.
وتنص “سياسة الفيفا لحقوق الإنسان”، التي اعتُمدت عام 2017، على مسؤولية الفيفا في تحديد ومعالجة الآثار السلبية لعملياتها على حقوق الإنسان، بما فيه اتخاذ التدابير المناسبة لمنع انتهاكات حقوق الإنسان وتخفيفها.
وتنص المادة 7 من سياسة الفيفا لحقوق الإنسان على “تعامل الفيفا بشكل بناء مع السلطات المعنية وأصحاب المصلحة الآخرين، وبذل كل جهد ممكن لدعم مسؤولياتها الدولية في حقوق الإنسان”، على أن يشمل ذلك استشارة مجموعة واسعة من أصحاب المصلحة، بما فيه الفئات المتضررة المحتملة، ومراقبي حقوق الإنسان المحليين، والرياضيين، والمشجعين، والعمال الوافدين، والنقابات، قبل اتخاذ قرارات الاستضافة الرئيسية.
هل يعكس الفيلم الواقع الحالي؟
يراهن المعجبون بالفيلم الجديد على التأثيرات التي قد يتركها على نظام الكفالة في السعوديّة، لناحية تحسينه بعدما جعله الفيلم محط أنظار ومراقبة عالمية، ويأملون أن يلعب دوراً في تمرير مطالب العمّال الأجانب في السعوديّة، وطموحاتهم لظروف العمل، وهو ما يطرح تساؤلات حول الواقع الحالي للعمالة الأجنبية في السعودية.
وبحسب “هيومن رايتس واتش” يستغل الكثير من أصحاب العمل في السعودية السيطرة التي يمنحهم إياها نظام الكفالة، لاحتجاز جوازات سفر العمال، وإجبارهم على العمل لساعات طويلة، وحرمانهم من الأجور، وعلى وجه الخصووص العاملات المنزليات الوافدات، “قد يُحبَسن في منازل أصحاب العمل، وقد يتعرضن للاعتداء الجسدي والجنسي.”
كما أدى نظام الكفالة أيضاً وفق المنظمة إلى وجود مئات الآلاف من العمال دون وثائق رسمية “حيث يمكن لأصحاب العمل إكراه الناس على بلوغ هذه الحالة، ويمكن أن يصبح العمال الذين يهربون من الإساءات بدون وثائق.”
الجدل الذي أثاره الفيلم دفع العديد من العمال الأجانب في السعودية إلى التعبير عن واقعهم المختلف عما صوره الفيلم من بينهم عمال هنود وآسيويين وعرب نفوا خلاله الصورة النمطية التي قدمها الفيلم ونقلوا مشهدية مختلفة تماماً عن السردية السينمائية.
إلا أن مؤشر “الرق العالمي” لعام 2023 الذي نشرته منظمة “ووك فري” أظهر أن كوريا الشمالية وموريتانيا وإريتريا سجلت أعلى مستويات للعبودية في العالم، فيما جاءت دول عربية أخرى، على غرار السعودية والإمارات والكويت في طليعة التصنيف بسبب اتباع هذه الدول “نظام الكفالة” الذي يقيد حريات العمال الأجانب وخادمات المنازل.
وكانت السعودية قد أعلنت في أكتوبر 2020 عن إصلاحات في نظام الكفالة الذي يربط الوضع القانوني لملايين العمّال الوافدين بكفلاء مستقلّين، وهو ما سهّل الانتهاكات والاستغلال، بما في ذلك العمل القسري، بحسب تقارير حقوقية.
ورغم دخول هذه الإصلاحات حيز التنفيذ في مارس 2021، حيث حملت إصلاحات تتعلق بالحالات التي يمكن فيها للعامل الأجنبي أن يغيّر صاحب عمله أو يغادر البلاد، ما اعتبرته “هيومن رايتس” تغييرات صغيرة لعنصرَيْن “من أكثر العناصر إساءة في نظام الكفالة”، إلا أن الانتقادات استمرت رغم أن الإصلاحات قدمت وكأنها “إلغاء لنظام الكفالة” التقليدي، إلا أن تلك الإصلاحات استثنت حينها فئات عدة من العمال، على رأسهم العاملات المنزليات، اللواتي وثقت منظمات حقوقية عدة معاناتهم في تقارير خاصة.
في حينها قالت هيومن رايتس أن قياس إلغاء السعودية فعليا لنظام الكفالة يرتكز على إنهاء خمسة عناصر رئيسية تمنح أصحاب العمل السيطرة على حياة العمال الوافدين:
- إلزام العامل الوافد بأن يكون لديه صاحب عمل يكون كفيله لدخول البلاد.
- السلطة التي لدى أصحاب العمال لتأمين وتجديد تصاريح إقامة وعمل العمال الوافدين – وقدرتهم على إلغاء هذه التصاريح في أي وقت.
- اشتراط حصول العمال على موافقة أصحاب العمل لترك وظائفهم أو تغييرها.
- جريمة “الهروب”، والتي بموجبها يمكن لأصحاب العمل الإبلاغ عن اختفاء العامل، مما يعني أن العامل يصبح تلقائيا بدون وثائق، ويمكن اعتقاله، وسجنه، وترحيله.
- اشتراط حصول الوافدين على موافقة صاحب العمل لمغادرة البلاد في صيغة تصريح خروج.
الإصلاحات التي أدرجت على القوانين السعودية في السنوات الماضية جاءت في سياق مبادرة “تحسين العلاقة التعاقدية”، المدرجة ضمن برنامج التحول الوطني 2020، المنبثق من رؤية 2030، شملت حرية التنقل الوظيفي، وحرية الخروج والعودة، وحرية الخروج النهائي، وفي إعلان حديث كشفت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، عن استفادة نحو مليون عامل من المبادرة.
استفادة العمال من هذه الإصلاحات لا زالت تخضع لضوابط خاصة حيث تختص المبادرة بالعمالة المهنية الخاضعة لنظام العمل ومن شروط الاستفادة منها أن يكون العامل قد أكمل 12 شهراً لدى صاحب العمل الحالي، في أول دخول له المملكة وأن يكون العامل على رأس العمل.
وفي أبريل 2024 أعلنت وزارة الموارد البشرية السعودية عن مبادرة تحسين العلاقة التعاقدية للعمالة المنزلية التي تنظم إجراءات إنهاء عقد العمل من طرف واحد في حال انقطاع العامل المنزلي عنه.
وأوضحت الوزارة أن المبادرة تأتي ضمن مساعيها المستمرة لمراجعة تنظيمات سوق العمل، وتعزيز جودة قطاع الاستقدام والسياسات المتعلّقة بالعمالة المنزلية، وتماشياً مع استراتيجيتها للسوق الهادفة إلى زيادة جاذبيتها ومرونتها وتحسين العلاقة التعاقدية بين العاملين وأصحاب العمل وحفظ حقوق جميع الأطراف.
وتُقدم المبادرة خدمتين رئيستين هي “إنهاء العقد بسبب الانقطاع عن العمل” و”التنقل العمالي” وتشمل جميع العمالة المنزلية ضمن ضوابط محددة تراعي حقوق طرفي العلاقة التعاقدية.
مع ذلك وفي يونيو 2024، أصدت منظمتا “قسط” و”هيومن رايتس” بياناً مشتركاً طالب بالاهتمام العاجل واتخاذ إجراءات فورية بشأن الوضع الذي يواجهه العمال المهاجرين في المملكة، وخاصة عمّال البناء والعمّال المنزليين، بالإضافة إلى عمليّات قتل المهاجرين وطالبي اللجوء على الحدود اليمنيّة السعوديّة على أيدي حرس الحدود السعوديّين.
وأضافت المنظّمتان أنّ السلطات السعوديّة تستخدم “المشاريع الضخمة” مثل مشروع مدينة نيوم العملاقة ومحاولتها استضافة كأس العالم 2034 لكرة القدم لصرف الانتباه عن الانتقادات الموجّهة لسجل البلاد الحقوقي ولتجميل صورتها “كدولة ترتكب انتهاكات متفشّية.”
وبحسب البيان، لا يزال العمّال في السعودية عرضة لانتهاكات “واسعة النطاق” تشمل استبدال العقود، ورسوم توظيف باهظة، وعدم دفع الأجور، ومصادرة جوازات السفر من قبل أصحاب العمل، والسخرة.
كما تواصل السعوديّة استخدام حظر العمل في الهواء الطلق في منتصف النهار بناءً على التقويم كإجراء رئيسي للوقاية من الحرّ على الرغم من ورود أدلّة تفيد بعدم فعاليّته في حماية العمّال، بحسب البيان.
وعند وفاة العمّال في السعودية، تؤكد المنظمتان أنه “لا يتم التحقيق في وفاتهم بشكل صحيح، ولا يتم تعويض العائلات الحزينة، حيث يتم تصنيف معظم الوفيّات على أنها غير مرتبطة بالعمل. كما وردت تقارير متكرّرة عن عدم دفع الرواتب لشهور متواصلة.”
ودعت المنظمتان السلطات السعوديّة اتخاذ الإجراءات التاليّة:
- تفكيك نظام الكفالة، بما في ذلك إلغاء شرط حصول العمّال على تصريح خروج قبل مغادرة البلاد.
- مواءمة التشريعات السعوديّة الخاصّة بالعمّال المنزليّين مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، بما في ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والحق في حريّة التنقّل.
- إلزام الشركات التي تفكّر في ممارسة الأعمال التجاريّة في السعوديّة بإجراء تقييمات عناية واجبة قويّة لحقوق الإنسان وضمان حماية حقوق العمّال المهاجرين.
- تنفيذ التوصيات الصادرة في الاستعراض الدوري الشامل للسعوديّة لحالة حقوق الإنسان في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة من خلال المصادقة على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة والاتفاقيّة الدوليّة لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم.
- إجراء تحقيق فوري في عمليّات قتل المهاجرين على الحدود.
المصدر: https://2h.ae/OvAk
فيلم “حياة الماعز”.. أين السينما العربية؟
السؤال الذي يفرض نفسه دومًا في مثل هذه المناسبات والأحوال: أين هي السينما العربية؟ وأين هو الإنتاج الفني الإعلامي العربي المسلم الذي يكشف الحقائق دون مبالغات أو إساءات؟
لا تجد أثرًا أو إجابة مقنعة وإن وجدت بعض أعمال فنية هنا وهناك، فهي غالبًا لا تجد ذلك الدعم الذي يوصلها للعالمية أو إلى الساحات التي يمكن عبرها توصيل رسالتنا للعالم.
وهذا ما يدعونا للتساؤل المستمر: لماذا لا تنشط المؤسسات الفنية والإعلامية في إنتاج دراما فنية هادفة تخدم قضايا الأمة، أو تنشط في الوثائقيات وتكشف المستور في تلك المجتمعات التي تتفنن منذ عقود طويلة في الإساءة لنا كعرب ومسلمين، كالمجتمع الأميركي أو الغربي بشكل عام، ومعهم الآن المجتمع الهندوسي والصهيوني، وغيرهما من مجتمعات معادية؟
الفن السينمائي أو إن صح التعبير صناعة السينما تحتاج إلى كثير من الرعاية والاهتمام في عالمنا الإسلامي. لا أقصد بالسينما الترفيهية العبثية، إنما تلك التي تحمل رسالة واضحة وتسير وفق رؤى ومنهجية محددة ضمن عمل إعلامي واسع. هذا الفن الإعلامي لا يزال مدار بحث ونقاش طويل يتجدد بين الحين والحين في أوساط علماء الشرع، منذ أن عرف العالم الإسلامي فن التمثيل.
وما خرجنا من نقاش تلك المسألة بإجماع أو على أقل تقدير برأي يتفق عليه عدد لا بأس به من العلماء يكون موجهًا أو معيارًا لهذا العمل المهم في زمن الإعلام والمعلومات.
التخلف السينمائي غير مقبول
نعود للموضوع مدار البحث ونحن نعيش عصرًا متسارعًا في أفكاره وعلومه وتقنياته والفن السينمائي واحد من المجالات التي اختلفنا عليها فتأخرنا لنؤكد أن التخلف في هذا المجال أمر غير مقبول البتة ونحن – كما أسلفنا – نعيش زمن الإعلام والمعلومات ومنها السينما، فيما غيرنا مستمر في إبداعاته وإتقانه في هذا المجال، حتى ساروا بعيدًا.
بل صار هذا الفن سلاحًا فاعلًا بأيديهم لا يقل فاعلية وكفاءة وأثرًا عن الأسلحة العسكرية والاقتصادية وغيرها.
ما يحدث إلى الآن مع الفنّ السينمائي هو تكرار لسيناريوهات ماضية وقعت ولم نستفد منها الدروس والعبر. فقد ظهر الراديو حتى هابه الناس في مجتمعاتنا وأدخلوه في عالم البدع والضلالة، وكل ضلالة في النار، إلى أن استأنس الناس به وعرفوا أنه ليس أكثر من صندوق يسمعون فيه القرآن والأخبار وغيرهما، فما المشكلة ولماذا تم تحريمه وتفسيق وتبديع من يمتلكه ويستخدمه؟
تكرر الأمر تارة أخرى مع ظهور التلفاز، ثم مع التطورات المصاحبة له، من فضائيات وأطباق لاقطة، واستمر الجدال سنوات ما بين الحِلّ والتحريم، حتى تبين أن هذا التلفاز الذي تم تحريمه -لأنه يعرض الهابط من الأعمال وما شابه – هو نفسه الذي يعرض برامج لدعاة يدعون للدين والأخلاق، وينقل خطب الجمعة وما شابه من أعمال نافعة حتى صار من كان يحرم هذه البدعة يستخدمها لاحقًا مما يعني أن الإشكالية ليست في العصر واختراعاته، بقدر ما هي في العقليات التي لا تستطيع التعامل مع كل جديد بشكل مرن وسريع فتلجأ للتحريم والمنع زمنًا حتى يطمئن قلبها ولكن بعد أن يكون الركب قد فات وسار زمنًا، فيما نظل كعادتنا في ذيل ذاك الركب!
الآن يتكرّر الأمر مع العمل السينمائي الذي لم نتوحد على رأي بشأنه – كما أسلفنا – رغم مرور أكثر من قرن من الزمان على ظهوره. هذا الفن أو هذه الصناعة، إيجابياتها تفوق سلبياتها. واستخدام البعض لها في الشر لا يجعلها شرًا كلها، وبالتالي نترك جلها. لا، الأمر أوسع من هذا بكثير. إن الكاميرات السينمائية التي تصور الأفلام الهابطة هي نفسها التي تصور أفلام الاستقامة. هي آلات صماء تأتمر بأمرك، وأنت من يحركها ويديرها وليس العكس.
إنها هي نفسها الكاميرات التي قام مصطفى العقاد – رحمه الله – باستخدامها لتصوير فيلمي “الرسالة” و”عمر المختار”، واستخدمها تلفزيون قطر لإنتاج أروع المسلسلات التاريخية مثل مسلسل “عمر الفاروق” و”الإمام أحمد بن حنبل” وغيرها الكثير من الأعمال النافعة.
السينما سلاح مؤثر
الأمم اليوم تتصارع ليس بالأسلحة العسكرية فحسب، بل بسلاح المعلومة، والتقنية، والسينما، والإعلام، وغيرها من أسلحة. نحن أمة (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة…) نحتاج فهمًا أوسع لهذه الآية الكريمة، وأن نعد من القوة الشيء الكثير لتحقيق هدف الترهيب كما بالآية والذي يعني فرض احترامك على الآخر بعلمك وقوتك أو أسلحتك المتنوعة وسلاح السينما إحداها. وهكذا النفس البشرية تحترم القوي المبدع.
لا شيء يمنع أبدًا استخدام فن السينما في تحقيق مقاصدك الطيبة وأهدافك الإنسانية النبيلة، وتقديم نفسك للعالمين بالصورة التي أرادها الله وأرادها رسوله الكريم محمد ﷺ. هذا فن وصناعة وأنت من يسيطر ويحدد الأطر والضوابط لها.
إن إنتاجًا فنيًا على غرار مسلسل “عمر”، أو “الرسالة” كأبرز نموذجين، يمكنهما فعل الكثير من التأثير في الآخرين. وعلى غرارهما يستمر الإنتاج السينمائي أو صناعة السينما بهذا المستوى وأفضل، وفق رؤى واضحة وأهداف محددة. وبها نواجه المخالف الراغب في التشويه والإساءة بنفس السلاح الذي يستخدمه، لكن ليس للتشويه بالطبع، وإنما عبر إنتاج أعمال راقية بديعة تكون قادرة على كشف رداءة بضاعة المهاجم حين يأتي وقت المقارنة.
وبمثل هذا التفكير وهذه المنهجية نخدم ديننا دون أن نشتت الجهود والأوقات في ردود أفعال قد تصيب أو تخيب غالب الأحيان.
ما المطلوب؟
- عقد مؤتمر يضم علماء دين أصحاب فكر متجدد يعيشون العصر، مع خبراء في صناعة السينما ورجال أعمال ومسؤولي الإعلام في الدول الإسلامية يكون المقصد منه الخروج بنتائج تدعو إلى إنشاء صناعة سينما تحت مظلة منظمة التعاون الإسلامي بعد أن يكون قد تم حل المعضلات والإشكاليات التي منعت من السير في هذا المجال عقودًا طويلة كالنظرة إلى الفن السينمائي أو التمثيل أو تجسيد الشخصيات التاريخية وغيرها من مسائل الخلاف.
- الدعوة إلى إنشاء مدينة إنتاج سينمائي على غرار المسماة بهوليود الأميركية تتوفر فيها كافة مستلزمات هذه الصناعة وتكون ممولة من قبل أعضاء منظمة التعاون الإسلامي مبدئيًا ثم تتحول تدريجيًا نحو الاكتفاء أو الاعتماد على التمويل الذاتي.
- اعتماد ثقافة التمثيل ضمن المناهج الدراسية، بقصد تنشئة جيل محاور لا يهاب التعبير عن أفكاره أمام الجمهور.
- دعم المبدعين الأدباء وكتّاب السيناريو والروايات، وإنشاء معاهد متخصصة في كافة مجالات صناعة السينما.
- اعتماد منظمة التعاون الإسلامي منهجية واضحة لنهضة سينمائية، من ضمنها إرسال بعثات إلى مراكز الإنتاج السينمائي العالمية للاستفادة من خبراتها الفنية والتقنية، واستقدام الخبرات التعليمية والتخصصية لمعاهد التمثيل والفن السينمائي لإفادة أكبر شريحة من الطلاب الدارسين.
- تعزيز قيم الأخلاق في صناعة السينما، وربط مناهج تعليم الفنون بالقيم الإسلامية حتى يتحول الفن إلى رسالة حضارية، وليس مجرد مهنة من لا مهنة له أو مصدر كسب مادي ليس أكثر.
- تلكم كانت بعض مقترحات وتوصيات يمكن البناء عليها مبدئيًا من أجل صناعة سينمائية تخدم الأمة وقضاياها الدعوية والسياسية وغيرها من قضايا.
ومن المؤكد أن هناك آراء ومقترحات أكثر احترافية من أهل الخبرة والصنعة في عالمنا الإسلامي الكبير، يمكن أن تُناقش خلال ندوة أو مؤتمر إسلامي بين أهل الخبرة والرأي والمال تحت مظلة منظمة التعاون الإسلامي أو أي جهة أخرى عندها الإمكانات الضرورية واللازمة لتولي أمر المتابعة من بعد ذلك، كي لا تكون التوصيات كغيرها من مقترحات وتوصيات المؤتمرات العربية والإسلامية حبيسة الأدراج والملفات.. والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.
المصدر: https://2h.ae/SrWQ