تطورات الحرب في غزة وآخر المستجدات على الساحة الفلسطينية

موقع أميركي: إسرائيل تمارس التخريب فقط ولا تملك هدفا إستراتيجيا في غزة
مع سيطرة جيش الاحتلال الإسرائيلي على ممر “موراج” جنوب قطاع غزة يحذر موقع “ذا ميديا لاين” الأميركي من عودة احتلال القطاع تدريجيا في الوقت الذي يُقصف فيه المدنيون وتُستهدف المستشفيات وسط غياب أي رؤية واضحة لنهاية الحرب.
وقال الموقع إن “مع تصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية في أنحاء غزة تحوّل التركيز بشكل حاد نحو الجنوب فقد مثّل توسيع منطقة عازلة قرب ممر موراج -الذي كان جزءا من كتلة استيطانية إسرائيلية سابقة- مرحلة جديدة قد تكون حاسمة في مسار الحرب”.
ورغم إعلان القوات الإسرائيلية تحقيق مكاسب ميدانية إلا أن الغموض المتزايد حول أهداف الحملة العسكرية إلى جانب تفاقم الأزمة الإنسانية يدفع محللين وزعماء سياسيين ومدنيين إلى التحذير من عواقب وخيمة.
ويقع محور موراج بين مدينتي خان يونس ورفح جنوبي غزة، ويحمل اسم مستوطنة إسرائيلية كانت مقامة في القطاع قبل انسحاب إسرائيل منه عام 2005.
وفي 2 أبريل/نيسان 2025 قال رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو في تسجيل مصور: “نسيطر على محور موراج الذي سيكون محور فيلادلفيا الثاني”.
غياب الرؤية الإستراتيجية
وفي مقابلة مع الموقع قال مايكل ميلشتاين الضابط الإسرائيلي السابق ورئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز موشيه ديان إن “المنطقة العازلة في موراج جنوب غزة تُعد إنجازا”.
واستدرك: “لكن مرة أخرى لا أحد يعرف فعليا ما الهدف منها يبدو الأمر وكأنه سلسلة من الإنجازات العسكرية لكن في غياب رؤية إستراتيجية واضحة”.
وبحسب التقرير يُستخدم ممر موراج حاليا كمحور عسكري يخترق جنوب غزة في إطار مسعى إسرائيلي لفرض السيطرة العملياتية وتقييد تحركات حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إلا أن منتقدين يرون في ذلك مؤشرا مبكرا على عودة تدريجية للاحتلال.
وأشار ميلشتاين إلى أن “العمليات العسكرية حققت نجاحات، من بينها السيطرة على نحو 40 بالمئة من قطاع غزة وإنشاء مناطق عازلة جديدة بما في ذلك ممر موراج”.
لكنه حذّر أن “من دون هدف إستراتيجي نتجه نحو احتلال كامل وذلك دون خطة أو نقاش عام حول تكاليفه ليس عسكريا فحسب بل اجتماعيا واقتصاديا أيضا”.
وفي دير البلح تبدو آثار الحملة العسكرية جلية في البنية التحتية المدمرة وتزايد أعداد الضحايا وقد تحولت المنطقة التي تغصّ أصلا بالنازحين داخليا، إلى خط مواجهة يجمع بين القصف والصراع من أجل البقاء وفق وصف الموقع الأميركي.
وقال أحد سكان دير البلح طالبا عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية: إن “الوضع مروع معظمنا يعيش في خيام وسط الشوارع”.
وأردف أن “القصف لا يتوقف والغارات تسقط من دون سابق إنذار بالأمس قُتل ستة من أصدقائي بضربة واحدة على الشاطئ”.
تلك الضربة جاءت ضمن تصعيد أوسع شمل أيضا استهداف المستشفى الأهلي آخر منشأة طبية لا تزال تعمل في غزة.
وقال: “لو كانت إسرائيل تحترم الاتفاقيات الدولية لما تجرأت على قصف المستشفيات أمام أنظار العالم” وتابع: “لكنها فعلت ذلك مجددا من دون أن تواجه أي عواقب”.
تخريب لغرض التخريب
ويرى ميلشتاين أن مثل هذه الضربات تعكس معضلة عملياتية وأخلاقية أعمق.
وأكد أن “المشكلة الحقيقية هي أنه لا يوجد هدف إستراتيجي واضح وراء هذه العمليات إنه تخريب لغرض التخريب وحسب”.
وشدد التقرير على أن الكلفة البشرية باتت فوق الاحتمال حيث يروي ساكن من دير البلح تجربة مروّعة تكشف حجم الخطر المستمر قائلا: “كنت عائدا من جنازة لعائلة صديقي وفجأة وقع قصف جوي على بُعد 20 مترا فقط كان الصوت قريبا بشكل لا يُحتمل وظننت أنني لن أخرج حيّا. في غزة ننتظر دورنا لنموت بصمت”.
ومع استمرار القتال تتزايد التساؤلات داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية فلا يزال هناك إجماع على المستوى العملياتي لكن الوضوح الإستراتيجي غائب.
ويقول ميلشتاين “لا يوجد حوار حقيقي بين الجمهور الإسرائيلي والقيادة ولا أحد يوضح ما الهدف الفعلي” ويضيف: “القيادة تتمسك بسردية هزيمة حماس وتحرير الرهائن لكن الجميع يعلم أنه لا يمكن تحقيق الهدفين معا في آنٍ واحد”.
وأفاد بأن شخصيات بارزة في الشاباك والجيش تعترف خلف الكواليس بهذا التناقض لكن قلة فقط تتحدث عنه علنا.
وقال ميلشتاين “يوجد إجماع واسع داخل الجيش والشاباك فرئيس الأركان السابق هرتسي هاليفي كان واضحا في أن الرهائن يمثلون أولوية قصوى لكنه لم يذكر أبدا أن الحرب يجب أن تتوقف من أجل تحريرهم وهذا التناقض هو جوهر المشكلة”.
بدوره يرى عطايا التناقض نفسه، لكنه يتوصل إلى استنتاج مختلف قائلا “يتظاهر الأميركيون والإسرائيليون بالسعي إلى اتفاق لكنهم يُطيلون أمد الحرب والحقيقة هي أنهم يريدون قتل قادة المقاومة وسحق شعبنا لا التفاوض بحسن نية”.
في هذه الأثناء يبدو أن جولة جديدة من المحادثات التي تتوسط فيها مصر بين حماس وإسرائيل بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى قد توقفت مرة أخرى.
وأوضح ميلشتاين أن “الفجوة لا تزال كما كانت قبل أسابيع فحماس تطالب إسرائيل بإنهاء الحرب والانسحاب وإسرائيل ترفض والشيء الوحيد الذي يمكن أن يُغيّر هذا الوضع هو الضغط الأميركي كما رأينا قبل أكثر من 70 يوما. بدون ذلك لن نتقدم خطوة إلى الأمام”.
وأصر عطايا قائلا إن “إسرائيل هي من تعرقل جهود الوساطة حتى الولايات المتحدة التي كان من المفترض أن تكون ضامنة لوقف إطلاق النار أدارت ظهرها للاتفاق”.
وحذّر ميلشتاين من أن استمرار العمليات قد يُعرّض الرهائن -الذين يُعتقد أنهم مازالوا على قيد الحياة في غزة- للخطر.
وقال: “لا يُمكن إطلاق سراح الرهائن بالعمليات العسكرية وحدها بل إن استمرار الهجمات يُعرّض حياتهم لمزيد من المخاطر. ومع ذلك لا يبدو أن أحدا مستعد لتغيير مساره”.
استمرار المقاومة
خارج غزة تستمر التوترات الإقليمية في التصاعد، فقد عززت الولايات المتحدة ضغوطها على إيران وشبكتها من الوكلاء بما في ذلك “حزب الله” اللبناني والحوثيون. وأشارت بعض التقارير إلى أن حماس قد تدرس نزع سلاحها تحت إشراف مصري.
غير أن ميلشتاين كان متشككا إذ قال: “كل هذه التقارير حول نزع سلاح حماس أو حزب الله إما أخبار كاذبة أو تفسيرات ملتبسة فلم تُعلن حماس رسميا قط أنها ستُفكك نفسها صحيح أن محور المقاومة ضعُف لكنه لم يختف تماما”.
من جانبه، كان عطايا أكثر صراحةً، حيث قال: “لا أعتقد أن هذا الادعاء دقيق، إنه تضليل إعلامي يهدف إلى شق صفوفنا وبيع أمل زائف للعدو”.
ويتفق ميلشتاين وعطايا على أن محور المقاومة لا يزال صامدا رغم الانتكاسات التي لحقت به.
ويرى ميلشتاين أن “هناك مبالغة في الغرب بشأن ضعف إيران، فرغم تعرضها لضربات موجعة لم تُغير طهران ولا حلفاؤها إستراتيجياتهم جذريا ولم يستسلموا”.
لكن ما ينتظر غزة وإسرائيل والمنطقة ليس واضحا بعد فلا تلوح في الأفق أي بوادر نهاية للحرب، وأي طريق للحل لا يزال بعيد المنال وفق التقرير.
وقال عطايا “ستنهض غزة من تحت الأنقاض، لن يحقق العدو أهدافه وهناك مفاجآت تنتظرنا في الضفة الغربية سيتحول مستقبل المنطقة في النهاية لصالح المقاومة”.
غير أن ميلشتاين حثّ على الواقعية قائلا: “يخلط الناس بين التمني والتحليل. فكرة أننا على وشك الوصول إلى حل ليست واقعية على الإطلاق”.
ومن شوارع دير البلح المدمرة يتحدث ساكن مجهول الهوية باسم شعب أنهكته الحرب: “نتمسك بالحياة رغم كل شيء… لكننا نعيش في خراب والموت يلاحقنا”.
المصدر: https://n9.cl/5zfdg
رقعة رفض الحرب تتسع ضد نتنياهو وحكومته.. وغزة من تدفع الثمن
تتعرض الجبهة الداخلية الإسرائيلية منذ الأيام الماضية إلى هزّة عنيفة لم تشهدها من سنوات جراء اتساع رقعة المطالب التي تنادي بوقف الحرب في غزة في أسرع وقت وبأي ثمن كان محملة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو مسؤولية المقامرة بمستقبل الكيان وحياة الأسرى والجنود معًا لصالح أهدافه السياسية الشخصية.
وتقدم آلاف الإسرائيليين العسكريين والمدنيين بقطاعات شتى بعرائض رسمية يطالبون فيها بوقف الحرب وإعادة الأسرى حيث كانت البداية بسلاح الجو مرورًا بسلاحي البحرية والمدرعات والقوات الخاصة، وصولا إلى الأكاديميين وعائلات الأسرى، وسط مخاوف الحكومة من تدحرج كرة النار إلى قوات وإدارات أخرى داخل الجيش وخارجه تقود الأمور إلى الانقسامات والكراهية داخل المجتمع الإسرائيلي، ما يضع الكيان على شفا حرب أهلية، كما جاء على لسان اللواء احتياط إسحاق بريك.
وأمام هذا السيل الجارف من الاحتقان وتصاعد وتيرة الغضب بين فئات عدة داخل الشارع الإسرائيلي، عسكريين ومدنيين، أضطر جيش الاحتلال أخيرًا للاعتراف بهذا الخلل داخل قطاعاته، والذي أربك كافة الحسابات، مُعربًا عن خشيته من اتساع رقعة الاحتجاجات، وذلك بعد تعتيم متعمد خلال الساعات الماضية، مُقررًا إجراء محادثات خلال الأيام المقبلة مع الجنود الموقعين على عرائض تدعو لوقف الحرب، محاولا احتواء الموقف وتقليل الإضرار المحتملة.
وبعيدًا عن تداعيات تلك الاحتجاجات على مستقبل الحرب في غزة إلا أنها تبرهن وبشكل عملي على أن إطالة أمد المعركة حتى اليوم قرار فردي من نتنياهو واليمين المتطرف، ولصالح حسابات وأهداف خاصة، وهو ما ينسف الكثير من الأكاذيب والمزاعم التي اعتاد رئيس الحكومة الإسرائيلية على ترديدها لتبرير استمرار القتال عبر إلقاء الكرة في ملعب المقاومة وتحميلها مسؤولية عرقلة المفاوضات.
كرة الاحتجاجات تتدحرج
ووفق ما نقلته هيئة البث الإسرائيلية فإن المئات من وحدات عسكرية جديدة في جيش الاحتلال تنضم تباعًا إلى العرائض المطالبة باستعادة الأسرى من قطاع غزة عبر وقف حرب الإبادة على الفلسطينيين.
وينتمي هؤلاء المحتجون إلى عدد من الإدارات والقطاعات المختلفة داخل المؤسسة العسكرية، أبرزها الوحدة 8200 الاستخبارية، ووحدات من القوات الخاصة والنخبة مثل: الكتيبة 13 في لواء المظليين، ووحدات شلداج، وسيرت متكال، وموران، وأن ما بين 20 و30% من المنضمين للعرائض، لا يزالون في الخدمة الاحتياطية الفعلية، ما يعكس مدى اتساع الفجوة داخل المؤسسة العسكرية، وفق ما ذكرت الهيئة.
وانطلق قطار العرائض منذ الخميس العاشر من أبريل/نيسان الجاري وحتى الاثنين الرابع عشر من الشهر حيث بلغ العدد المقدم حتى كتابة تلك السطور 9 عرائض، مقدمة من عسكريين ومدنيين، وسط توقعات بزيادة رقعتها، رأسيًا وأفقيًا بحسب تقديرات داخل الجيش الإسرائيلي في وقت تتصاعد فيه الأصوات المطالبة بمراجعة سياسة الحرب ومآلاتها.
أولا: العرائض الموقعة من عسكريين:
- الأولى: وقعها نحو 1000 عسكري بسلاح الجو.
- الثانية: وقعها مئات العسكريين من سلاحي المدرعات والبحرية.
- الثالثة: وقعها عشرات الأطباء العسكريين الاحتياطيين.
- الرابعة: وقعها مئات العسكريين بالوحدة 8200 الاستخبارية.
- الخامسة: وقعها المئات من وحدات مختلفة منها قوات خاصة ونخبة، أبرزهم 150 جنديًا خدموا في لواء غولاني.
- السادسة: وهي الأحدث والتي وقعها مئات الجنود في عدد من الوحدات الأخرى.
ثانيًا: العرائض الموقعة من مدنيين:
- الأولى: موقعة من نحو 3500 أكاديمي إسرائيلي
- الثانية: موقعة من قرابة 3 آلاف من العاملين في مجال التعليم
- الثالثة: موقعة من أكثر من ألف من أولياء الأمور
ولاقت تلك العرائض دعمًا كبيرًا من الجبهة الداخلية الإسرائيلية، حيث أصدر نحو 200 من عائلات الأسرى الإسرائيليين ونشطاء رسالة دعم للجنود والطيارين الذين دعوا لوقف الحرب، حيث قالت العائلات في بيان نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت إن “العملية العسكرية تعرض حياة المخطوفين للخطر، وأنها أدت سابقا إلى مقتل 41 مخطوفا”.
البيان كشف أن نتنياهو اختار نسف مقترح الرئيس دونالد ترامب والتضحية بحياة 59 أسيرا محتجزين في غزة لأهداف سياسية، لافتين إلى أن طريقة الإفراج الجزئي عن الأسرى على شكل دفعات نهج خطير يعرض جميع الأسرى للخطر فيما طالبت العائلات باعتماد حل مناسب يفضي إلى إنهاء الحرب، وإعادة جميع الأسرى دفعة واحدة وبشكل فوري.
وانضم لهذا الحراك العديد من أبناء النخبة العسكرية والسياسية، من أبرزهم رئيس الوزراء السابق إيهود باراك، الذي وقّع على عريضة تدعم رسالة الطيارين الداعية إلى وقف الحرب من أجل إطلاق سراح الأسرى، كما أفادت القناة 13 الإسرائيلية.
فيما وصف رئيس هيئة الأركان السابق دان حالوتس، نتنياهو -خلال مقابلة مع القناة 12- بأنه تهديد فوري لأمن “إسرائيل” ولا يجب إخضاعه أو القضاء عليه بل ينبغي أسره على حد تعبيره.
تكثيف جهود الاحتواء
منذ اليوم الأول للحرب يحاول نتنياهو وحكومته إيهام الشارع الإسرائيلي والعربي والدولي بتماسك الجبهة الداخلية والتي تشكل ضلعًا أساسيًا في مثلث القوة الإسرائيلية ( الدعم الأمريكي – الجيش – الجبهة الداخلية) حيث بذلوا لأجل هذا الهدف جهودًا حثيثة بدعم واضح من الحليف الأمريكي والغربي اقتصاديًا وعسكريًا وسياسيًا وإعلاميًا.
ورغم ذلك فشلت الحكومة في إخفاء الانقسام الذي بدا يتمدد جليًا داخل الجيش بسبب إدارة نتنياهو للحرب في غزة وفشله في حسمها وفق الأهداف المنشودة سلفًا والإصرار على المضي فيها بعدما باتت بلا رؤية ولا هدف واضح، فضلا عن تعريضه حياة الأسرى المحتجزين لدى المقاومة للخطر بجانب حياة العسكريين الإسرائيليين أنفسهم.
واستطاعت قيادة الجيش نسبيًا -بدفع قوي من نتنياهو واليمين المتطرف- إخفاء حالة التململ المتصاعدة داخل صفوف المؤسسة العسكرية حتى التغييرات التي أجراها نتنياهو خاصة القيادات الأمنية والعسكرية ذات الثقل الكبير، مثل وزير الدفاع ورئيس الأركان ورئيس الشاباك.
لكن مع تفاقم الوضع ميدانيًا وعرقلة الحكومة لأي جهود للتهدئة بالتزامن مع زيادة رقعة الرافضين لأداء الخدمة العسكرية في صفوف الاحتياط (والتي وصلت إلى ما بين 40 – 50% بحسب بعض التقديرات) خرج الوضع عن السيطرة فتوالت الاحتجاجات والخلافات داخل الجيش، وصولا إلى العرائض المقدمة رسميًا والتي تطالب بإنهاء الحرب فورًا وإبرام صفقة تبادل مع المقاومة.
توهم نتنياهو أن الضغط لكبح جماح هذا الاحتجاج سيؤتي ثماره حيث شن هجومًا عنيفًا على الرافضين لأداء الخدمة وتعهد بتوقيع عقوبات قاسية على الموقعين على العرائض، معتبرًا أن مثل تلك التحركات تقوي الأعداء- على حد تعبيره واصفا إياها بالتمرد والعصيان.
فيما صدّق رئيس الأركان إيال زامير على قرار فصل قادة كبار ونحو ألف جندي احتياط من الخدمة، بعد توقيعهم على العرائض، كأحد وسائل الترهيب المستخدمة.
ومع التأكد من فشل تلك الاستراتيجية في وقف هذا التمرد المتصاعد تدخل رئيس الأركان لتبريد الأزمة، حيث عقد جلسة مع القيادات الأمنية والعسكرية لمحاولة امتصاص الغضب المتزايد، مشيرًا إلى إدراك الجيش جيدًا لحجم الضرر المحتمل والدلالات العميقة للتوسع المتزايد في ظاهرة الاحتجاج بين صفوف قدامى الجنود.
وتفيد تقديرات جيش الاحتلال بأن الخلافات باتت موجودة ويخشى من اتساع رقعة الاحتجاجات حسبما نقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن مصادر عسكرية داخل المؤسسة، لافتة أن هناك جهودا ستبذل خلال الأيام المقبلة ولقاءات ستُعقد مع الجنود الموقعين على تلك العرائض لإثنائهم عن موقفهم، والتأكيد على أن العمليات في غزة تتم بدعم كامل من جميع قادة الأجهزة الأمنية.
الحرب مستمرة بأمر نتنياهو
تدحرج كرة الاحتجاجات المطالبة بوقف الحرب وإبرام صفقة تبادل تؤكد أن استمرار القتال في غزة هو قرار فردي لرئيس الحكومة ويمينه المتطرف، فهما الطرفان الوحيدان اللذان يبذلان الغال والنفيس لإبقاء المشهد مشتعلا، بما يخدم مصالحهما السياسية الخاصة، بعيدًا عن مصالح الكيان المحتل والذي تكبد الكثير من الخسائر خلال تلك الحرب رغم التدمير والتنكيل الذي حل بالقطاع وأهله.
ومنذ بداية الحديث عن جهود تهدئه بعد شهر واحد فقط من اشتعال المواجهة في أكتوبر/تشرين الأول 2023 وقف نتنياهو ومعه وزيرا المالية والأمن القومي المتطرفين، في وجه أي مسار من شأنه أن يقود إلى الحل السياسي، حيث رفضوا كافة الحلول الدبلوماسية، رافعين شعار “الحرب إلى ما لانهاية” فهي الضمانة الوحيدة لبقائهم في السلطة وتجنيبهم الزج في غياهب السجون كنتيجة قضائية محتملة بسبب اتهامات الفساد التي تلاحقهم.
واستقر في يقين الشارع الإسرائيلي بشتى انتماءاته أن نتنياهو استغل تلك الحرب لمآربه الخاصة، وأن كل مزاعمه التي أشهرها لتبرير استمرار القتال إنما هي في حقيقتها أكاذيب روجها لإيهام الإسرائيليين بأن المعركة مستمرة وأن المقاومة هي من تعرقل أي جهد دبلوماسي لوقف إطلاق النار، متجاهلا مصير الأسرى وسلامة الجنود.
وأدت سياسات نتنياهو ورفاقه المتشددين وإدارته العنصرية لتلك الحرب إلى تصاعد حدة الاحتقان لدى المجتمع الإسرائيلي الذي بدأ تململه يتجاوز خطوطه الحمراء، منتقلا من السجالات الكلامية والإعلامية إلى التحرك الميداني وتقديم العرائض الرسمية وسط القلق من تنامي منسوب ومستوى الغضب الذي ضم تحت لواءه معظم ألوان الطيف السياسي والعسكري والمدني الإسرائيلي.
هذا التململ لم يقف عند حاجز الإسرائيلي وفقط بل امتد للحليف الأبرز والأهم، الولايات المتحدة التي بدأت تستشعر الخطر على مصالحها بسبب نتنياهو وإدارته للحرب وإصراره على إشعال المنطقة بأكملها لصالح حسابات خاصة وهو ما يمكن الوقوف عليه خلال زيارته الأخيرة لواشنطن واللقاء البارد نسبيًا مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والذي لا يقارن مطلقًا باللقاء الأول في فبراير/شباط الماضي لا من حيث مستوى حرارة الاستقبال ولا المكاسب التي عاد بها نتنياهو.
غزة من تدفع الثمن
نتنياهو حاليًا يبدو وكأنه “لص” هارب من ملاحقيه، يسابق الخطى للإفلات منهم، حتى لو كان ذلك عن طريق حرق الطريق الذي يجري فيه خاصة وأنه يجيد هذه الاستراتيجية بشكل احترافي ونفذها أكثر من مرة على مدار سنوات حكمه، استراتيجية الهروب للأمام إما باختلاق مشاكل وأزمات جديدة وتوسعة دائرة الصراع، أو تبني سياسة الأرض المحروقة وإن ترتب عليها خسارة الجميع.
بداية لا يٌنكر أحد تأثير تلك الموجة من الاحتجاجات على قدرات جيش الاحتلال لكنه التأثير الذي لن يغير كثيرًا في المشهد في الوقت القريب، خاصة وأن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تنصاع بشكل كبير للقيادة السياسية بصرف النظر عن الاتجاهات والميول العاطفية تجاه قادتها أو بعض منتسبيها.
غير أن ما يمكن أن يقلق نتنياهو فعليًا هو اتساع رقعة الاحتجاجات لتشمل وحدات عسكرية بأكملها أو تدشين تشكيلات جديدة داخل الجيش تعلن تمردها عن المؤسسة وترفض الانصياع لقراراتها، تزامنا مع زيادة رقعة العصيان المدني بما يتضمن كافة التيارات السياسية، ومما يعمق الأزمة دخول إدارة ترامب على الخط، خاصة بعد المطالبات الأخيرة بضرورة إنهاء الحرب في أقرب وقت.
كل تلك الضغوط حتمًا ستدفع غزة ثمنها حيث مسارعة الجيش المنصاع لأوامر نتنياهو للإجهاز على ما تبقى من القطاع في أسرع وقت، وإيقاع أكبر قدر ممكن من الخسائر عبر تكثيف آلة القتل والتدمير والتنكيل والتشريد ودفع الفلسطينيين دفعا للنزوح قسرًا وطواعية في محاولة للحصول على الحد الأقصى من أوراق الضغط التي تساعد رئيس الوزراء ومجلسه المتطرف في نزع المكاسب من المقاومة حين يٌضطر للجلوس على مائدة المفاوضات.
وفي المحصلة.. تذهب المؤشرات الأخيرة جميعها، لاسيما التي شهدتها الساعات الماضية حيث وضع مسألة نزع سلاح المقاومة على الطاولة لأول مرة منذ بداية الحرب، في هذا الاتجاه، حيث تكثيف الضغوط الممارسة على حماس وشقيقاتها من الفصائل، التي باتت في موقف لا تٌحسد عليه، تارة من الاحتلال، وأخرى من الحليف الأمريكي، وثالثة من الوسطاء، وسط صمت دولي فاضح كالعادة وخذلان عروبي إسلامي مُعتاد.
المصدر: https://n9.cl/xo3sh
طوفان الاحتجاجات بإسرائيل بين بوادر العصيان ومطالب وقف الحرب
على مدار الأيام الماضية انفجر في إسرائيل تسونامي من عرائض الاحتجاج -وفقا لوصف الإعلام الإسرائيلي- وقّع عليها عشرات آلاف القادة العسكريين والضباط والجنود العاملين وهم أهم مفاصل جيش الاحتلال وأجهزته الأمنية المختلفة وتطالب جميعًا بإطلاق سراح الأسرى ووقف الحرب.
وتهدف عرائض الاحتجاج ضد الحرب -بحسب جاي فورن أحد الطيارين الموقعين عليها- “إلى صدم النظام السياسي بعنوان “طيارو سلاح الجو” الذين لهم تقدير مبالغ فيه في الرأي العام الإسرائيلي.
ووقع عريضة الطيارين 4 جنرالات و29 عميدا ومئات العقداء وقادة القواعد وعشرات قادة الأسراب و4 من الطيارين الذين دمروا المفاعل النووي العراقي وقد جوبهت بهجوم شديد من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وأعضاء حكومته.
استفزاز قائد الجيش
وتمثل الأعداد التي انضمت إلى عرائض الاحتجاج عصب وحدات الجيش الإسرائيلي وأجهزته الأمنية مما دفع رئيس الأركان إيال زامير إلى الإعلان عن طرد الموقعين على العرائض الاحتجاجية من خدمة الاحتياط وتهديدهم بأنه لا مكان للنقاش السياسي في صفوف الجيش.
وقال اللواء (احتياط) نمرود شيفر وهو أحد قادة سلاح الجو السابقين، وأحد المبادرين للعريضة الاحتجاجية “أستغرب قرار قائد الجيش الإسرائيلي مخاطبة الموقعين على الرسالة بهذه الطريقة وتهديدهم. هؤلاء أناس أمضوا عشرات ومئات الأيام في خدمة الاحتياط خلال العام والنصف الماضيين، فالرسالة دعوة للحكومة الإسرائيلية لإعادة المختطفين إلى ديارهم، هذه مسؤوليتكم النهائية، فافعلوا ذلك”.
وبسبب اتساع رقعة العرائض الاحتجاجية أجبر رئيس الأركان على تغيير لهجته الموجهة للموقعين -بحسب يديعوت أحرنوت- فبعد قراره الطرد الفوري وتهديدهم صرح زامير، أن الجيش سيواصل العمل بمسؤولية ولن يسمح للخلافات بالتسلل إلى صفوفه.
وقال إن “لجنود الاحتياط الحق في التعبير عن آرائهم خارج الخدمة، كمواطنين، في أي قضية، وبطريقة ديمقراطية. هناك ما يكفي من السبل والأماكن للاحتجاج المدني، إن محاولة جرّ الجيش الإسرائيلي، بما في ذلك التحدث كمجموعة باسم وحدة عسكرية، أمر مرفوض ولن نسمح به”.
ووصف المختص في الشؤون الإسرائيلية عصمت منصور العرائض الاحتجاجية بأنها غير مسبوقة ليس فقط بسبب توقيتها، ولكن لطبيعة الأشخاص الموقعين عليها، والذين يمثلون أكثر الوحدات العسكرية والأمنية حساسية.
وأوضح أنه بالرغم من أن كثيرا من المحتجين ليسوا في الخدمة الفعلية “إلا أن لهم تأثيرا كبيرا جدا على الجيش والأجهزة الأمنية ولهم وزنهم في الشارع الإسرائيلي” فوفقا ليديعوت أحرنوت فإن نحو 20% من الموقعين على العرائض هم من أفراد الخدمة الاحتياطية النشطة.
وأضاف أن أهم ما يميز عرائض الاحتجاج الحالية هو كسر الإجماع على استمرار الحرب على غزة وأن إنهاء قضية الأسرى لن يحل بالضغط العسكري.
شرارة الاحتجاج
والجدير ذكره أن العرائض الاحتجاجية خصوصًا التي أطلقها الطيارون والعاملون في سلاح الجو الإسرائيلي كانت دفعت إلى إطلاق شرارة موجة رفض الخدمة العسكرية، التي انطلقت في فبراير/شباط 2023 احتجاجًا على خطوات ائتلاف نتنياهو الانقلابية على القضاء.
وانضم في حينه عشرات آلاف من الجنود من الاحتياط، والمحاربين القدامى وحتى جنود في الخدمة النظامية للاحتجاج.
لكن القائمين على العرائض الاحتجاجية الحالية شددوا على أنه لا يوجد فيها دعوة لرفض الخدمة العسكرية أو التمرد وقالوا إنهم يرفعون صوتا من أجل إنقاذ أرواح الأسرى واتهموا نتنياهو بالتخلي عنهم.
وأكد قائد سلاح الجو ورئيس الأركان السابق دان حالوتس على حق الجنود الاحتياط في التعبير عن رأيهم، بعيدا عن رفض الخدمة العسكرية وقال إن عدم حدوث الاحتجاجات الآن “يعني أن 400 ألف جندي احتياطي سيضطرون إلى الانتظار حتى نهاية الحرب للتعبير عن آرائهم أن لهم الحق في التأثير”.
من جهته لم يستبعد منصور بأن خطوات قدامى المحاربين في أهم وحدات الجيش والأجهزة الأمنية قد تحفز جنود الاحتياط والنظاميين على الانضمام للعرائض الاحتجاجية.
وأضاف “أن حالة الاحتياط من جهة وتحذيرات زامير نفسه، إضافة إلى حالة انعدام الثقة بين المستوى السياسي والعسكري والأمني هي عوامل محفزة على حالة من التمرد ورفض الخدمة التي تشكل أكبر هاجس لنتنياهو وائتلافه”.
في المقابل يرى المختص في الشؤون الإسرائيلية مهند مصطفى “أن الدعوة للعصيان وعدم الالتزام بالخدمة العسكرية سوف تنزع الشرعية عن هذه العرائض، مما يضعف تأثيرها فالهدف ليس إضعاف الجيش بل الضغط على الحكومة الإسرائيلية به ليأخذ موقفا حازما في قضية الأسرى والرهائن”.
احتجاج صامت
وعقب عرائض الاحتجاج قرر الجيش استبدال جنود الاحتياط في مناطق القتال بجنود نظاميين وتقليص عدد أوامر الاستدعاء المرسلة للاحتياط.
ويعتقد القادة أن عدم ثقة جنود الاحتياط بالمهمة التي تنتظرهم قد يضر بالخطط العملياتية ومن الواضح فعلا للجيش،أن هناك صعوبة في تنفيذ الخطط القتالية في غزة، ولبنان، وسوريا، والضفة الغربية، وفي الوقت نفسه، يتم إرسال المزيد من الوحدات النظامية إلى غزة لتقليل الاعتماد على جنود الاحتياط.
وتعترف مصادر في الجيش وفق صحيفة هآرتس بأن طرد جنود الاحتياط تم بضغط من المستوى السياسي حتى لو لم يكن مباشراً، ويعتقدون أن أزمة الاحتياط أصبحت أكبر بكثير مما يتم تصويره للرأي العام.
ورغم تهديدات زامير وقراره طردَ جنود الاحتياط الموقعين على العرائض، إلا أنه حذر المستويات السياسية في اجتماع للكابينت في 14 أبريل/نيسان الحالي من ضرورة أخذ النقص في القوى البشرية في الجيش في الاعتبار، “وأنه من المستحيل تحقيق جميع أهداف الحرب من دون تحركات سياسية”.
وبحسب أوري مسغاف في مقال نشرته صحيفة هآرتس “بأن زامير اكتشف متأخراً أنه عُيّن في منصبه من قيادة سياسية فاسدة كانت تتوقع منه أن يبدأ من جديد حرباً سياسية خادعة وأن يضحي بالرهائن والجنود لصالح احتلال القطاع على الأرض وإدارته من خلال الحكم العسكري هذه حرب ليس لها إجماع وليس لديها ما يكفي من الجنود”.
ويرى أن العرائض الاحتجاجية تشجع على الاحتجاج الصامت من الجنود الاحتياط والذي ظهر في تراجع نسبة المستجيبين لأوامر الاستدعاء للاحتياط إلى 50% والذين يرون أن الحرب الحالية لا تمثلهم.
جنود منهكون
وتحت “تسونامي العرائض الاحتجاجية” تتكشف أزمة استقرار بين جنود الاحتياط المنهكين الذين فقدوا الثقة في الحكومة المهملة والمراوغة كما “تثير البيانات التي تم التعرف عليها في الجيش للمرة الأولى القلق في ضوء الخطاب العام المحيط بقانون الإعفاء من الخدمة العسكرية للحريديم” حسب تقرير نشرته القناة 12.
وقالت القناة إنه بعد مرور عام ونصف العام على اندلاع الحرب تواجه قوات الاحتياط في الجيش أزمة متزايدة حيث تتراجع نسبة المنضمين إلى الجيش كما تتراجع الدافعية”.
وتثير البيانات التي تم التعرف عليها في الجيش للمرة الأولى القلق في ضوء الخطاب العام المحيط بقانون “الإعفاء من الخدمة العسكرية للحريديم”.
ويوضح الخبير مهند مصطفى، أن العرائض تعمق الانقسام الداخلي في تواطؤ الجيش ورئيس أركانه زامير في مخططات الحكومة اليمينية المتطرفة في قطاع غزة ليس لاستعادة الأسرى عبر العمليات العسكرية بل تنفيذ مخططات أيديولوجية وشخصية لنتنياهو وائتلافه، فضلًا عن أن هناك احتجاجا على عدم تجنيد الحريديم في الجيش مع استئناف العلميات العسكرية.
وفي رأي محللين فإن هذه الخطوات خصوصا من شخصيات كانت في قلب المؤسسة السياسية والدبلوماسية والعسكرية تعكس اتساع دائرة الدعم لتغيير النهج الحالي اتجاه الحرب على غزة وقضية الأسرى.
وقد تحولت حركة الاحتجاج الجديدة إلى هاجس لدى نتنياهو وحلفائه، الذين وصفوا المشاركين فيها بأنهم “مجموعة من الفاشلين الهامشيين وجماعة متطرفة تحاول من جديد تقويض المجتمع الإسرائيلي من الداخل فهذه الجماعة الصاخبة تعمل لهدف واحد وهو إسقاط الحكومة إنها لا تمثل الجنود ولا الجمهور”.
وجاء في العرائض أن الحرب في الوقت الحالي تخدم أساسا المصالح السياسية والشخصية وليس المصالح الأمنية وإن تجدد القتال يعيق إطلاق سراح الرهائن ويعرض الجنود للخطر ويتسبب في إلحاق الضرر بالأبرياء.
معارضة ضعيفة
ورغم أن المعارضة في إسرائيل ضعيفة ومنقسمة وكانت طوال الوقت تابعة لذيل نتنياهو وفقا للخبير عصمت منصور إلا أن العرائض قد تشجعها على التحرك والاستفادة من الزخم الاحتجاجي.
وتوقع منصور أن وزن المشاركين في الحراك الاحتجاجي في نظر المجتمع الإسرائيلي كمجتمع أمني يقدس العسكريين والجيش سيدفع قطاعات أخرى إلى الانضمام للاحتجاج وعلى رأسها نقابات العمال “هستدروت” وقطاعات اقتصادية مختلفة يمكنها بسهولة شل الاقتصاد والدعوة الى الإضراب الشامل وهو أسوأ كوابيس نتنياهو وائتلافه.
لذا سيبقى زخم العرائض لإحداث تغيير دراماتيكي في المشهد الداخلي لوقف الحرب وإنهاء ملف الأسرى رهينة بتحويله إلى روافع ضغط فاعلة على نتنياهو وقدرة المعارضة على اقتناص الفرصة تحرك معها الشارع وتغير من تكتيكاتها بعيدًا عن الانقسام والتنافس بين مكوناتها المختلفة على من يقود المشهد.
المصدر: https://n9.cl/vjr71
إسرائيل في مأزق .. لا يمكنها الانتصار أو استعادة الأسرى
يرى الضابط الإسرائيلي السابق مايكل ميلشتاين رئيس “منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز موشيه ديان بجامعة تل أبيب” أن إسرائيل تعيش في مأزق إستراتيجي بسبب استمرارها في الحرب على قطاع غزة يتمثل في عدم قدرتها على تحقيق أي من أهدافها المعلنة سواء استعادة الأسرى بالقوة أو هزيمة حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وفي مقال نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت” قال إن تصريح حماس الأخير بعدم القبول بأي صفقة تبادل دون إنهاء الحرب وانسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة سهل على الحكومة الإسرائيلية نظريا أن تواصل الحرب باعتبارها الخيار المفضل”.
ويشير إلى أن ذلك انعكس في دعوة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى “استغلال رد حماس للقضاء على التنظيم واحتلال كامل غزة وتنفيذ خطة ترامب معتبرا أن ذلك سيؤدي أيضا إلى الإفراج عن الأسرى”.
ويرى ذلك “طرحا غير مقنع لغالبية الإسرائيليين الذين باتوا يدركون أن تحقيق الاثنين معا أي النصر الكامل وتحرير الأسرى لم يعد ممكنا”.
ويقول إن جيش الاحتلال “يسيطر فعليا على أكثر من 40% من أراضي قطاع غزة لكنه لا يفرض سيطرة حقيقية على تلك المناطق ولا يزال أمامه تحديان كبيران أولهما الدخول إلى المناطق الحضرية المكتظة حيث تنتظره حماس لتخوض معه معارك شرسة، وثانيهما إدارة شؤون السكان الفلسطينيين في قطاع غزة”.
وبرأيه فإن هذا يعني “فرض حكم عسكري على مليوني شخص في بيئة عدائية ومدمَّرة بالكامل مع توقع اندلاع حرب عصابات وموجات مقاومة مشابهة لما حدث في العراق بعد الغزو الأميركي”.
وبحسبه فإن إسرائيل “عالقة حاليا في وضع لا تستطيع بلع ما حصل ولا تقيؤه به إذ لم تحقق تحرير الأسرى، وفي الوقت ذاته تزداد الشكوك بشأن القدرة على احتلال القطاع بالكامل أو فرض سيطرة طويلة الأمد عليه”.
ويمضى في مقاله قائلا “بدلا من الوعد المزدوج بالنصر والتحرير تبدو النتيجة حتى الآن لا هذا ولا ذاك وسط إطلاق الحكومة الإسرائيلية شعارات مثل: حماس على وشك الانهيار ومزيد من الضغط سيجعلها تراجع والعرب لا يفهمون سوى لغة القوة” وهي شعارات يرى أنها “جوفاء وتبقي إسرائيل غارقة في حرب استنزاف مكلفة دون مؤشرات واضحة على تغير مواقف حماس أو تراجع قبضتها على غزة”.
وهم نزع سلاح حماس
وانتقد ميلشتاين ما وصفه بـ”الوهم الجديد المتمثل في مطلب إسرائيل بنزع سلاح حماس لأن ذلك ليس إلا عقبة مقصودة تعرض كهدف قابل للتحقيق بينما هي في الحقيقة تمثل عذرا لتجميد المفاوضات أو تعبيرا عن انعدام الفهم العميق لطبيعة حماس”.
كما حذر من “خطأ قراءة الوضع الداخلي في غزة بصورة متفائلة أكثر من اللازم” مشيرا إلى أن “الحديث عن أزمة مالية داخل حماس أو وجود احتجاجات شعبية لا يعكس واقعا يهدد سيطرتها إذ إن تلك الاحتجاجات تفتقر للقيادة والرؤية السياسية ولا تشكل كتلة قادرة على زعزعة حكم الحركة التي لا تزال صامدة رغم الضربات، وتمثل القوة المهيمنة في القطاع”.
وأشار إلى “الابتهاج المرضي لدى بعض صناع القرار في إسرائيل خلال فترة حكم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إذ يعتقدون أن هذه الحقبة تمكنهم من تنفيذ كل أحلامهم، بما فيها ضم أجزاء من الضفة الغربية، دون الحاجة لمراعاة المجتمع الدولي أو الدول العربية.
كما اعتبر أن هذه “الأرضية الإستراتيجية واهية بطبيعتها لأنها لا تستند إلى تخطيط منظم بل تتسم بانعطافات حادة ومفاجئة مثلما ظهر في اهتمام ترامب المتراجع مؤخرا بخطة “تفريغ غزة” في حين تصرّ إسرائيل عليها إصرارا يضرّ بمصالحها خصوصًا في علاقاتها مع العالم العربي”.
وأشار إلى “التطور اللافت بفتح الولايات المتحدة حوارا مع إيران وهو ما أثار القلق في إسرائيل من احتمال إبرام اتفاق يعزز موقع طهران، خصوصا أن المفاوضين الإيرانيين أكثر تمرسا وخبرة من نظرائهم الأميركيين”.
واختتم مقاله بالقول “هناك خياران سيئان فقط لإسرائيل:
- الأول هو الاستمرار في القتال دون تحقيق حسم أو احتلال كامل ومن المؤكد أنه لن يفضي إلى تحرير الأسرى.
- والثاني هو العودة إلى اتفاق يسمح بعودتهم لكنه يشترط إنهاء الحرب والانسحاب من غزة”.
ودعا إلى تبني الخيار الثاني “رغم كونه خيارا باهظ الكلفة” لأنه برأيه “أهون الشرين بالنظر إلى حجم الضرر المتحقق من استمرار القتال”.
المصدر: https://n9.cl/mc11m5