مصيدة الديون.. هل تبيع مصر أملاكها لسداد الديون؟

خطط البيع تصل إلى الدلتا وصعيد مصر.. طرح أصول بـ27 محافظة على المستثمرين العرب والأجانب
خلال السنوات الماضية اعتمدت حكومة رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي خطة طرح الأصول العامة والحكومية من شركات ومصانع وأراضي وموانئ استراتيجية بأماكن حيوية في العاصمة القاهرة، وغيرها من المدن أمام المستثمرين الأجانب والمصريين وفي البورصة المحلية في توجّه يلاقي رفض المعارضة وكثير من الاقتصاديين.
لكن يبدو أن حكومة القاهرة التي تواجه أزمات اقتصادية خطيرة وعلى طريقة “التاجر المفلس” قرّرت البحث في دفاتر محافظات مصر الـ27 عن أصول ومقرات ذات قيمة تاريخية وتراثية وتقع في مواقع استراتيجية بعواصم المحافظات ومدنها الهامة ويمكن عرضها للبيع على المستثمرين العرب والأجانب والمصريين.
وفي تصريح لموقع “المال” الاقتصادي كشفت وزيرة التنمية المحلية الجديدة منال عوض التي جرى تعيينها في 3 تموز/ يوليو الماضي عن الانتهاء من برنامج شامل لحصر جميع الأصول غير المستغلة داخل 27 محافظة لبدء الترويج لها عبر خريطة مصر الاستثمارية واستقطاب مستثمرين جدد محليين وأجانب بالتنسيق مع هيئة الاستثمار، وصندوق مصر السيادي.
ومن المثير أيضا في تصريحات الوزيرة إعلانها عن تحويل موظفين في وزارة التنمية المحلية إلى شبه سماسرة للبحث عن المناطق التي يمكن بيعها والتواصل مع المستثمرين لبيعها وذلك بحسب قولها إن وزارتها “سوف تنفذ برنامجا مع هيئة الاستثمار لتدريب العاملين بالمحليات على قانون الاستثمار وآليات التواصل مع المستثمرين”.
ذلك الحديث يطرح التساؤل حول دلالات وخطورة توجه حكومة السيسي نحو تفريغ محافظات مصر من أصولها الاستراتيجية والتراثية والهامّة والحيوية بدعوى عدم استغلالها؟
”حصيلة 9 سنوات”
لكن الإجابة على السؤال السابق تستوجب أولا، البحث في ملف حصر الأصول بمحافظات مصر هو التوجّه الذي بدأه السيسي مبكرا وبعد نحو عامين من انقلابه على أول تجربة ديمقراطية وبعد عام من توليه حكم البلاد رسميا ما يشير إلى أن توجهه نحو بيع الأصول فكرة سابقة على توجيهات صندوق النقد الدولي في هذا الإطار بحسب مراقبين.
كان القرار الأول في تشرين الأول/ أكتوبر 2015 حينما قررت حكومة شريف إسماعيل (2015- 2018) تشكيل لجنة وزارية لحصر أصول الدولة غير المستغلة في الوزارات والمحافظات والهيئات والجهات التابعة لها، تلك اللجنة من وزارات التخطيط والمالية والاستثمار والتنمية المحلية وتقدم تقريرا شهريا حول رصدها لأهم الأصول.
لكنه يبدو أن تلك اللجنة لم تقدم نتاجا يرضي رئيس النظام فقرر في 4 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 تشكيل لجنة موسعة من أجل حصر أصول الدولة غير المستغلة وحددها في (أراضي ومخازن ومستودعات الدولة) المملوكة للوزارات والمحافظات والهيئات والجهات التابعة لها وشركات القطاع العام وشركات قطاع الأعمال العام مع إضافة اختصاص جديد بوضع تصور للاستفادة من تلك الأصول.
القرار الجديد ضمّ إلى جانب الوزارات الأربعة السابقة 9 وزارات جديدة هي: الأوقاف، والموارد المائية وقطاع الأعمال، والسياحة والزراعة والإسكان والنقل ووزارة الدفاع والدولة للإنتاج الحربي، ما يعني توسيع قاعدة عمل حصر الأصول لتشمل 13 وزارة إلى جانب هيئات مثل الرقابة الإدارية والاستشعار عن بعد وعلوم الفضاء.
حكومة مصطفى مدبولي (7 حزيران/ يونيو 2018-حتى الآن) أولت هذا الملف اهتماما كبيرا خاصة مع تدشين صندوق مصر السيادي رسميا في شباط/ فبراير 2019 وتولّي وزير التخطيط هالة السعيد رئاسة مجلس إدارة الصندوق.
وقبل ذلك وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2018 أعلنت السعيد حصر 2000 أصل غير مستغل فى 15 محافظة منها: جنوب سيناء والقاهرة وقنا ودمياط والإسكندرية، والسويس والشرقية والغربية وكفر الشيخ وأسوان والمنيا والوادي الجديد والبحيرة والأقصر.
الاهتمام الحكومي بملف حصر الأصول ظل لافتا حيث إنه في 25 أيلول/ سبتمبر 2020 أعلن رئيس الوزراء حصر 3700 من الأصول غير المستغلة للدولة في 27 محافظة و30 وزارة.
“لهذا اقترب البيع“
ويرى مراقبون ومتحدثون أن الحديث الحكومي عن الانتهاء من حصر الأصول غير المستغلة ووضع خطط لترويجها وطرحها على المستثمرين المحليين والأجانب الآن له وجاهة خاصة في ظل العديد من الأوضاع التي تمر بها البلاد وهو ما يتمثل في عدة نقاط تشير لانتقال الملف إلى حيز التنفيذ بعد سنوات من الحصر.
أولا: انتقال أكثر من 107 وزارات وهيئة رسمية وحكومية إلى مقراتها الجديدة في العاصمة الإدارية الجديدة -50 كيلومترا شرقي القاهرة- والتزام الوزارات بدفع قيم إيجارية عالية لشركة العاصمة الإدارية الجديدة تصل إلى 4 مليارات جنيه سنويا وفق تصريح للسيسي منتصف 2022.
ثانيا: تسجيل أغلب الأصول غير المستغلة عبر أعمالة لجنة الحصر طوال السنوات الماضية من العام 2015 وحتى العام الجاري وذلك إلى جانب عملية التنقية والتقييم لهذه الأصول بحسب تصريحات رسمية متتابعة أكدت على الأقل ضم مقرات الوزارات والهيئات القديمة إلى وزارة المالية وصندوق مصر السيادي وهو ما يجري بحق باقي الأصول التي تم حصرها.
ثالثا: الحاجة الماسة للحكومة المصرية إلى الأموال لخفض الدين العام وزيادة التدفقات الدولارية ولسد عجز الموازنة العامة للدولة الذي يفوق بالسنة المالية (2024/2025) 26 مليار دولار فيما تلتهم خدمة دين خارجي يبلغ 153.86 مليار دولار في أيار/ مايو الماضي إلى جانب الدين الداخلي نحو 101 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بعد إضافة ديون الهيئات الاقتصادية.
رابعا: إثر مراجعة صندوق النقد الدولي الأخيرة للاقتصاد المصري الشهر الماضي في إطار الحصول على تمويل بقيمة 8 مليارات دولار طالبت المؤسسة الدولية حكومة القاهرة بتسريع خطة بيع الأصول فيما تحرص مصر على تنفيذ اشتراطات الصندوق لتمرير المراجعة الرابعة الشهر المقبل إلى جانب 4 مراجعات في 2025 و2026 للحصول على 1.2 مليار دولار كل مرة.
خامسا: الرغبة الخليجية الجامحة من الشركات والصناديق السيادية بالإمارات والسعودية للحصول على الأصول المصرية واستغلالها إما كاستثمار أجنبي جديد وإما وفاء لديون البلدين لدى حكومة السيسي والبالغة 21 مليار دولار بنهاية كانون الأول/ ديسمبر الماضي لأبوظبي ونحو 12.9 مليار دولار للسعودية.
سادسا: إخلاء عدد كبير من المباني والمنشآت الهامة في عواصم المحافظات ونقلها إلى أماكن جديدة وخاصة السجون المركزية وأماكن الاحتجاز ومقرات الأمن وغيرها من المؤسسات التي تقع في مناطق حيوية بالمدن الكبرى وبمساحات واسعة وتمثل بعضها قيمة مالية أو تراثية ويمكن استغلالها سياحيا.
“أهم الأصول المحتمل طرحها“
وتعد مقرات الوزارات القديمة في القاهرة مثل الخارجية والتجارة والصناعة والنقل والتنمية المحلية والسياحة والآثار وغيرها والتي يعد أغلبها تاريخية وتراثية وجرى نقلها على مراحل إلى صندوق مصر السيادي منذ كانون الأول/ ديسمبر 2020 من أهم الأصول المحتمل طرحها للبيع في العاصمة القديمة.
وذلك إلى جانب وزارات العدل والمالية، والتربية والتعليم (قصر) والصحة الإنتاج الحربي (قصر) والتموين والتضامن، والإسكان والتي جرى نقلها في كانون الثاني/ يناير الماضي بقرار جمهوري يقضي بنقل أراضي ومباني 13 وزارة بوسط القاهرة تمثل ثروة عقارية هائلة إلى صندوق مصر السيادي.
ويظل لافتا وينال أهمية خاصة من حكومة السيسي ما لدى وزارة الأوقاف من أملاك ومقرات وأراض ومبان ذات قيمة عالية جميعها تابع لهيئة الأوقاف بجميع محافظات مصر ومدنها وقراها والتى تضم ممتلكات تتجاوز التريليون و50 مليار جنيه وفق رقم جاء في سؤال موجه من عضو مجلس النواب أيمن محسب لرئيس الوزراء حول حصر الأصول وكيفية استغلالها.
بل إن السيسي ومنذ سنوات ويقوم بإزالة صفة النفع العام عن الكثير من المباني والمنشآت الهامة في القاهرة والمحافظات لغرض بيعها. وقام في آب/ أغسطس 2020 بتخصيص “أرض المعارض” بمدينة نصر وأرض “مكتبة الإسكندرية” لبنك الاستثمار القومي ومن ثم ضمها إلى صندوق مصر السيادي تمهيدا لبيعهما.
وفي تموز/ يوليو 2022 وضع السيسي أراضي ومباني 12 هيئة وإدارة تابعة لوزارة الداخلية بأهم مواقع القاهرة والجيزة والبحيرة والمنيا تحت تصرف وزارة المالية بعد إزالة صفة النفع العام عنها.
وهي: أراضي ومباني إدارات: العمليات الخاصة، والمرور، والعلاقات الإنسانية، وتصاريح العمل، والأندية وفنادق الشرطة، ومجمع خدمات الشرطة، وقطاع التدريب، والتأمين والمعاشات، والموانئ، ومديرية أمن القاهرة، ومرور الجيزة، وسجن الاستئناف بالقاهرة، وسجن دمنهور بالبحيرة، وسجن المنيا العمومي.
وفي كانون الأول/ ديسمبر 2022 نقل السيسي إلى وزارة المالية أراضي ومباني سجن بنها بالقليوبية 14 ألف متر مربع وسجن طنطا بالغربية 26 ألف متر مربع، ومبنى الأمن المركزي بالإسكندرية 45 ألف متر مربع، وسجن الإسكندرية، وسجن الحضرة بالإسـكندرية بمـساحة 22 ألف متر مربع، وســجن بالبحيرة 28 ألف متر مربع، وسجن الزقازيق بالـشرقية 8 آلاف متر مربع، وقطاع الأمن المركزي بالقاهرة 16 ألف متر مربع.
وأراضي ومباني: وكالة النشاط الرياضي بالقاهرة 15 ألف متر مربع وقطاع الشهيد عمرو مسعد بالقاهرة 82 ألف متر مربع وقطاع الشهيد عمرو عبدالمنعم بالقـاهرة 41 ألف متر مربع وإدارة قوات أمن القاهرة بالدراسة 23 ألف متر مربع.
وفي تموز/ يوليو 2024، نقل السيسى مقرات ومباني 9 سجون ومقرات أمنية لصالح وزارة المالية، وهي: أراضي ومباني قوات الأمن بالبحر الأحمر 63 ألف متر مربع، ومديرية أمن أسيوط 51 ألف متر مربع، ومديرية أمن الأقصر 60 ألف متر مربع، ومديرية أمن بني سويف 4400 متر مربع، ومديرية أمن أسوان 1200 متر مربع، وسجن قنا 21 ألف متر مربع، وسجن أسيوط 45 ألف متر مربع، وسجن المرج بالقليوبية 283 ألف متر مربع.
“هراء ما قبل الإفلاس“
وفي قراءته لدلالات وخطورة توجه حكومة السيسي نحو تفريغ محافظات مصر من أصولها الاستراتيجية والتراثية والهامة والحيوية، بدعوى عدم استغلالها، تحدث المستشار السياسي والاقتصادي الدكتور حسام الشاذلي.
الأكاديمي المصري الذي يرأس جامعة كامبردج المؤسسية بسويسرا قال: “بات الأمر جد خطير فإن الدول لا تبيع أصولها بدوافع الاستثمار أو بحجة كونها غير مستغلة كون هذا الأمر يمس الأمن القومي لمصر ويعطي لمؤسسات أجنبية حقوق في التواجد والسيطرة على معلومات حساسة ويضع مقدرات الشعب المصري في منطقة الخطر”.
وفي المقابل أكد أنه “يجب وضع خطة لتحديد المناطق الآمنة استثماريا بدون المساس بالأصول الحرجة وتفعيل خطط لتوظيف غير المستغل منها” وقال: “أرى أن تصريحات وزيرة التنمية المحلية هي بداية لمرحلة غاية في الخطورة وهي مرحلة خصخصة مصر وبيعها في المزاد”.
ولفت إلى أنه “من المتعارف عليه نظرا لأن بيع الأصول يمس الأمن القومي ففي حالة الاستثمار الأجنبي المقيد بشروط وفي حالة وجود نموذج معتمد يضمن استقلالية القرار والحفاظ على المعلومات وحق الدولة في إنهاء التعاقد بلا شروط فإنه يجب الآتي:
تشكيل لجان على أعلى مستوي من الخبرة والقدرة لدراسة كل حالة على حدة وفي أضيق الحدود وعرض الحالات على البرلمان للبت فيها في جلسات علنية”.
ويعتقد الشاذلي أن “تدريب موظفي الوزارة على جذب المستثمرين وعقد الاتفاقيات هو محض هراء اقتصادي، يصلح لمجموعة تدير صالة مزادات وليس أصولا لدولة في حجم مصر في 27 محافظة”.
وفي نهاية حديثه أكد أن أكثر ما يخشاه أن “يكون هذا الهراء متعمدا وذلك لتسييل الأصول في تكتيك استباقي قبل تعرض الدولة للإفلاس مع استمرار عدم القدرة على تسديد القروض وفوائدها لمدة طويلة وزيادة حجم الدين الخارجي لأرقام فلكية، وإن غدا لناظره قريب”.
“حل مالي حالي وعبء مستقبلي“
وفي تقديره لحجم الأزمة التي دفعت الحكومة لهذا البيع، وتلك الأزمة التي يصنعها لاحقا التفريط في أصول 27 محافظة مصرية قال السياسي المصري سمير عليش إن “مصر تعاني من مشكلتين رئيستين مشكلة مالية ومشكلة اقتصادية”.
عضو مجلس أمناء الحركة المدنية الديمقراطية المصرية أضاف في حديثه أن “بيع الحكومة المصرية للأصول فقط دون اجتذابها لاستثمارات خارجية التي تعمل على تقليل الفجوة الاستيرادية وزيادة الإنتاجية وتشغيل العمالة؛ ستكون فقط خطوة لحل المشكلة المالية”.
وأضاف: “قد يكون العبء الأكبر على الميزان التجاري إذا تم بيع أصول رابحة كالفنادق مثلا أو شركات الأسمدة فيزيد العبء المستقبلي على ميزان المدفوعات عندما يطالب المستثمر بتحويل نتائج أرباح وأعمال استثماراته للخارج”.
المتحدث الرسمي السابق باسم “الجبهة الوطنية للتغيير” لفت أيضا إلى وجود “تخوف آخر من تسلل رجال أعمال مرتبطين بالكيان الإسرائيلي المحتل لفلسطين إلى كافة مفاصل الدولة المصرية والمجتمع المصري عبر وصوله إلى إدارة تلك الأصول كأن يكونوا على الأقل موظفين تابعين للمستثمر الأجنبي/ العربي إن لم يكونوا شركاءه”.
المصدر: https://2h.ae/vebf
تصفية الأصول: هل تبيع مصر أملاكها لسداد الديون؟
تُعد تصفية أصول الدولة أحد الأدوات الاقتصادية التي تلجأ إليها الحكومات لتحقيق أهداف مالية معينة.
وتصفية الأصول تعني عملية تحويل الأصول المملوكة للدولة، مثل العقارات، والشركات، والبنى التحتية إلى سيولة نقدية من خلال بيعها أو خصخصتها. تستخدم الحكومات هذه العملية لتحقيق عدة أهداف اقتصادية ومالية، منها تقليص الدين العام أو تحسين الكفاءة الاقتصادية لجذب الاستثمارات وغيرها.
في اليونان مثلًا لجأت الحكومة إلى بيع بعض الأصول العامة كجزء من برنامج الإنقاذ المالي الذي قدمه الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي خلال أزمة الديون التي واجهتها البلاد في العقد الماضي.
وفي الهند قامت الحكومة الهندية بخصخصة العديد من الشركات العامة بما في ذلك شركات الطيران والمصافي النفطية في محاولة لتعزيز الكفاءة المالية وجذب الاستثمارات وفق Financial Times.
وفي حالة مصر أعلنت الحكومة منتصف يوليو الماضي – ضمن برنامج عملها المُقدم لمجلس النواب-، مشروعًا لإنشاء لجنة تصفية الأصول تتبع وزارة المالية بهدف تحقيق 20 – 25 مليار جنيه سنويًا للخزينة من عائدات التخارج خلال الأعوام المقبلة وتحويل نسبة 1% من الناتج المحلي الإجمالي من عائدات التخارج إلى الموازنة لخفض دين أجهزة الموازنة.
لكن ما يثير تساؤلات وردود فعل واسعة في مصر أن هذه الخطوة جاءت في ظل التدفقات المالية الكبيرة التي تلقتها مصر مؤخرًا ومنها 60 مليار دولار بعد صفقة رأس الحكمة والتمويلات الدولية واتفاقيات استثمارية بقيمة 70 مليار يورو مع الاتحاد الأوروبي مطلع الشهر الجاري.
وأثار ذلك حالة واسعة من الجدل والتساؤلات حول طبيعة عمل اللجنة وأحقية الحكومة بالتصرف في الممتلكات العامة للدولة والتداعيات الاقتصادية والسياسية المترتبة على قرارات اللجنة المحتملة خاصة على مستقبل الأجيال القادمة في ظل غياب التوضيحات الرسمية بخصوص الأمر.
وقبل أيام من الإعلان الرسمي كشف صندوق النقد الدولي أن مصر تستهدف في العام المالي 2024-2025 بيع أربعة أصول على الأقل في قطاعي الطاقة والتصنيع من المتوقع أن تدر عوائد بقيمة 3.6 مليار دولار في شكل تدفقات أجنبية وأوضح تقرير الخبراء بشأن المراجعة الأولى والثانية من برنامج الإصلاح الاقتصادي أنه يتم توجيه هذه التدفقات إلى موازنة السنة المالية الجديدة 2024/2025 بهدف تقليص الدين العام.
وجاء تشكيل اللجنة ضمن برنامج يهدف إلى تخفيض الدين العام في مسارات قابلة للاستدامة وذلك باستمرار توجيه الفائض الأوّلي واستخدام جزء من حصيلة التخارج وبرنامج الأطروحات الحكومية لزيادة إيرادات الموازنة لخفض حجم الاقتراض الحكومي ويستهدف ذلك خفض فاتورة خدمة دين أجهزة الموازنة ليصل إلى (42.6%) من المصروفات العامة في عام 2026/ 2027 ضمن استراتيجية متكاملة لوضع معدل الدين في مسار نزولي وفق برنامج الحكومة.
ما الدوافع؟
يقول وائل جمال – الباحث الاقتصادي ورئيس وحدة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية- إن الهدف الرئيس يرتكز على حاجة الدولة لتوفير سيولة دولارية كما هو متفق عليه مع صندوق النقد الدولي وأيضًا لسداد الدفعات المتأخرة من الديون.
بحسبه يفتقد القرار كافة المبررات التاريخية لقرارات الخصخصة يقول: “القطاع الخاص أقدر على الإدارة لديه ملكات ترتبط بالتنافسية والتطوير والابتكار أعلى من القطاع العام خاصة في ضوء وجود مستثمر أجنبي لديه قدرات على استقدام طرق أفضل في الإنتاج هذه المبررات باتت غير موجودة ومعلنة فقط والواضح أن هناك حاجة مُلّحة لسداد الديون”.
وحول التداعيات السلبية لقرارات اللجنة يقول “جمال” إنها تتعلق بمحورين:
الأمر الأول: أن الأصول القابلة للبيع عادة تكون أصولًا رابحة وبالتالي تحرم عملية بيعها الدولة من الأرباح.
الأمر الثاني: أن حصيلة البيع تدخل خزينة الدولة مرة واحدة فقط نظير صفقة البيع وبعد ذلك تكون الدولة ملزمة بتوفير سيولة دولارية للمستثمر لجني أرباحه بالدولار وليس بالعملة المحلية وهذا يمثل عبئًا إضافيًّا.
“لا توجد شروط في عملية تضمن الاحتفاظ بالأرباح لمدة محددة وإعادة استثمارها داخل مصر، لم توقع الدولة أي شروط من هذا النوع وبالتالي تستفيد الدولة من ثمن البيع مرة واحدة غالبًا تذهب لسداد الديون ثم يصبح المستثمر جزءاً من أزمة جديدة لأنه يضغط على الحكومة لتوفير دولار مثلما حدث في الشركة الشرقية للدخان على سبيل المثال” ويقول فيما يصف اعتماد الدولة على تصفية الأصول لحل الأزمة الاقتصادية الراهنة بأنها مسكن مؤقت فقط وبعد ذلك تتحول إلى مصدر ضغط إضافي وأزمة جديدة للدولة.
هناك أزمة أخرى تتعلق بمستقبل آلية عمل الشركات والأصول التي يتم بيعها ولا توجد معلومات حول قيمة أو حجم امتلاك الأجانب للشركات منها شركات الأسمدة وكيف سيؤثر ذلك على السوق المحلية والأسعار وفي شركة الشرقية للدخان ما حدث أن النسبة الأكبر بالشركة أصبحت للمستثمر الأجنبي (الخليجي) وهي في الأصل شركة محتكرة للسوق وبالتالي نُقِل الاحتكار من الدولة – حيث يخضع للعديد من الأدوات الرقابية- إلى المستثمر الأجنبي دون أي رقابة ما يمثل خطرًا فادحًا.
يتساءل مستنكرًا عن الفائدة من بيع شركات وأصول مملوكة للدولة رابحة وتدر دخلاً على الموازنة العامة وموجودة بالبورصة وتخضع للرقابة بالفعل؟ وتتحمل بالمقابل توفير عملة أجنبية لأرباح المستثمر فضلًا عن منح أحقية احتكار السلع داخل الدولة لغير المصريين.
يذكر على سبيل ذلك أزمة شركات الدواء التي تراجعت حصة الإنتاج الرسمي بها إلى أقل من 10% الأمر الذي تسبب في أزمة كبرى في الوقت الراهن وعدم توفير أي بدائل للعلاج.
يتفق معه أستاذ الاقتصاد السياسي كريم العمدة ويقول إن مشروع تصفية الأصول منذ عام 2023 والهدف منه تحقيق استثمارات لرفع السيولة الدولارية لخفض الدين العام ومعالجة عجز الموازنة العامة للدولة وتعني تخارُج الدولة أو شركات القطاع العام من بعض المشروعات خاصة الشركات والأصول غير المستغلة.
ويضيف “في ضوء اضطرار الحكومة المصرية للتعامل مع صندوق النقد يجب الالتزام بالشروط منها إعادة النظر في الدعم وتخفيض تدخل الدولة في الاقتصاد وبناء عليه وفي ظل الظروف الصعبة التي تمر بها مصر لا يوجد مصدر دخل سريع سوى التصرف في الأصول وتقليل التكاليف على الدولة”.
رغم ذلك هناك بعض القطاعات الاستراتيجية ذات الحساسية مثل المنتجات البترولية والأسمدة يتم أيضًا طرحها للاستثمار الخاص رغم أنها صناعات واعدة ومهمة وقد استحوذت الإمارات العربية المتحدة على جزء كبير من هذه الاستثمارات لكن ليس جميعها تم بيعه “هناك جزء منها استثمارات مشتركة مثل قطاع الألمنيوم الذي يُدَار بشكل مشترك”.
ووفقًا لوصفه يعاني القطاع العام من الفساد والبيروقراطية وكلما تمكنت الدولة من التخلص من أعباء القطاع العام كلما تمكنت من دفع وتيرة الاقتصاد بشكل أسرع بالرغم من ذلك قد يتضرر عدد من الموظفين في هذه القطاعات.
يضيف أعلنت الحكومة في برنامجها شروعها في رفع كفاءة استغلال الإدارة المحلية الأصول المملوكة لها أو مملوكة للدولة وتقع في نطاق المحافظة، وصيانتها والتخطيط السليم لتشغيلها، ومن أجل ذلك سيُدَشَّن نظامًا إلكترونيًّا يتضمن حصر تلك الأصول وتكويدها، ثم وضع وصف دقيق لحالة تلك الأصول العامة عن طريق قاعدة بيانات جغرافية؛ بما يضمن استغلال تلك الأصول وتشغيلها والاستفادة من عوائدها، وكذلك عدم تكرار عملية الشراء لذات الأصول لمنع هدر الموارد المالية.
أيضًا- سوف يُضاف كل أصول المشروعات الجديدة التي اُنْتُهِي من تنفيذها، وإدخالها كذلك في خطط الصيانة بحيث يُوضَع خطط لمدة عشر سنوات لصيانة تلك الأصول وتحديد تكلفة صيانتها، ومصادر تمويلها ويوضح البرنامج أن الحكومة قد انتهت من المرحلتين الأولى والثانية من جدول الطروحات المعلن بمعدل تنفيذ 100% وبلغ إجمالي قيمة ما طرح من الشركات والأصول منذ الإعلان عن البرنامج وحتى الآن نحو 5.8 مليارات دولار.
وتزامن المشروع الحكومي كذلك مع تحركات لنقل كافة المرافق الحيوية بما فيها الوزارات ومجلسي الوزراء والنواب من القاهرة العتيقة إلى العاصمة الإدارية الجديدة ما يفتح الباب واسعًا أمام احتمالات استغلال مرافق وأصول حكومية تقدر بمليارات بما في ذلك أصول استراتيجية مثل قناة السويس التي نفت الحكومة لاحقًا بيعها مقابل تريليون دولار.
من جانبها قالت وزيرة التخطيط المصرية السابقة، هالة السعيد إن الصفقات تضمنت بيع حصص أقلية في ثلاث شركات بـ قطاع النفط والبتروكيماويات لصندوق أبوظبي للثروة السيادية (القابضة إيه.دي.كيو) مقابل 800 مليون دولار وصفقة لجمع 700 مليون دولار عن طريق زيادة رأس مال شركة تمتلك مجموعة فنادق في مصر، وصفقة بيع حصة 31 % في شركة عز الدخيلة للصلب مقابل 241 مليون دولار.
قبل ذلك وفي عام 2022 أعلنت الحكومة عن استحواذ صندوق الاستثمارات السعودي على حصص أقلية مملوكة للدولة المصرية في أربع شركات رائدة مدرجة بالبورصة بقيمة 1.3 مليار دولار وأتى ذلك بعد أربعة أشهر من إعلان القاهرة بيع حصص في خمس شركات للصندوق السيادي الإماراتي مقابل 1.8 مليار دولار وسبقها بيع حصة مصر في شركتين أخريين للصندوق الإماراتي علق الرئيس السابق لجمعيتي الاستثمار المصرية والعربية هاني توفيق على الأمر قائلًا إن”البيع كان اضطراريًا للسعودية والإمارات لحاجة مصر إلى تسديد أقساط وفوائد ديونها المستحقة”.
وتبدو اللجنة الجديدة مختلفة تمامًا عن برنامج “الطروحات الحكومية” الذي تعهدت فيه الحكومة بطرح حصص في 32 شركة (حكومية) للبيع وتشمل عمليات البيع 18 قطاعا ونشاطا اقتصاديًا.
هل يحق للحكومة بيع أصول الدولة؟
عقب ثورة يناير من عام 2011 وهدف عدم التدخل في عقود الدولة (أو تعرُّض أعضاء مجلس الوزراء والموظفين الحكوميين للمقاضاة من آخرين) لكونهم يعملون للصالح العام.
كانت المحكمة الإدارية قد أحالت القانون إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في مدى دستوريته وذلك في إطار دعوى قضائية رفعها قبل سنوات موظفو شركة النوبارية لإنتاج البذور (نوباسيد) ضد قرار الحكومة بخصخصة الشركة.
لكن الدستور المصري يلزم الحكومة بحماية ممتلكات الدولة ومقدراتها وتنص المادة 32 من الدستور على “الثروات المعدنية والموارد الطبيعية للدولة ملك الشعب وعوائدها حق له تلتزم الدولة بالحفاظ عليها وحسن استغلالها ومراعاة حقوق الأجيال فيها. ولا يجوز التصرف في أملاك الدولة العامة، ويكون منح امتياز باستغلالها أو التزام مرفق عام بقانون، ولمدة محددة.
ويحدد القانون أحكام التصرف في أملاك الدولة الخاصة، والقواعد والإجراءات المنظمة لذلك”.
معلقًا يصف السياسي والخبير الاقتصادي إلهامي الميرغني بيع أصول الدولة بأنها جريمة يحاسب عليها القانون وتعدي على حقوق الأجيال القادمة. يقول في منشور عبر فيسبوك “أعلنت الحكومة عن توجهها لإنشاء لجنة لتصفية الأصول تتبع وزارة المالية بهدف تحقيق عوائد مالية تتراوح بين 20 و25 مليار جنيه سنويًّا للخزينة العامة للدولة وذلك من عائدات التخارج خلال الأعوام المقبلة”.
ويضيف “اسم اللجنة تصفية الأصول جريمة في حق المال العام ومُلاّك المال العام ومبلغ 25 مليار جنيه يعني 500 مليون دولار بينما كانت تصريحات محمد معيط وزير المالية السابق أنه سيتم بيع أصول في حدود 6.5 مليار دولار سنويًا وبيان الحكومة تحدث عن نحو 25 مليار جنية ولا نعلم أي الأرقام نصدق؟”.
يتابع “الحديث عن بيع الأصول أو تصفيتها بهدف تخفيض ديون أجهزة الموازنة العامة والأرقام جميعها متضاربة تحدثوا عن تخصيص 1% من الناتج المحلي الإجمالي وبيع الأصول لتخفيض الدين العام وهذا العام الناتج 17100 مليار جنيه إذن ما نسبته 1% تساوي 171 مليار جنيه.
وإذا كانت الديون المحلية لأجهزة الموازنة العامة في 30/6/2023 من واقع الحساب الختامي بلغت 7119.5 مليار جنيه والديون الخارجية 2545.5 مليار جنيه يعني أننا نتحدث عن 9.6 تريليون جنيه ديون فكم تمثل الـ 25 مليار جنيه منها؟”.
في هذا السياق يذكر الباحث الاقتصادي وائل جمال أن “مثل هذه القرارات قديمًا كانت تتم من خلال لجان تُقَدّر قيمة الممتلكات والأصول قبل البيع، ولا يحدث ذلك في الوقت الراهن أو لا توجد أي بيانات معلنة عن مثل هذه التفاصيل بمعنى أدق لذلك لا تتسم عملية البيع بأي نوع من الشفافية”.
المصدر: https://2h.ae/vLkx
مصيدة الديون: بيع الأصول كمحطة ضمن برامج الاستعباد المالي
كان دخول مصر في حلقة مديونية خبيثة تجبرها على الاستمرار بالاقتراض الخارجي والداخلي معًا ومن ثم اللجوء المتكرر إلى صندوق النقد الدولي باشتراطاته وإملاءاته النيوليبرالية المحفوظة فضلًا عن الخضوع الحتمي لمطالب ومطامع الدائنين وفاء لاستحقاقاتهم، ومع العجز عن السداد كان بيع واستبدال الأصول الحل السحري لإنقاذ الموقف قبل انهيار كامل الثقة في الاقتصاد وربما الاضطرار لإعلان العجز عن السداد في أسوأ السيناريوهات احتمالًا الأمر الذي برزت بوادره إبان فترة الصعود السريع لسعر صرف الدولار مقابل الجنيه بالسوق السوداء إلى أكثر من ضعف نظيره الرسمي بالبنوك أوائل العام الحالي، ولم يوقفه سوى أخبار صفقة رأس الحكمة الضخمة.
ومع هذه الحلقة المفرغة أصبح البلد ليس فقط بحاجة لاقتراض مستمر لتلبية حاجاته بل أصبحت القروض والمديونية تغذي نفسها بنفسها بما يُعرف بـ”مصيدة الديون” حيث يأتي قدر من القروض الجديدة ليذهب فورًا لسداد أقساط قروض أخرى قائمة بالفعل أو تتزامن دفعات القروض الجديدة مع أقساط سداد القديمة بصاف صفري أو حتى سلبي بالكامل كالدفعة التي دفعتها مصر لصندوق النقد بمبلغ 845.3 مليون دولار خلال شهر مايو/أيار الماضي بينما كانت تنتظر في ذات الوقت استلام دفعة 820 مليون دولار من القرض الجديد -البالغ ثمانية مليارات دولار- مع الصندوق خلال شهر يونيو/حزيران الماضي والتي تأجلت بتأجيل المراجعة الثالثة للصندوق إلى نهاية يوليو/تموز الجاري (إحدى آلياته للضغط على الحكومات للالتزام بمطالبه) وبشكل عام ستسدد مصر لصندوق النقد (6.08 مليارات دولار) ما يجاوز ضعف ما ستتلقاه منه (2.94 مليار دولار) خلال كامل عام 2024.
وهذه الحلقة المفرغة ليست شيئًا مما يحدث على سبيل الصدفة فبخلاف سوء الإدارة المالية لحكومة “الدروس المستفادة” بينما تكرر أخطاءها بثبات لا يثير الإعجاب كذا بخلاف العقبات الهيكلية والمؤسسية، فإن برامج الصندوق ذاتها بما تتضمنه من إجراءات نقدية ومالية لا تلائم واقع الاقتصادات العالمثالثية عمومًا ولا تنطلق أساسًا من أولوياتها الحقيقية لا تقدم حلولًا أو نتائج جادة على صعيد ما تدَّعي استهدافه والتجارب والخبرات العالمثالثية في ذلك المجال أكثر من أن تُحصى.
بل إن كثيرًا من الآراء تميل لاعتبار صندوق النقد وما شابهه مجرد تنظيمات هيمنة أقرب للتآمر العمدي منها للمساعدة القاصرة -لكن- حسنة النية ما تدعمه ملاحظة آرنست فولف من منح الصندوق قروضًا عالية المخاطر لبلدان يعلم جيدًا مدى سوء أوضاعها المالية والاقتصادية وعدم قدرتها المزمنة على سداد التزاماتها ليس عن دوافع خيرية بالتأكيد، بل لاستدراجها لفخ المديونية؛ لتمكين الرأسمالية المالية الدولية من الحصول على تنازلات منها ما كانت ستقدمها أبدًا في الظروف العادية وما بيع مصر المتصاعد لأصولها المالية وأراضيها الوطنية سوى أحد تجليات هذه الممارسات التقليدية للصندوق، الذي كان يصل لحد التنازل عن قروضه لهذه البلدان إذا ما ضمن التزامها باشتراطاته على أصعدة السياسات الاقتصادية -وغير الاقتصادية- المختلفة.
لا عجب مع هذه الحلقة المفرغة من استمرار وتكرار الأزمات رغم البرامج المتتالية التي عقدتها مصر مع الصندوق خلال عقد واحد حتى إن مجلة الإيكونوميست البريطانية قد سجَّلت في خلاصة تقرير لها عن الاقتصاد المصري أوائل العام الماضي 2023، أن مصر عادت لتقف حيثما كانت عام 2016 عندما توصلت لاتفاق مع صندوق النقد بمبلغ 12 مليار دولار وبعدما طبقت بعض الإصلاحات النقدية كتعويم العملة والمالية كخفض الدعم وتطبيق ضريبة القيمة المضافة وغيرها من إجراءات فيما تجاهلت -بالطبع- التغييرات الهيكلية الضرورية لجعل الاقتصاد أكثر تنافسية وجدت نفسها أوائل عام 2022 تعود إلى نفس وضع الأزمة ونضوب الاحتياطيات الأجنبية واضطراب سعر الصرف وغيره مع هروب الأموال الساخنة التي كان قدومها -بأسعار فائدة مرتفعة- أحد “نجاحات” برنامج صندوق النقد في جعل الاقتصاد أكثر جاذبية للاستثمار الأجنبي والتي كانت تتفاخر بها الحكومة كإنجاز يدل على ارتفاع درجة الثقة بالاقتصاد المصري.
أما جوهر الأمر على مستوى منطق البرامج نفسها فهو تضمن التطبيق الفعلي لبرامج الصندوق في السياقات العالمثالثية لخليط نقدي متفجر يجعلها برامج للتأزم النقدي والمالي المتزايدين؛ ومن ثم اللجوء المتكرر له بقروض وشروط جديدة بما يعزز حالة الحلقة الخبيثة للمديونية والمفرغة لخفض العملة ورفع أسعار الفائدة والضرائب وتحرير الأسعار وخفض الدعم وبيع الأصول الوطنية ..إلخ.
ويبدأ هذا الخليط من “الثلاثية المستحيلة” الشهيرة التي يفرضها الإجبار على تحرير حركة رؤوس الأموال (كأحد أركان الأيديولوجية النيوليبرالية وهيمنة رأس المال المالي العالمية التي يقودها صندوق النقد الدولي) حيث لا يمكن الجمع بينه وبين سعر صرف مستقر وسياسة نقدية مستقلة في ذات الوقت بل يشترط الأمر التضحية بأحد الثلاثة لأجل الاثنين الآخرين.
وهكذا فمع تثبيت حرية حركة رأس المال وحتمية حفاظ البلد على نطاق معين على الأقل لسعر الصرف لما لذلك من ضرورة لاستقرار المعاملات وجذب الاستثمارات…إلخ فإنها تضطر للتضحية باستقلال سياستها النقدية والإبقاء على أسعار فائدتها المحلية مرتفعة لجذب رؤوس الأموال أو على الأقل منعها من الخروج من البلد؛ ما تكون نتيجته ليس فقط تثبيط الاستثمار الإنتاجي نتيجة ارتفاع تكلفة رأس المال، بل كذلك جذب الأموال الساخنة التي ترفع درجة الهشاشة الاقتصادية للبلد بتحركاتها وتقلباتها السريعة مع محدودية فائدتها الاقتصادية كاستثمار غير إنتاجي الطابع بالأساس.
من جهة أخرى تجبر تدفقات النقد الأجنبي هذه الحكومة على إصدار نقد محلي مقابلها ما يزيد المعروض من السيولة المحلية ويرفع معدلات التضخم التي تسهم بدورها في إضعاف تنافسية الاقتصاد وقدرته التصديرية كما تخلق حال ضخامتها كما حدث مع موجات المساعدات والقروض الضخمة طوال العقد الأخير، بعض أعراض المرض الهولندي من تشوه الأسعار النسبية وتخصيص الاستثمارات وتقلص التصنيع وتعطل الطاقات الإنتاجية وانكماش نشاط القطاع الخاص بما يفاقم بمجموعه مشكلة العجز التجاري والخارجي ويعقِّد إمكانات معالجتها، المستهدفة ببرامج الصندوق ابتداء بل ويضيِّع في النهاية، نتاجًا لكل ما سبق، خصوصًا ارتفاع التضخم، المزايا القليلة لخفض العملة السابق؛ برفعه سعر الصرف الفعلي الحقيقي فتعود البلد إلى وضع يتطلب برنامجًا جديدًا مع صندوق النقد بخفض جديد لسعر الصرف الاسمي وبمزيد من خفض للإنفاق الاجتماعي وبيع لمزيد من الأصول؛ لمعالجة أوضاع عدم التوازن الخارجي والداخلي.
رباط غير مقدس: انهيار العملة وبخس الأصول
في هذه الحلقة الخبيثة من المديونية المتزايدة وخفض سعر الصرف وبيع الأصول المستثمرين يتبدى رباط غير مقدس جوهره ما يؤدي إليه الخفض المستمر للعملة الوطنية من بخس متزايد لقيم الأصول المحلية (وحتى قيمة قوة العمل والإنسان بعمومه لكنه ليس موضوعنا هنا على أية حال) ومن ثم جعلها أرخص للأجانب حائزي العملات الأكثر قوة التي تضاعفت قوتها الشرائية داخل الاقتصاد المحلي بين ليلة وضحاها؛ لا عجب في إلحاح الصندوق المتكرر على التعويم الكامل للجنيه دون أي قيود رغم إقراره في إصدارات سابقة له هو نفسه -في صحوة ضمير استثنائية على ما يبدو- بصعوبة وعدم توافر مقومات وشروط التعويم الكامل في، وخطورته على، الاقتصادات النامية أو بالأحرى أغلب اقتصادات العالم بل وذكر مصر على وجه التحديد كإحدى حالات التراجع الاضطراري عنه عام 2003 عندما كانت في وضع أفضل كثيرًا مما هي عليه اليوم.
هذا الرباط هو مما يسهِّل الهيمنة الخارجية على الاقتصاد الوطني بأقل التكاليف وأيسر الأعباء كما يزيد من القناعة بعدم براءة برامج صندوق النقد الذي يقود الضغوط على مصر لبيع الأصول وتصفية أي دور اقتصادي للدولة (الذي ليس كله شرًّا كما يُصوَّر الأمر بالأدبيات الليبرالية) كجزء من برامجه النيوليبرالية التي لا تبالي بالاستقلال الاقتصادي، بل تعمد في حقيقة الأمر لانتهاكه بكل السبل لأجل تعميم وتعميق هيمنة رؤوس الأموال السائلة والجائلة حول العالم على الاقتصادات المختلفة بما يعمِّق تبعيتها ويسهِّل نزح فوائض القيمة منها إلى المراكز الرأسمالية كما هو مقدر ومقرر خصوصًا للبلدان الطرفية -كمصر- في النظام العالمي.
وبالطبع ليس أفضل ولا أقرب في الحالة المصرية من رؤوس الأموال الخليجية التي تتداخل في حركتها بمصر الاعتبارات السياسية كما الدوافع الاقتصادية فضلًا عن الجوانب الإستراتيجية من أواصر أخوة ووحدة مصير بمعنييها الإيجابي (المصالح الإقليمية لشعب عربي واحد موزع بين وحدات سياسية مختلفة) والسلبي (كتحالف استقرار استبدادي بين الأنظمة العربية المحافظة) وإن ظل التحفظ قائمًا على الميل الاحتكاري نتاج تركز أغلب تلك الاستثمارات ما بين دولتين فقط، الإمارات والسعودية الأمر الذي لا ينفصل عن الطبيعة المسيسة لهذه الاستثمارات، وخلفية بعضها كودائع لم تستطع مصر ردها في وقتها ومن ثم خطورتها على القرارين الاقتصادي والسياسي المصري، فضلًا عن عدم استدامتها أو استقرارها بارتفاع المكون السياسي في منطق تحركاتها وبنية قراراتها.
ومن الجدير بالذكر أنه لا يُستبعد استغلال بعض الجهات والفئات المصرية النافذة لهذه الفرص الاستثنائية بالمشاركة غير العلنية عبر واجهات ظاهرية وشراكات خفية في شراء هذه الأصول الثمينة في ظل ستار السرية وعدم الشفافية المضروب على أغلب صفقات البيع بما يتضمنه ذلك من تضارب مصالح وأبواب إضافية للفساد ربما تجاوزت ما شاب صفقات الخصخصة القديمة فترة مبارك والأسوأ بما يشمله من جعل بعض القوى والفئات المحلية النافذة شريكًا أصيلًا، وحليفًا للقوى الخارجية ذا مصلحة مباشرة في استمرار هذا الرباط غير المقدس للاستفادة مما يتيجه من فرص تحويل الأصول العامة المملوكة للشعب إلى ثروات خاصة بأبخس الأثمان.
الاقتصاديات غير الرشيدة لبيع الأصول: موارد مالية عابرة مقابل رهن مقدرات إستراتيجي
على صعيد المكاسب والخسائر من بيع الأصول لا يبدو الأمر مبشرًا ولا منطقيًّا، فمبنطق تنموي بحت وبعيدًا عن أي مواقف أيديولوجية ليبرالية كانت أو اشتراكية لا تمتلك الدول العالمثالثية ذات الرأسماليات المتأخرة كمصر رفاهية الاعتماد الحصري على القطاع الخاص في القطاعات الإستراتيجية والصناعات الأكثر ثقلًا وتقدمًا فنيًّا خصوصًا فهذا لم يحدث حتى في أعتى الرأسماليات الغربية في بواكير نشوئها بل كانت الدولة دومًا داعمًا مهمًّا ومشاركًا مباشرًا في دعم صناعاتها الناشئة، حتى في أكثر أشكالها ليبرالية ويزداد الأمر أهمية في السياق التاريخي الحالي حيث يحتاج الاقتصاد الوطني لدور قوي للدولة لإرساء رؤوسه القطاعية الإستراتيجية لضمان صموده في وجه المنافسة العالمية الحادة.
ولضمان حدٍّ أدنى من أساسيات إعادة إنتاج الاقتصاد الوطني، حتى يشتد عوده ويكون قادرًا على إنتاج السلع الإستراتيجية الضرورية لهذا الغرض، ولا يغير من هذه الحقيقة الانحرافات المؤسسية التي تعانيها مصر حاليًّا من تغول البيروقراطية على الاقتصاد بكافة أشكال المحاسيبية والريعية والفساد؛ فهذا انحراف عابر يمكن -ويجب حتمًا- مواجهته ومعالجته، لكن قيادة الدولة لبعض القطاعات الإستراتيجية لاقتصادها الذي لا يزال عاجزًا -بقطاعه الخاص الضعيف القائم- عن التطور والنمو المستقل تمثل حتمية لا مفر منها.
وهكذا فبيع هذه الأصول الإستراتيجية خصوصًا الشركات المهمة في قطاعات أساسية كالأسمدة والمعادن وما شابه، ناهيك عن خسارة أرباحها التي ستُحوَّل إلى الخارج، يمثل خسارة نوعية للبلد من جهة انتقال الهيمنة على حصص مهمة من هذه القطاعات الإستراتيجية إلى أيد أجنبية ستكون أولويتها الربحية الضيقة أسبق من المصلحة الاقتصادية الوطنية حتى في أوقات الأزمات فضلًا عن ضررها المحتمل -بتأثيرها في القرارات- على القطاعات والفئات ذات العلاقات والتشابكات الأمامية والخلفية معها ويصبح الأمر أخطر بكثير عندما ينتقل من نطاق الشركات المهمة إلى المرافق الإستراتيجية كالموانئ والمطارات وما شابه.
هذا على صعيد الخسائر التي نراها كلها خسائر إستراتيجية مستمرة كما هو واضح أما على صعيد المكاسب فكلها لا تعدو بعض الموارد المالية العاجلة لمرة واحدة ستتبخر في الثقب الأسود للمالية العامة المصرية بديونها وإنفاقها الجاري وحتى مشروعاتها القومية شأنها شأن تريليونات الجنيهات ومليارات الدولارات التي استنزفتها الحكومة المصرية في العقد الأخير وحده منهية إياه بكشف حساب سلبي -رغم ذلك- من تضاعف للديون والضرائب والأسعار وانخفاض للدعم والإنفاق الاجتماعي وسعر الصرف مع أزمة اقتصادية متزايدة الحدة؛ وهكذا فذروة انعدام المنطق هي استخدام بيع الأصول كآلية لتوليد موارد مالية للإنفاق الجاري وسداد الدين العام لمجرد شراء بعض الوقت لتأجيل الأزمة.
لهذا لا توحي مقارنة مكاسب بيع الأصول بخسائرها بأية رشادة بل إن التعاطي بكلمات كالرشادة والجدوى في هذا السياق ليس سوى حسن نية يبلغ مرتبة البلاهة فحتى بالاكتفاء بحسابات المكاسب والخسائر الكمية البحتة لا يعقل -على سبيل المثال لا الحصر- أن مبلغ الـ 25 مليار جنيه أو أقل من نصف مليار دولار عوائد سنوية مستهدفة من بيع الأصول المملوكة للدولة المعلن عنها ببرنامج “لجنة تصفية الأصول” يمكن أن يسهم بأي شكل معنوي في خفض الدين العام لدولة يعادل دينها العام المحلي وحده 6.86 تريليونات جنيه في الربع الأول من العام الماضي 2023 وبلغت موازنتها العامة الأخيرة للعام المالي 2024/2025 حوالي 6.4 تريليونات جنيه أو ما يعادل 135.39 مليار دولار وعليها التزامات بديون خارجية تجاوز الـ 150 مليار دولار (بعد الانخفاضات الكبيرة الأخيرة بأكثر من 14 مليار دولار) فتفاهة المبلغ المذكور مقارنة بالهدف المعلن تؤكد أن عوائد بيع الأصول وخفض الدين العام بالطبع، ليست الأهداف الحقيقية هنا بل نقل ملكية الأصول نفسها ما يعيدنا إلى فرضية سوء النية والفئات المستفيدة سالفة الذكر.
وبشكل ما يشبه الأمر جرعات الخصخصة السابقة التي جرى فيها تعمد دفع أغلب شركات القطاع العام للخسارة تبريرًا لبيعها ثم بيع أفضل الشركات وأكثرها ربحية عند التنفيذ. الفارق هذه المرة: أولًا: أن المبررات لا علاقة لها بأداء الأصول نفسها على الإطلاق بل لعلاج أزمات تسببت بها سياسات الحكومة نفسها.
وثانيًا: والذي يفسر أولا الفضفاضية غير المحدودة في تعريف الأصول بدرجة تكاد تتسع لتشمل كل شيء تقريبًا حتى الموانئ والمطارات والمعالم الآثرية بل وصل الأمر بالكثيرين إلى القلق بشأن قناة السويس نفسها وهو القلق المشروع بالنظر لحجم الديون الخارجية والأعباء المالية التي لن تحلها سوى صفقات أصول بنفس مقياس رأس الحكمة أو ما يقاربها الأمر الذي يفسر تلك الفضفاضية في تحديد مفهوم الأصول.
“لقاء اللئام” بين صندوق النقد ورأسماليات المحاسيب العالمية
بجمع أطراف الصورة نجد أن بيع الأصول ليس سوى الحلقة الأخيرة في مسلسلين متكاملين يمثلان مستويين متراتبين وزوايتين مختلفين للواقع الاقتصادي المصري هما:
أولًا: في مستوى الاقتصاد البحت: تتجلى أزمة الاقتصاد المصري التنموية كاقتصاد متخلف تصنيعيًّا ومتضخم خدميًّا ومنحرف ريعيًّا ومن ثم عاجز عن التصدير ويعاني من عجز تجاري ومالي مزمن؛ يتعزز بسوء إدارة مالية واقتصادية، تؤدي مجتمعة لتأزم مالي واختلال خارجي مستمر يجبر البلد حاليًّا على قبول اشتراطات الدائنين بقيادة صندوق النقد، والتخلي عن بعض أصوله لسداد جزء من ديونه، ضمن برنامج أشمل لتحرير -أو بالأحرى استتباع- الاقتصاد.
ثانيًا: في مستوى الاقتصاد السياسي: يتجلى “لقاء اللئام” ما بين رأس المال المالي مجسَّدًا في صندوق النقد الدولي ومن ورائه الدائنون ومستثمرو الأزمات من ناحية ومنظومة المحاسيبية البيروقراطية المصرية من ناحية أخرى بأنماط تراكمهما المختلفة، الأمولة الرأسمالية والتراكم البدائي ليجتمعا سويًّا -كل بطريقته- على استخلاص مكامن الثروة من البلد الفريسة محدودة منافذ التراكم (للأسباب الهيكلية المتجذزة في المستوى الأول) فبينما تستغل الثانية المالية العامة للدولة والقروض الخارجية لتوليد الريوع وتحويل الموارد العامة إلى مكاسب خاصة لدوائر المحاسيبية عبر قناة المشروعات القومية محدودة الجدوى ضمن نموذج تنمو-سياسي.
يأتي الأول على وقع وأثر الأزمات الناتجة عن ذلك النمط غير المستدام لفرض إملاءات تعمِّق الهيمنة المالية وتسهل الاستيلاء المباشر على مفاصل ومقدرات الاقتصاد وما الإجبار على بيع أصول البلد الثمينة بأبخس الأثمان سوى أحد وجوه وقنوات نقل الثروة الوطنية إلى رعاته وأتباعه بفائض قيمة -كامن- مجز.
ويعني ما سبق أن بيع الأصول ليس فقط بابًا لنهب جانب من الثروة الوطنية والهيمنة الأجنبية على مفاصل الاقتصاد المصري بل هو كذلك، بما يولده من عوائد وسيلة لشراء الوقت لنمط اقتصادي/تنمو-سياسي غير مستدام من الأساس ليستمر لوقت أطول دون تغيير في جوهره أو حلول حقيقية للأزمات بما تدفع ثمنه الأجيال القادمة مرتين مرة بغمطها حقها في تلك الأصول ومرة أخرى باستمرار أضرار ذلك النمط ونهب مستغليه لوقت أطول.
من جهة أخرى على مستوى أكثر قيمية وتجريدًا، تمثل خسارة الأصول هذه -فالأمر بسياقه كسداد ديون أقرب لخسارة رهن لا بيع حقيقي- درسًا تاريخيًّا عمليًّا لمصر، حكومة وشعبًا وبالطبع “حكومة” قبل “شعبًا”، في أهمية احترام المنطق العلمي ودراسات الجدوى، فمخالفة أصول الاقتصاد النظرية تؤدي بك إلى خسارة أصوله الحقيقية.
المصدر: https://2h.ae/KUrh
الاقتصـــاد المصــري في عهد السيــسي إلى أين ؟
لا يسآم النظام المصري من الاقتراض ولا يتراجع عن تبني استراتيجية البيع من أجل السداد أصبح معتادا في الاخبار الحديث عن صفقات البيع للأصول والمشروعات كحل سحري لابد منه لسداد الاقساط وتلبية الاحتياجات في الوقت التي تعد فيه المساعي الحكومية في عقد صفقات الاستدانة الجديدة من أهم المنجزات.
ولايمل رئيس النظام عبد الفتاح السيسي في المناسبات الوطنية والاجتماعية من معايرة المواطنين بالفقر والعوز وتحميلهم المسؤولية عما آلت إليه الأحوال البلاد وآخرها الحديث عن حالة “الزنقة” الضرورية من أجل العبور الجديد بمائة مليون مواطن في دولة “الأي حاجة” من “الفقراء أوي” إلى مستقبل يليق بـ”أم الدنيا” في معركة لكي تصبح أد الدنيا حتى وإن خابت توقعات أكثر المتفائلين عن ظلم تظهر بعد ملامحه.
زنقة السيسي:
وفي افتتاح موسم مشروع حصاد “مستقبل مصر” الذي تنفذه المؤسسة العسكرية قال السيسي: إن “أزمة نقص الدولار في مصر كانت وما زالت تمثل تحدياً للدولة وحلها هو جعل الإنتاج المحلي ضخماً جداً حتى يغطي احتياجات المواطنين من السلع الأساسية وتصدير الفائض منها إلى الخارج مستطرداً بقوله: “أنا زنقت (ضيقت على) نفسي وزنقت الحكومة معي في مصروفات ضخمة من أجل بناء الدولة ولم يكن أمامي حل آخر” على حد تعبيره.
وتواجه مصر تحديات مالية حيث يتعين عليها دفع أكثر من 97 مليار دولار لخدمة الدين الخارجي (فوائد دين وأقساط) وهو الرقم الذي يُعتبر تاريخيًا وغير مسبوق في تاريخ مصر حيث ارتفعت مدفوعات الدين الخارجي المستحقة بنسبة 5.4% بين 2024 و2027، نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة وأقساط القروض.
وقفز الدين الخارجي لمصر بنهاية عام 2023 إلى نحو 168.034 مليار دولار مقابل 164.522 مليار دولار في الربع المنتهي في أيلول/ سبتمبر الماضي بزيادة بلغت 3.51 مليار دولار وفقاً لبيانات البنك المركزي المصري.
رأس جميلة سعودية:
في مطلع العام الجاري كان استحواذ دولة الإمارات العربية على صفقة رأس الحكمة الواقعة على ساحل البحر المتوسط شمال غربي البلاد بقيمة وصلت 35 مليار دولار وقبل أيام قدمت المملكة السعودية عرضًا للحكومة المصرية للتنازل عن ودائعها في البنك المركزي المصري مقابل استحواذها على عدد من الشركات الحكومية وإتمام صفقة “رأس جميلة”.
ووفقًا لتقارير صحفية تتنازل الرياض عن ودائع السعودية بقيمة 10.3 مليار دولار في البنك المركزي المصري حيث تمتلك الرياض قرابة 5.3 مليار دولار تتنوع بين ودائع متوسطة وطويلة الأجل اضافة إلى 5 مليارات دولار أخرى في صورة ودائع قصيرة الأجل.
وتقع منطقة رأس جميلة التي تتضمنها الصفقة الجديدة على ساحل البحر الأحمر، وتمتد على مساحة تبلغ نحو 860 ألف متر مربع بمدينة شرم الشيخ الواقعة في نطاق محافظة جنوب سيناء.
وتتميز المنطقة بقربها من مطار شرم الشيخ الدولي وتعد من أفضل الشواطئ بمناظرها الخلابة والطبيعية كما تحتوي مياهها على أندر الشعاب المرجانية على طول البحرالأحمر وهي منطقة مناسبة ايضا لإقامة فنادق سياحية جذابة نظرًا لتمتعها بما تتطلبه العوامل البيئية القياسية وكذا الإطلالات الطبيعية..
ومن المقرر أن ينفذ المشروع من خلال شراكة مصرية سعودية وفي مقابل ذلك، ويتضمن الاستثمار في المنطقة شرط ضخ سيولة بالدولار الأمريكي من جانب مستثمري المملكة مباشرة للبنوك المصرية.
على أن تقدم الحكومة المصرية للمستثمرين التيسيرات المطلوبة عبر تهيئة البنية التحتية وانشاء الطرق المؤدية للمنطقة.
البيع هو الحل:
وفي آذار/مارس الماضي أقر مجلس الوزراء السعودي مذكرة تفاهم بين وزارة المالية السعودية ووزارة المالية المصرية لإقامة حوار مالي رفيع المستوى. يهدف هذا الحوار إلى استكشاف فرص استثمارية كبرى تحقق مستهدفات الدولة في مجال التنمية.
وتسعي الحكومة المصرية إلى البحث عن مخرج من أزمة الديون للتخفيف من وطأة الأقساط والفوائد الموجودة خلال الفترة القادمة وهو تحسن لحظي حيث تظل الأزمة قائمة دون طرح حلول جذرية حيث تحتاج مصر إلى مشروعات إنتاجية في الزراعة والصناعة والتكنولوجيا وليس مشروعات سياحية والاستيلاء على أصول رأس مالية قائمة وشهد مشروع الموازنة العامة لعام 2024-2025 قفز فوائد الديون إلى أكثر من تريليون جنيه مصري.
خطة معيط:
وعلى هامش مشاركته في أعمال مؤتمر صنع السياسة الاقتصادية المنعقد في القاهرة بمايو الماضي قال وزير المالية المصري وقتها محمد معيط :” إن مصر قد بدأت في مرحلة تصحيحية لاقتصادها للتغلب على التأثيرات السلبية الشديدة للتحديات الداخلية والخارجية وتقليل المخاطر المحتملة. في ظل تزايد تأثيرات الحروب في أوكرانيا وغزة وغيرها من عوامل عدم الاستقرار في الشرق الأوسط بما في ذلك الاضطرابات في منطقة البحر الأحمر.
وأوضح أن إدارة المالية العامة للدولة تتم في ظروف صعبة مع التساؤل حول مستقبل الأزمات العالمية والإقليمية.
وبالتالي نعمل بسياسات مرنة ومتوازنة ومتكاملة ومتسقة ونتحلى بالحذر الشديد في مواجهة حالة “عدم اليقين” والتقلبات الأكثر اضطرابًا. نعتمد بشدة على القطاع الخاص في تحقيق النمو المستدام للاقتصاد المصري، بما يتماشى مع النمو السكاني المتزايد والحاجة المتزايدة لتضاعف الجهود لتلبية احتياجات المواطنين في جميع القطاعات التنموية.
وذكر أن “هناك تقديرات بتراجع عوائد قناة السويس بنحو 60% بسبب التوترات بمنطقة البحر الأحمر وفي المقابل تتزايد المصروفات العامة”.
واعتبر أن أزمة الملاحة في البحر الأحمر إلى جانب تباطؤ النشاط الاقتصادي وتراجع حركة التجارة والسياسات التقييدية المتبعة للتعامل مع الآثار التضخمية للأزمات العالمية تؤثر سلباً على الإيرادات الضريبية وغير الضريبية لمصر.
المصدر: https://2h.ae/aNNc