موانئ مصر في المزاد والمشتري دائمًا إماراتي

2156303

لماذا يقلق المصريون؟

ما أن تُذكر الإمارات في جملة اقتصادية مفيدة إلا ويتحسس المصريون جيوبهم، وربما أمنهم، إذ اقترن حضورها – رغم العلاقات القوية التي تجمعها بالنظام المصري- بالريبة والشك فيما تكنه من نوايا غير مٌعلنة، لا تسيئ فقط للأجيال الحالية لكنها تجرد الدولة المصرية من ثقلها الإقليمي وتستنزف مواردها وتسلب منها ثرواتها، واحدة تلو الأخرى.

ويستند هذا القلق على قائمة مطولة من التجارب التي عبثت فيها أبو ظبي بالأمن القومي المصري، وغردت منفردة بعيدة عن أي مقاربات تمس الأمن والسيادة المصرية، تارة في اليمن، وثانية في إثيوبيا، وثالثة في السودان، ورابعة في القرن الأفريقي، وخامسة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فيما لايزال القوس مفتوحًا.

صبيحة الأحد 4 مايو/أيار الجاري استيقظ المصريون على إعلان الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس عن توقيع اتفاقية مع مجموعة “موانئ أبوظبي الدولية” لتطوير منطقة “كيزاد شرق بورسعيد” من أجل استقطاب الاستثمارات في مجالات معينة والاستفادة من قرب المنطقة الصناعية من ميناء شرق بورسعيد.

الاتفاقية وإن لم يتم الكشف عن كافة تفاصيلها إلا أن المعلن منها جاء صادمًا للشارع المصري، إذ تمنح الشركة الإماراتية حق الانتفاع من تطوير تلك المنطقة اللوجستية على قناة السويس لمدة 50 عامًا، قابلة للتجديد، مقابل حصول الهيئة على 15% من إيرادات المشروع، وهو ما أثار قلق المصريين الذين عبروا عن تخوفاتهم ورفضهم لتلك الصفقة على منصات التواصل الاجتماعي.

وتثير شركة موانئ دبي العالمية الإماراتية (تدير ما يقرب من 78 ميناءً بحريًا في نحو 40 دولة) التابعة لصندوق أبو ظبي السيادي بنشاطها المتصاعد في السوق المصري الكثير من الجدل بسبب مساعيها التي لا تتوقف للسيطرة على الموانئ المصرية وتفريغ الدولة المصرية من مواردها اللوجستية.. فماذا يريد الإماراتيون؟ ومما يتخوف المصريون؟

انتفاع 50 عامًا و15% من الأرباح.. تفاصيل الاتفاقية

من المقرر أن يُقام المشروع المزعوم على ثلث مساحة المنطقة الصناعية لشرق بورسعيد التابعة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس والمقدرة بنحو 20 كيلو مترًا، حسبما كشف رئيس المنطقة الصناعية وليد جمال الدين الذي أوضح أن العقد عبارة عن حق انتفاع لمدة 50 عامًا، مشيرًا إلى أن “مجموعة موانئ أبو ظبي ستعمل كمطور صناعي على تجهيز البنية التحتية للمنطقة من أجل استقطاب الاستثمارات في مجالات معينة والاستفادة من قرب المنطقة الصناعية من ميناء شرق بورسعيد”.

وأضاف جمال الدين خلال مداخلة هاتفية لبرنامج “كلمة أخيرة” المذاع عبر فضائية “ON” مساء الأحد 4 مايو/أيار الجاري أن الجانب الإماراتي سيدفع كامل التكلفة الخاصة بالبنية الداخلية للمنطقة، قائلًا إن “الرقم المطلوب لترفيق المنطقة يتراوح ما بين مليار إلى 2 مليار دولار”.

كما أن كافة الالتزامات التعاقدية الخاصة بالمستثمرين ستكون على عاتق شركة موانئ أبو ظبي التي ستتولى إقامة المرافق كما أن الاستثمارات ستستفيد من الحوافز الضريبية المباشرة وغير المباشرة والاتفاقيات الدولية، لتلبية احتياجات السوق المحلي، بحسب رئيس المنطقة الصناعية الذي أشار إلى أن مصر وفق هذا العقد ستحصل على نسبة 15% من إيراد الشركة الإماراتية، متوقعًا أن تجذب المنطقة استثمارات بالمليارات، مؤكدًا أن هناك اهتمامًا من الجانب الإماراتي ببعض الأرصفة في ميناء شرق بورسعيد، الأمر الذي يحقق نوعًا من التكامل والتناغم والاستفادة بشكل مباشر.

أبو ظبي والموانئ المصرية.. علاقة مثيرة للجدل

تمتد العلاقة المثيرة للجدل بين الإمارات والموانئ المصرية لأكثر من 17 عامًا فمن بين 16 ميناء مدنيًا تمتلكهم مصر هناك حضور إماراتي نافذ وبقوة في 7 منهم على الأقل عبر مجموعة “موانئ أبو ظبي الدولية” وشركة “موانئ دبي” أي أن قرابة 44% من الموانئ المصرية الممتدة من البحر الأبيض المتوسط شمالا إلى البحر الأحمر شرقًا مُخترقة إماراتيًا بجانب المناطق اللوجستية الأخرى التي لا تقل أهمية عن الموانئ البحرية.

ميناء السخنة.. أول تلك الموانئ هو ميناء السخنة المطل على الساحل الغربي لخليج السويس بالبحر الأحمر، وهو أحد البوابات الهامة التي تربط مصر بالخليج وبلدان أسيا وهو لا يقل أهمية عن ميناء “جبل علي” الإماراتي من حيث الأهمية اللوجستية نظرًا لموقعه الاستراتيجي الهام وتديره موانئ دبي منذ عام 2008 وفق اتفاق أبرم في ذلك العام.

ميناء أبو قير.. في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2021 وقعت الحكومة المصرية مع شركة “اعتماد القابضة” الإماراتية التابعة لجهاز أبو ظبى للاستثمار، عقد شراكة بشأن المشاركة في تدشين “مدينة أبو قير الجديدة” (شمال) المطلة على ميناء أبوقير بالإسكندرية، باستثمارات تتجاوز 12 مليار جنيه، وهو ما يعادل 807 ملايين دولار.

ويشرف على المشروع بعض الشركات والهيئات، تحت قيادة شركة “اعتماد القابضة” الإماراتية الممول الرئيسي للمشروع، مع بعض المؤسسات الأخرى بعضها يمثل القطاع العام المصري كوزارة الإسكان والمرافق العمرانية، والآخر القطاع الخاص ويمثله 4 شركات، ثم 3 شركات أجنبية أخرى متخصصة في أعمال الحفر والردم والتشييد وهي:

  • شركة “هيل إنترناشونال”
  • وشركة “WATG” الأمريكية وشركة “Van Oord” الهولندية.

ميناء سفاجا.. في مارس/أذار 2023 نجحت موانئ أبو ظبي في الحصول على اتفاقية امتياز لتطوير ميناء سفاجا الواقع على البحر الأحمر لمدة 30 سنة، وتضمن الاتفاق وقتها التزام مصر بتحويل أرباح المجموعة للخارج بالدولار حتى لا تتأثر المجموعة بتغييرات سعر الصرف في مصر.

مينائي العريش وغرب بورسعيد.. في عام 2023 وقعت الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس اتفاقيتين مع موانئ أبو ظبي لإنشاء محطتين لمناولة الأسمنت في ميناء العريش وميناء غرب بورسعيد تمتدان لمدة 15 سنة وذلك باستثمارات تصل إلى مليار جنيه (حوالي 33 مليون دولار أمريكي وفق سعر الصرف حينها).

ميناء شرم الشيخ.. في يونيو/حزيران 2024 أعلن رئيس المنطقة الاقتصادية لقناة السويس وجود مفاوضات بشأن استثمارات إماراتية في ميناء الأدبية الواقع على خليج السويس، وفي ذلك الوقت أبرمت الهيئة 3 اتفاقيات مبدئية لتطوير 3 محطات بحرية في ميناء العين السخنة واتنين مع الهيئة العامة لموانئ البحر الأحمر لتطوير محطة للسفن السياحية في ميناء الغردقة ومحطة في ميناء شرم الشيخ.

ميناء الإسكندرية.. في يناير/كانون الثاني الماضي، وقعت موانئ أبو ظبي ووزارة النقل المصرية مذكرة تفاهم أولية حول إنشاء منطقة لوجستية في ميناء الإسكندرية.

هذا بخلاف ما يثار حول احتمالية إنشاء ميناء ضمن مشروع رأس الحكمة في البحر المتوسط، والذي يستحوذ عليه صندوق أبو ظبي السيادي، بحسب الصفقة التاريخية التي بلغت 35 مليار دولار والمُبرمة في فبراير/شباط 2024.

الاستحواذ الإماراتي لم يقتصر على الموانئ وفقط، بل ذهب إلى خدمات النقل والحاويات حيث استحوذت موانئ أبو ظبي في سبتمبر/أيلول 2022 على حصة أغلبية في الشركة التابعة الدولية لنقل البضائع بما يشمل شركتي ترانسمار وترانسكارجو والمسؤولين عن تشغيل خط حاويات يعمل في مناطق الشرق الأوسط والبحر الأحمر والخليج العربي والساحل الشرقي للقارة الأفريقية.

بذلك تستحوذ الإمارات على 5 موانئ رئيسية على البحر الأحمر (السخنة والغردقة وسفاجا وشرم الشيخ والعريش) وثلاثة على البحر الأحمر (أبو قير والإسكندرية وأخر محتمل في رأس الحكمة) هذا بخلاف مساعيها للسيطرة على قناة السويس عبر الهيمنة على المناطق اللوجستية في بورسعيد.

لماذا الإمارات.. ألم تكن تجربة “السخنة” كافية؟

الإصرار على منح الإمارات على وجه التحديد كل هذا النفوذ داخل الموانئ المصرية مسألة مثيرة للجدل لدى قطاع كبير من المراقبين والمتابعين خاصة وأن التجربة الإماراتية في هذا المجال والممتدة لأكثر من 17 عامًا لم يُكتب لها النجاح والسوابق ليست على المستوى المطلوب ولا تصب مطلقًا في صالح التحفيز والتشجيع على استمرار تلك العلاقة المثيرة للريبة.

وللوقوف على حقيقة هذا الأمر يرجع المصريون بالذاكرة إلى عام 2008 حيث الدخول الأول للشركات الإماراتية مجال الموانئ المصرية عندما استحوذت هيئة موانئ دبي على 90% تقريبًا من شركة تطوير ميناء السخنة التي تشغل الحوض الأول والثاني للميناء، مقابل 670 مليون دولار أمريكي حينها.

بحسب العقد المبرم كان على الشركة الإماراتية إنشاء رصيف بحري بطول 1300 متر لاستيعاب 1.2 مليون حاوية سنويًا بحلول عام 2009 وهو مالم يتحقق بالمرة، وظل الأمر على تلك الشاكلة حتى عام 2021 أي بعد 12 عامًا تقريبًا من المهلة المحددة لإنشاء الرصيف وفق الاتفاق.

الغريب أنه ورغم عدم وفاء الشركة الإماراتية بالتزاماتها وقعت معها الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس عقد شراكة جديد في 2017، لإنشاء شركة تستهدف تنمية وتطوير مساحة 95 كيلو متر مربع بمنطقة العين السخنة تشمل منطقة صناعية وسكنية وتطوير ميناء السخنة بمساحة 22 كيلو متر مربع.

حتى مع إبرام تلك الشراكة لم تلتزم الإمارات بها نصًا، ليتأخر تدشين تلك الشركة الجديدة لمدة 5 سنوات حيث لم تخرج للنور سوى في أغسطس/أب 2022 مع توقيع “موانئ دبي” عقدًا أخر لتطوير منطقة خدمات لوجستية بـ”السخنة” بتكلفة 80 مليون دولار وكان يفترض بداية المرحلة الأولى من هذا المشروع نهاية 2023 لكنه وحتى فبراير/شباط العام الحالي لم يُنفذ سوى 65% فقط من أعمال المشروع.

ورغم التأخير والتلكؤ والتعطيل الذي أبدته موانئ دبي في تعاطيها مع مشروع تطوير ميناء العين السخنة الذي يعده البعض شريانا هامًا للاقتصاد المصري وأحد الثروات التي من الممكن أن تضع الدولة المصرية على خارطة الاقتصاد الملاحي البحري، إلا أن ذلك لم يلفت نظر السلطة المصرية التي لم تجد أي مشكلة على الإطلاق في منح الشركات الإمارات المزيد من الاتفاقيات وعقود الشراكة الخاصة بالموانئ البحرية والمناطق اللوجستية في إصرار عده البعض مٌريبًا وغير مفهوم.

عقـــود مٌريبـــة

القراءة الأولية لكافة العقود والاتفاقيات التي أبرمتها الشركات الإماراتية مع الجانب المصري في قطاع الموانئ والمناطق اللوجستية تعمق حالة القلق وتُزيد منسوب الريبة لدى القراء نخبة كانوا أو مواطنين عاديين خاصة من خلال مسارين اثنين:

الأول: إطالة مدة العقد.. فالاتفاق الأخير الموقع مع مجموعة “موانئ أبوظبي الدولية” لتطوير منطقة “كيزاد شرق بورسعيد” يمنح الجانب الإماراتي حق انتفاع لمدى 50 عامًا، وهي المدة ذاتها تقريبًا التي تضمنها عقد “العين السخنة” الموقع عام 2008 والذي منح “موانئ دبي” حق الإدارة والتشغيل حتى عام 2049.

الوضع ذاته مع عقد امتياز وتطوير تشغيل ميناء سفاجا، والذي منح مجموعة “موانئ أبو ظبي” حق الإدارة لمدة 30 عامًا قابلة للتجديد أما العقد المبرم مع ذات المجموعة لإنشاء محطتين في ميناء العريش وميناء غرب بورسعيد لمناولة الأسمنت السائب فتبلغ مدته 15 عامًا.

الثاني: التركيز على الاستحواذ.. في معظم العقود الاستثمارية تكون المشاركة هي عصب الاتفاق أما على المستوى الإماراتي فالوضع مختلف حيث ينصب الاهتمام على الاستحواذ وهو أمر يثير الكثير من المخاوف خاصة في مجال حيوي واستراتيجي مثل الموانئ والمناطق اللوجستية.

ففي عام 2018 أسست هيئة قناة السويس مع تحالف عالمي تقوده شركة الجرافات البحرية الإماراتية، شركة التكريك المصرية – الإماراتية للتكريك والأعمال البحرية حيث أصرت الشركة الإماراتية أن يكون لها حصة استحواذ في تلك الشركة التي يفترض أنها مصرية ونشاطها بأكمله فوق أراض مصرية خالة، حيث استحوذت على 49% من حصة الشركة التي تعمل على  تكريك بحيرتي المنزلة والبردويل، وميناء جرجوب بمحافظة مطروح.

كما استحوذت الإمارات على 32% من حصة شركة الإسكندرية لتداول الحاويات مقابل 186 مليون دولار أمريكي، في أبريل/نيسان 2022 وفي سبتمبر/أيلول من نفس العام استحوذت “موانئ أبوظبي” على 70% من شركتي ترانسمار وترانسكارجو المصريتين، المتخصصتين في أعمال الشحن والتفريغ ونقل الحاويات مقابل 140 مليون دولار أمريكي.

خبراء يشيرون إلى أن الإصرار على الاستحواذ بدلًا من المشاركة والتصنيع مسألة تتعارض بشكل كبير مع الفكر الاستثماري الذي يجب أن يركز على المشاريع أكثر من الاستحواذ والامتلاك وحصد نصيب الأسد في الكثير من الشركات والمؤسسات، وهي إحدى النقاط التي عززت من مخاوف المصريين إزاء التحركات الإماراتية في هذا القطاع تحديدًا.

مما يتخـــوف المصـــريون؟

تتركز مخاوف المصريين من النفوذ الإماراتي في قطاع الموانئ في محورين أساسيين:

الأول: المخاوف الأمنية، إذ أن منح دولة واحدة كل هذا الكم من النفوذ والحضور في قطاع محوري واستراتيجي مثل الموانئ فيه تهديد مباشر وواضح للأمن القومي للدولة، خاصة وإن كانت هناك علامات استفهام عدة حول نشاط تلك الدولة وتحركاتها الإقليمية التي تعبث فيها –بقصد أو دون قصد بالأمن القومي المصري.

فالإمارات التي تهيمن على الموانئ المصرية هي ذاتها الدولة الشريك الأساسي في سد النهضة الذي يهدد الأمن المائي المصري، والحليف الأبرز لقوات الدعم السريع في السودان الذي يهدد خاصرة مصر الجنوبية وأحد أبرز الداعمين لتوسيع النفوذ الإسرائيلي إقليميًا بما يشكل خطورة على الأمن العربي وفي المقدمة منه المصري هذا بخلاف تحركاتها المثيرة في اليمن وليبيا وفي البحر الأحمر والقرن الأفريقي.

وهناك حالة مثيرة للجدل يتم استدعاءها بين الحين والأخر لمن يقلل من خطورة هذا النفوذ الإماراتي في مجال الموانئ تلك التي أثيرت في الولايات المتحدة عام 2006 حين حاولت شركة “موانئ دبي” الاستحواذ على 6 موانئ أمريكية، بأرقام فلكية وقتها، حينها كانت هناك حماسة من قبل الرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش، لكن الكونجرس تصدى لهذا الأمر، وصوّت بـ 62 صوتًا رفضًا لتلك الصفقة مقابل صوتين فقط كانا من المؤيدين.

إن كان هذا التخوف انتاب دولة بحجم وثقل الولايات المتحدة قبل 19 عامًا،  فكيف يكون الحال الآن مع دولة كمصر، مُحاطة بأمواج متلاطمة من التحديات الاقتصادية والسياسية، هذا بخلاف التحديات الأمنية التي تفرضها المستجدات الإقليمية والدولية الأخيرة، حيث التوتر في البحر الأحمر وحالة التجييش العسكري الأمريكي والحرب الاقتصادية مع الصين والاتخاذ من الشرق الأوسط ساحة لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى.

الثاني: المخاوف الاقتصادية.. يرى البعض أنه من غير المنطقي أن تمنح مصر مُنافسها الأول في مجال الموانئ البحرية في العالم إدارة موانئها الخاصة، فكيف تُمنح الإمارات الساعية لتعزيز وترسيخ ميناء جبل علي وتحويله إلى الميناء الأكبر والأول عالميًا، إدارة ميناء العين السخنة والمنطقة اللوجستية في قناة السويس، وهو الميناء الذي يمكنه سحب البساط من تحت الميناء الإماراتي إذا ما أُحسن استغلاله وتوظيفه.

ويشير خبراء الملاحة البحرية إلى أن مشروع منطقة قناة السويس كان من المفترض أن ينافس ميناء جبل علي في الإمارات، وأن سيطرة أبو ظبي عليه يعني وأدها لهذا المشروع وحماية مينائها من أي منافسة إقليمية محتملة، لافتين إلى أن المشروع حين طُرح بداية الأمر كان الهدف منه منافسة الموانئ الإقليمية، وعلى هذا الأساس تم وضع الخطط الإنشائية الخاصة بالمنطقة المحورية واللوجستية لتقديم الخدمات الملاحية العاجلة للسفن العابرة لقناة السويس.

وفي حال تنفيذ تلك المشروعات وفق ما هو مخطط لها فإن ذلك يعني عمليًا كتابة شهادة وفاة ميناء جبل علي الإماراتي، وسحب البساط من كافة الموانئ الإقليمية في ظل الإمكانيات التي تتمتع بها منطقة قناة السويس والتي يمكنها تقديم كافة الخدمات الملاحية للسفن، من تموين وقود وصيانة وأمور أخرى، وعليه فإن منح هذه المشروعات لشركة إماراتية تخطط للهيمنة على موانئ العالم، “موانئ دبي العالمية” هو بمثابة تسليم الحلم المصري للإماراتيين بشكل رسمي.

لم يكن قطاع الموانئ وحده الذي تهيمن عليه الإمارات فقد وضعت يدها على مختلف القطاعات المصرية على رأسها قطاع الصحة والتعليم والمواصلات والتكنولوجيا والتعدين والطاقة وهي التحركات التي تثير قلق الكثير من المصريين الذين يرون أن مثل تلك التحركات المشبوهة تهدد استقلالية القرار المصري وسيادته الوطنية نظير حفنة دولارات لا تساوي مثقال ذرة من الثروات والأوراق التي تتخلى عنها الدولة المصرية لصالح الدولة النفطية الصغيرة ذات الأجندة التوسعية المُريبة التي لا تراعي أي مقاربات عروبية أو أخوية.

المصدر: https://n9.cl/9auwx 

ما خطورة منح أبوظبي إدارة أهم الموانئ المصرية لثلاثة عقود؟

وكان مجلس النواب المصري وافق على مشروع قانون يمنح مجموعة “أبوظبي للموانئ” في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول 2023 والتزام بناء وتطوير وإعادة تسليم محطة متعددة اﻷغراض بميناء سفاجا البحري مع إدارتها وتشغيلها وصيانتها لمدة 30 عاما وذلك عبر شركة “سفاجا لتشغيل المحطات” التي تستحوذ الشركة الإماراتية على النصيب الأكبر بها.

ويشمل اتفاق تطوير ميناء سفاجا استثمارات بنحو 200 مليون دولار لتطوير المحطة البحرية بمساحة 810 آلاف متر مربع وافتتاحها بالربع الثاني من 2025، ما يمكنها من مناولة 5 ملايين طن بضائع عامة وجافة، ومليون طن بضائع سائلة و450 ألف حاوية و50 ألف مركبة وذلك وفق ما نقلته وكالة “بلومبيرغ”.

ومن المثير في ذلك الاتفاق هو إعلان “موانئ أبوظبي” أنه من غير المتوقع أن تواجه المجموعة أية مخاطر تتعلق بتقلب أسعار العملات الذي تشهده مصر وأنه سيتم تحويل جميع الإيرادات إلى الدولار.

وذلك في الوقت الذي تعاني فيه ولا تزال مصر من أزمة اقتصادية ومالية طاحنة وسط عجز عن توفير العملات الصعبة وبينها الدولار لاستيراد السلع الأساسية والاستراتيجية وقطع الغيار والآلات، ما أثر على ملايين المصريين برفع الأسعار وتوقف وتراجع أعمالهم وعمليات التصنيع.

“توغل إماراتي” في الموانئ المصرية

ويأتي إقرار البرلمان المصري لاتفاقية “موانئ أبوظبي” بامتياز تطوير وتشغيل ميناء سفاجا المصري في ظل توجه من الشركة الإماراتية لتوقيع اتفاقيات إدارة العديد من الموانئ المصرية.

وذلك وفق مراقبين بتغول إماراتي على القطاع طال حتى الآن موانئ “سفاجا” و”العين السخنة” و”الغردقة” و”شرم الشيخ” بالبحر الأحمر وكذلك “بورسعيد” و”العريش” بالبحر المتوسط.

وفي مارس/آذار 2023 وقعت “موانئ أبوظبي” 5 اتفاقيات تشمل موانئ مصرية تطل على البحرين الأحمر والمتوسط بينها امتياز لتطوير وتشغيل ميناء سفاجا واتفاقيتان لإنشاء محطتين بميناء العريش وميناء غرب بورسعيد لمناولة الأسمنت.

تلك الاتفاقيات المبدئية حينها تهدف إلى توفير موانئ متعددة الأغراض وخطوط السفن السياحية وتعزيز القدرات اللوجستية بسفاجا والعين السخنة وبورسعيد والغردقة وشرم الشيخ والعريش.

ووقعت المجموعة الإماراتية اتفاقية لمدة 15 عاما مع “هيئة تنمية المنطقة الاقتصادية لقناة السويس” لإنشاء محطتين بكل من ميناء العريش وغرب بورسعيد لمناولة الأسمنت السائب باستثمار مليار جنيه مصري (حوالي 33 مليون دولار حينها).

وكذلك إنشاء صوامع بسعة تخزينية 60 ألف طن بالعريش، و30 ألف طن بشرق بورسعيد وذلك بجانب تطوير 3 محطات لسفن الدحرجة والسفن السياحية وأخرى متعددة الأغراض.

أيضا عقدت موانئ أبوظبي اتفاقية مع “هيئة موانئ البحر الأحمر” لإدارة وتشغيل محطة للسفن السياحية بميناء الغردقة مع تطوير وإدارة وتشغيل محطة السفن السياحية بميناء شرم الشيخ مع اتفاق لتطوير محطة متعددة الأغراض ومنطقة لوجستية واقتصادية شرق بورسعيد.

وفي تموز/يوليو 2022 أعلنت “موانئ أبوظبي” الاستحواذ على 70 بالمئة من حصص الشركة “التابعة الدولية لنقل البضائع” (TCI) المالكة لشركتي “ترانسمار” للنقل البحري و”ترانسكارجو بـ 140 مليون دولار.

ويأتي عقد مجموعة أبوظبي كل تلك الاتفاقيات في وقت قصير في ظل تركيز إماراتي على قطاع الموانئ وسط توجه استراتيجي للسيطرة على موانئ من الخليج العربي، مرورا ببحر العرب ومدخل البحر الأحمر، وحتى قناة السويس، والبحر المتوسط شمالا، عبر العملاقين “موانئ دبي العالمية” و”موانئ أبوظبي”.

“تفريط.. واستغلال”

وكانت حكومة السيسي قد أعلنت في حزيران/يونيو 2022 عن “وثيقة ملكية الدولة” التي تتضمن خططا لبيع 65 بالمئة من الأصول الحكومية للقطاع الخاص خلال 5 سنوات ما اعتبره مراقبون خطة كارثية للتفريط في أصول البلاد.

وبالطبع كانت الإمارات هي المستفيد الأكبر من التوجهات المصرية حيث تمثل أكبر شريك تجاري لمصر بالشرق الأوسط والأولى من حيث الاستثمارات الأجنبية المباشرة ليصل حجم التبادل التجاري بين مصر والإمارات 6 مليارات دولار خلال 2024 حسب ما أعلن رئيس الحكومة مصطفى مدبولي في مؤتمر صحفي منذ أيام.

وفي أيار/مايو 2022 أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي عن “دمج أكبر 7 موانئ مصرية في شركة واحدة وطرحها في البورصة” مع توجيه لجنة حكومية لدراسة طرح الموانئ المصرية في البورصة للمستثمرين العرب والأجانب.

وتعد “موانئ دبي” العالمية أول من حصلت على موطئ قدم في منطقة قناة السويس المصرية عام 2018 عبر الاستثمار في ميناء “العين السخنة” المصري على البحر الأحمر.

وتواصل “موانئ دبي” استحواذها على مشروعات هامة بمحور قناة السويس ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2019 حصلت على أرض صناعية بالمنطقة الصناعية هناك مساحتها 35 كيلومترا.

وكشف موقع “Africa Intelligence” الفرنسي عن حالة غضب كبيرة لدى الجيش والمخابرات المصرية من تغول الاستحواذات الإماراتية على قطاعات واسعة من الاقتصاد المصري وخاصة بقناة السويس الممر الاستراتيجي الهام مصريا وعالميا.

وفي تقرير نشره 19 تشرين الأول/أكتوبر 2023 أكد الموقع أن عبد الفتاح السيسي يتعرض لضغوط من حليفه رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد للاستحواذ على أراض ومشروعات جديدة في المنطقة الاقتصادية من قناة السويس.

وهنا يظل السؤال حاضرا بشأن خطورة منح موانئ أبوظبي حق إدارة وتشغيل وإنشاء مشروعات بـ6 موانئ مصرية ومن قبلها اتفاقيات “موانئ دبي” وحجم خسائر مصر المباشرة وغير المباشرة من إسناد شركات أجنبية إدارة موانئها ومدى اعتبار مدة 30 عاما نوعا من أنواع البيع غير المباشر لذلك الميناء.

“إنفاق مفرط”

المثير للجدل أن موجة تأجير الموانئ وإسناد إدارتها لشركات إماراتية وأخرى من جنسيات أخرى يأتي في ظل ما تنفقه مصر على تطوير تلك الموانئ ما يدفع للتساؤل عن أسباب صرف مليارات الدولارات بقروض خارجية ثم ترك إدارتها لشركات أجنبية تجني الثمار، وتتحمل خزينة البلاد سداد قروض التطوير.

ففي مطلع تشرين الأول/أكتوبر 2023 وجهعبد الفتاح السيسي الحكومة إلى ضرورة الانتهاء من مشروعات التطوير في الموانئ ومنها ميناء الإسكندرية في موعد غايته عام 2025 وليس 2030.

وتقوم الحكومة المصرية بإنفاق هائل لتطوير الموانئ المصرية مثل محطات الحاويات متعددة الأغراض بموانئ سفاجا والدخيلة والسخنة ودمياط وغيرها بجانب تشغيل محطة تحيا مصر متعددة الأغراض بميناء الإسكندرية والذي يستوعب 60 بالمئة من التجارة الخارجية لمصر.

ويصل إجمالي التقديرات الاستثمارية للهيئات الاقتصادية بوزارة النقل للعام المالي (2023-2024) وبينها القطاع البحري نحو 186 مليار جنيه مقسمة إلى 98 مليار جنيه قروضا خارجية و85 مليار جنيه قروضا محلية، و1.87 مليار جنيه تمويلا ذاتيا، و0.05 مليار جنيه مساهمات من الخزانة العامة، و0.09 مليار جنيه منحا أجنبية وفق موقع “البورصة” في حزيران/يونيو 2023.

المصدر: https://n9.cl/goda5

“أبو قير الجديدة”..أكبر ميناء بحري في مصر

خلال أحد المؤتمرات الرئاسية لعبد الفتاح السيسي بمدينة الإسكندرية في يونيو/حزيران 2022 تحدث عن إنشاء “مدينة أبو قير الجديدة” لتكون كبرى المدن الساحلية اللوجستية في مصر وموطنًا لأكبر ميناء بحري في المنطقة هذا بجانب تحويل المدينة الجديدة إلى قبلة للاستثمارات العالمية.

ووفق الخطة المقدمة لتنفيذ مشروع تلك المدينة في الاتجاه الشرقي للإسكندرية فإن هناك حزمة من المشروعات المستهدفة أبرزها:

  • بناء أكبر شاطئ على سواحل مدينة الإسكندرية الشرقية على مساحة 385 فدانًا.
  • وبناء المدينة التجارية اللوجستية على مساحة 985 فدانًا.
  • وتجهيز ممر الميناء الملاحي لاستقبال السفن العملاقة بحيث يصبح ميناءً عالميًا ينافس الموانئ الدولية الأخرى.

وتقسمت خطة العمل في المدينة التي تصل مساحتها الإجمالية إلى 1400 فدان إلى عدة مراحل رئيسية:

الأولى تتعلق بتجهيز موقع المدينة الافتراضي لعمليات الحفر المتتالية عبر استخدام أحدث الأساليب المتطورة والأدوات المخصصة لذلك.

ثانياً أعمال الردم للمناطق المستكمل حفرها.

ثالثاً مرحلة تجهيز حائط صد الأمواج وتركيب طبقات الدعامة الخاصة به

رابعاً تشييد عدة أجزاء متفرقة من الميناء ليصبح أكبر ميناء بحري لنقل البضائع في الشرق الأوسط خامساً بناء هيكل المدينة الأساسي من فنادق وأبراج ومشاريع خدمية.

وتبلغ التكلفة الأولية للمشروع نحو 12 مليار جنيه، ويشرف عليه بعض الشركات والهيئات تحت قيادة شركة “اعتماد القابضة” الإماراتية الممول الرئيسي للمشروع، مع بعض المؤسسات الأخرى بعضها يمثل القطاع العام المصري كوزارة الإسكان والمرافق العمرانية والآخر القطاع الخاص ويمثله 4 شركات، ثم 3 شركات أجنبية أخرى متخصصة في أعمال الحفر والردم والتشييد وهي: شركة “هيل إنترناشونال” وشركة “WATG” الأمريكية وشركة “Van Oord” الهولندية.

وتستهدف الحكومة المصرية أن تكون “أبو قير الجديدة” أول مدن الجيل الخامس في مصر(5G) حيث تتجاوز سرعة شبكة الإنترنت 10 أضعاف سرعتها من الجيل الرابع وبسرعة تحميل تصل إلى 360 ميجابايت للثانية، بما يجعلها مدينة عصرية مؤهلة لأن تكون مقصدًا للاستثمارات البحرية والتجارية العالمية.

مخاوف من تكرار سيناريو العين السخنة

في 17 فبراير/شباط 2018 أعلنت شركة موانئ دبي العالمية الإماراتية (تدير ما يقرب من 78 ميناءً بحريًا في نحو 40 دولة) عن توقيع اتفاقية رسمية مع هيئة قناة السويس المصرية لتنفيذ مدينة صناعية متكاملة في منطقة العين السخنة على مساحة 30 كيلومترًا (شمال شرق القاهرة)، والاتفاقية تعود إلى 9 أغسطس/آب 2017 حين وافق الرئيس المصري على تأسيس شركة تنمية رئيسية مشتركة بين الهيئة العامة الاقتصادية لمنطقة قناة السويس، ومجموعة موانئ دبي العالمية، التي بموجبها تستحوذ الشركة المصرية على 51% وموانئ دبي على 49%.

الاتفاقية الموقعة تعد امتدادًا لعام 2008 حين استحوذت “موانئ دبي” على شركة تنمية ميناء السخنة، حينها أعلنت أنها ستبني رصيفًا بطول 1300 متر وغاطس 16 مترًا لاستيعاب قرابة مليوني حاوية سنويًا بخلاف إنشاء محطة للصب السائل على مساحة 400 ألف متر ومحطة للبضائع بطول الرصيف.

المصدر: https://n9.cl/r1vbg

بناء امبراطورية بحرية

أثار اتفاق مجموعة “موانئ أبوظبي” الإماراتية مع الهيئة الاقتصادية لقناة السويس المصرية لتطوير وتشغيل منطقة صناعية ولوجستية بمساحة 20 كيلومترا مربعا قرب مدينة بورسعيد (شمال شرق) مدة 50 عاما قابلة للتجديد الجدل خاصة مع تعاظم حصص المجموعة الإماراتية في البنية التحتية البحرية واللوجستية المصرية.

وتفاقم الجدل مع الإعلان عن نسبة أرباح مصرية ضعيفة يقرها العقد الذي لا يجوز الطعن عليه وفق قوانين محلية أصدرها الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور عام 2014 وطورها رئيس النظام الحالي عبدالفتاح السيسي، لتحصن وتعديلاتها الاتفاقيات الخارجية من الطعن عليها أمام المحاكم المحلية.

وكان الرئيس المؤقت عدلي منصور قد أقر القانون (رقم 32 لعام 2014) في نيسان/أبريل يمنع أي جهة غير أطراف التعاقد من الطعن على العقود الخارجية وينص على: عدم جواز الطعن على العقود بين الحكومة والمستثمرين إلا من أطراف العقد ذاته وذلك بالمخالفة لـ9 مواد في الدستور وفقا لدعوى ببطلان القانون أمام المحكمة الدستورية العليا.

ولم ينتبه كثيرون إلى بيان مجلس الوزراء ولا الشركة الإماراتية لكن حديث تلفزيوني لرئيس الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس وليد جمال الدين مع الإعلامية لميس الحديد أغضب الشارع المصري.

خاصة مع تأكيده أن  موانئ أبوظبي ستقوم بتسديد نسبة 15 بالمئة من الإيراد سنويا للحكومة المصرية مقابل حق الانتفاع بجانب إعلانه أن الحكومة قامت بعمل كافة المرافق الأساسية خارج الأرض على نفقتها.

خبراء ومراقبون رأوا في هذا التعاقد إجحاف كبير بحقوق المصريين في التعاقدات الخارجية، وانتقدوا طول مدة الانتفاع وتحديدها بـ50 عاما وجعلها قابلة للتجديد مشيرين إلى أن المساحة المقررة من الأراضي كبيرة جدا بمنطقة حيوية واستراتيجية وتمس الأمن القومي المصري لوجودها بالمدخل الشمالي لقناة السويس ولقربها من ميناء شرق بورسعيد.

وبجانب عدم تحديد حجم الاستثمارات المقرر أن تضخها موانئ أبوظبي للمنطقة انتقد مراقبون تحديد نسبة الحكومة المصرية مقابل حق الانتفاع لهذه المساحة وبهذه المدة التاريخية فقط 15 بالمئة من إيراد الشركة الإماراتية.

كما انتقدوا ثبات حصيلة مصر من الإيراد الكلي للمشروع وعدم زيادتها بشكل دوري مع تحمل القاهرة مسؤولية وتكلفة توفير البنية التحتية الخارجية، وحق الانتفاع بالبنية التحتية المصرية من مياه وكهرباء وطرق وأنفاق وخلافه مع منح موانئ أبوظبي إعفاءات ضريبية.

“كتف مصر”

كما يروا أن حصول موانئ أبوظبي المملوكة لصندوق أبوظبي السيادي “أيه دي كيو” على هذا المشروع في تلك المنطقة إلى جانب ما لها من استحواذات وعقود في الإسكندرية والغردقة وسفاجا وشرم الشيخ والعين السخنة والغردقة وبورسعيد ودمياط ورأس الحكمة والعريش يثير المخاوف من سيطرة واحتكار لهذا القطاع الحيوي.

وكان الخبير الاقتصادي الدكتور إبراهيم نوار قد لفت لهذا الأمر عبر صفحته بـ”فيسبوك قائلا: “الذين يعرفون من أين تؤكل الكتف” مضيفا: “كتف مصر” موضحا أنه “من رأس الحكمة إلى غرب العريش”.

وألمح مراقبون إلى أن الشركات الإماراتية التي قد تكون واجهة لغيرها من الشركات متعددة الجنسيات وبينها إسرائيلي تسيطر حاليا على المنطقة الاقتصادية شرق بورسعيد وميناء السخنة جنوب السويس وما بينهما وهي قناة السويس.

“إمبراطورية بحرية”

المجموعة التابعة لصندوق الثروة السيادي لإمارة أبوظبي ويتولى منصب رئيس مجلس إدارته طحنون بن زايد شقيق رئيس الإمارات محمد بن زايد، وقعت في كانون الثاني/يناير الماضي مذكرة تفاهم مع وزارة النقل المصرية للتطوير وإدارة مجمع لوجستي بميناء الإسكندرية على مساحة 1.1 كيلومتر مربع حيث يمر عبر ميناء الإسكندرية 60 بالمئة من التجارة الخارجية لمصر

وفي حزيران/يونيو 2024 وقعت موانئ أبوظبي والهيئة العامة لموانئ البحر الأحمر امتياز تطوير وتشغيل وإدارة 3 محطات للسفن السياحية للرحلات البحرية (كروز) في موانئ الغردقة وسفاجا وشرم الشيخ لمدة 15 عاما بقيمة 4.7 مليون دولار.

كما وقعت حينها المجموعة اتفاقيتي امتياز لمدة 30 عاما مع الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس لتطوير وإدارة وتشغيل محطة لسفن الدحرجة [الرورو] ومحطة أخرى للسفن السياحية [الكروز] في ميناء العين السخنة.

وذلك بعد اتفاقية في 2023 لبناء وتشغيل مشروع محطة سفاجا متعددة الأغراض بقيمة 200 مليون دولار.

واستثمرت موانئ أبوظبي نحو 349 مليون دولار في مصر السنوات الثلاث الماضية عندما استحوذت على شركتي الخدمات اللوجستية المحليتين “تسي سي آي وترانسمار”، وشركة “سفينة لخدمات الشحن” وتتطلع لإنشاء منطقة صناعية تركز على الطاقة المتجددة في شرق بورسعيد.

وفي آذار/ مارس 2022 وقعت موانئ أبوظبي اتفاقية مع وزارة النقل لتطوير وإدارة ميناء العينة السخنة، بالبحر الأحمر.

ومع توقيع صندوق أبوظبي صفقة “رأس الحكمة” بالساحل الشمالي الغربي لمصر في شباط/فبراير 2024، والاستحواذ على 170 مليون متر مربع مقابل 35 مليار دولار من المقرر إنشاء ميناء تخصصي دولي سياحي كبير لليخوت والسفن السياحية.

كما أنه وبرغم رفض الجيش المصري أية استثمارات أجنبية على أراضي شبه جزيرة سيناء إلا أنه وفي أيلول/ سبتمبر الماضي، زار وفد إماراتي منطقة العريش في صحبة رجل الأعمال السيناوي القريب من جهات سيادية مصرية عصام العرجاني، معلنا عن بداية مشروعات إماراتية غرب العريش.

وهو ما تبعه إعلان وزير الاستثمار الإماراتي محمد السويدي برفقة رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي عقب تفقده لمعبر رفح البري خطة اقتصادية عمرانية لتعمير شمال سيناء خلال 5 سنوات وتخصيص 363 مليار جنيه نحو “11.6 مليار دولار” لذلك.

وهناك نحو 1730 شركة إماراتية في مصر، وفق تصريح لسفيرة الإمارات بمصر مريم الكعبي مسجلة الدولة الأكثر استثمارا في ثاني أكبر اقتصاد إفريقي وثالث أكبر اقتصاد عربي.

“اتفاق معيب”

وفي قراءته للمشهد الجديد قال المستشار الأممي السابق والخبير الاقتصادي المصري الدكتور إبراهيم نوار إن “هذا الاتفاق معيب من أكثر من زاوية فمن الزاوية الجغرافية البحتة، تتمتع المنطقة محل التعاقد بمزايا طبيعية وتجارية لا مثيل لها في ساحل مصر على البحر المتوسط أهمها عمق المياه الذي يسمح بإقامة ميناء يكون من أفضل الموانئ العالمية على الإطلاق”.

وفي حديثه أضاف “ومن زاوية الموقع الاستراتيجي فحدث، حيث أن المنطقة يمكن أن تتحول بسهولة إلى منطقة خدمات بحرية متكاملة للسفن العابرة للقناة”.

ومن الزاوية التجارية أوضح أن “الموقع الجغرافي والمزايا الطبيعية تتيح  للمشروعات في المنطقة مزايا الإطلال على القارات الثلاثة إفريقيا وآسيا وأوروبا”.

“توجه حكومي”

وأعرب نوار عن أسفه من أن “مصر تتمتع بكثير من المزايا الجيوستراتيجية التي لا تستثمرها وإنما تؤجرها للآخرين بعقود تأجير طويلة الأمد قابلة للتجديد وهو اتجاه واضح للحكومة الحالية”.

ويرى أن “العائد المادي من إيرادات المشروع لا يعادل حصة مصر في المزايا الطبيعية والجغرافية والتجارية للموقع محل التعاقد خصوصا وأن العقد يضع الدولة صاحبة الشركة المستفيدة وراء عجلة القيادة تقرر ما تشاء وتكتب القوائم المالية ما تشاء، ومن ثم تقرر نصيب مصر في أرضها ومواردها”.

ويعتقد أنه “نصيب هزيل لا يتجاوز عمولة مقاول من المقاولين أو الوسطاء العاملين مع الدولة، إذ تصل هذه العمولة إلى 20 بالمئة في معظم الأحوال”.

لكن الأخطر بحسبه “بعد كل ذلك هو أن الإمارات تستحوذ على منطقة تمتد إلى غرب العريش، وهو ما يمكن أن يضع حدود مصر مع إسرائيل خارج حدود السيطرة الوطنية”.

وفي نهاية حديثه قطع بأن “العقود الأخيرة كلها محصنة ضد المصادرة والتأميم بواسطة البنك الدولي”.

المصدر: https://n9.cl/w5guc

غالبيتها بمصر والإمارات.. تفاصيل استحواذ “بلاك روك” الأمريكية على موانئ بالشرق الأوسط

استحوذت شركتا بلاك روك الأمريكية لإدارة الأصول وشركة إم إس سي الإيطالية للشحن البحري على 43 ميناءاً مملوكاً لشركة سي كيه هوتشن القابضة متعددة الجنسيات والتي يقع مقرها في هونغ كونغ، ضمن صفقة ستفتح المجال أمام شركة الأصول الأمريكية للسيطرة على 12 ميناءاً في الشرق الأوسط تقع على سواحل استراتيجية تمتد من الإمارات وعمان إلى  العراق  ومصر.

وفي مارس/آذار 2025 توصل اتحاد مكون من شركتي بلاك روك وإم إس سي إلى صفقة بقيمة 22.8 مليار دولار للاستحواذ على 43 ميناءاً مملوكاً لشركة سي كيه هوتشن، وهي شركة مدرجة في بورصة هونغ كونغ ويملكها أحد أغنى رجال آسيا، الملياردير لي كا شينج البالغ من العمر 96 عاماً.

وتصدرت الصفقة عناوين الأخبار لأنها ستمنح بلاك روك وإم إس سي السيطرة على ميناءين في كل طرف من قناة بنما، وهو الممر المائي الاستراتيجي الذي هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالسيطرة عليه للحد من نفوذ الصين في نصف الكرة الغربي.

ولكن تأثير الاتفاق يمتد إلى ما هو أبعد من بنما وصولاً إلى منطقة الشرق الأوسط التي تسعى فيها الدول العربية، وفي مقدمتها دول الخليج إلى تنويع اقتصادها بعيداً عن النفط. ويمثل قطاع الشحن البحري والموانئ أحد المصادر الأخرى لتنويع اقتصادات تلك الدول.

ما هي الموانئ التي ستستحوذ عليها شركتا بلاك روك وإم إس سي في الشرق الأوسط؟

بموجب الصفقة التي تم التوصل إليها بين اتحاد شركتي بلاك روك الأمريكية وإم إس سي الإيطالية مع شركة سي كيه هوتشن، من المقرر أن تستحوذ الشركتان على 12 ميناءً في الشرق الأوسط، موزعة كالتالي:

  • مصر (5): الإسكندرية – الدخيلة – أبوقير – العين السخنة – ورصيف B100 الجديد بميناء الإسكندرية
  • الإمارات (4): رأس الخيمة – عجمان – خصب – يو ايه كيو
  • سلطنة عمان (1): صحار
  • العراق (1): البصرة
  • السعودية (1): جازان

ما هي أهمية الموانئ لدول الخليج؟

  • تشكل مشاريع البنية التحتية مثل الموانئ أساساً للقوة الاقتصادية والجيوسياسية لدول الخليج، باعتبارها قوى متوسطة جديدة مستقلة عن واشنطن وموسكو وبكين.
  • واستخدمت الإمارات شركة موانئ دبي العالمية منذ فترة طويلة كوسيلة لفرض نفوذها في البحر الأحمر.
  • وتسعى دول الخليج أيضاً إلى استخدام الموانئ لتنويع اقتصاداتها بعيداً عن الاعتماد على الطاقة، والاستفادة من مكانتها المرموقة كحلقة وصل بين الشرق والغرب لتدفقات الإيرادات. على سبيل المثال، تهدف السعودية إلى مضاعفة سعة موانئها أربع مرات بحلول عام 2030.
  • وقال بيتر دي لانجين، مالك ومستشار رئيسي لشركة Ports & Logistics Advisory، لموقع ميدل إيست آي، إن شركات الشحن مثل إم إس سي تتمتع بميزة، لأنها تنشر الاحتياطيات النقدية المتراكمة من بضع سنوات من أسعار الشحن المرتفعة.
  • وأضاف أن “دول الخليج لم تتمكن حتى الآن من تكرار ما فعلته مع شركات الطيران الوطنية في مجال الشحن”.
  • وتابع: “أستطيع أن أتخيل أن شركات تشغيل المحطات المملوكة للدولة مثل موانئ دبي العالمية ترغب في الاستحواذ على خط شحن، لكن هذا الاستحواذ باهظ التكلفة”.
  • بدلاً من ذلك، ركزت دول الخليج على بناء الموانئ. ويرى البعض أن هذا الإنفاق الباهظ على البنية التحتية قد تجاوز الحد، لدرجة أن الخبراء يقولون إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعاني من فائض في العرض.
  • وقال مسؤول تنفيذي في الميناء لموقع ميدل إيست آي: “تبلغ نسبة تشغيل موانئ البحر الأحمر 60%. وهذه نسبة منخفضة. أما المعدل الصحي فيتراوح بين 75% و80%”.

المصدر: https://n9.cl/oixtu