نظرة أهل غزة إلى الحكم المستقبلي: وجهات نظر متباينة وتطلعات طموحة

(ملخص)
ربما تعمل إسرائيل على تشكيل مستقبل غزة وفقًا لمنظورها الاستعماري، سعياً إلى تصحيح الخطأ التاريخي الذي ارتكبته الحكومات الإسرائيلية السابقة في فشلها في استكمال الطرد والمحو والإزالة الكاملة لسكان غزة. وتفسر هذه النظرة الاستعمارية الجهود الحثيثة التي تبذلها إسرائيل للقضاء على جميع وسائل الحياة في غزة، وجعلها غير صالحة للسكن بالنسبة لسكانها، وتحويل محاولات التهجير القسري في بداية الحرب إلى هجرة طوعية مدفوعة بضرورة البقاء الفردي. وتعتمد هذه الاستراتيجية على عملية منهجية من التكييف النفسي، وإرغام سكان غزة على النظر إلى الرحيل وقبوله باعتباره الوسيلة الوحيدة للخلاص الشخصي، خاصة بعد فشل جميع الفصائل والقوى السياسية في دعم قدرتهم على الصمود وسط حملة الإبادة الإسرائيلية.
وفي محاولتها لتحقيق هذا الهدف، ستعمل إسرائيل على تسييس جهود المساعدات وإعادة الإعمار من أجل إطالة معاناة سكان غزة وضمان بقاء حياتهم بائسة لسنوات وعقود قادمة.
ولكن هذه الاستراتيجية الإسرائيلية قد تتعارض مع سياسات الولايات المتحدة في عهد دونالد ترامب، الذي يسعى إلى إحياء جهوده السابقة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط على أساس اتفاقيات إبراهيم وتأمين التطبيع الكامل بين الدول العربية وإسرائيل – وخاصة مع المملكة العربية السعودية. وينظر ترامب إلى المملكة العربية السعودية باعتبارها الجائزة النهائية في هذا الترتيب، ويعتبرها منجم ذهب يهدف إلى الهيمنة والسيطرة عليه، وبالتالي حجب النفوذ الصيني والروسي في المنطقة مع الحفاظ على الهيمنة الأميركية، وخاصة على المملكة العربية السعودية.
لكن السعودية ربطت استعدادها للانضمام إلى اتفاقيات إبراهيم بحل عادل للقضية الفلسطينية وفقًا للشرعية الدولية. وشكلت تحالفًا دوليًا من 66 دولة يدعو إلى حل الدولتين – وهو موقف يتناقض بشكل مباشر مع الرؤية اليمينية المتطرفة في إسرائيل.
وهذا يشير إلى أن مستقبل غزة لم يعد فلسطينيًا فحسب، بل أصبح متشابكًا بشكل عميق مع المصالح الإقليمية والدولية. وفي الوقت نفسه، يستمر الضعف الداخلي الفلسطيني بسبب الانقسام السياسي الداخلي، وحرب الإبادة في غزة، والحرب الصامتة المستمرة التي يقودها المستوطنون في الضفة الغربية تحت حماية الجيش الإسرائيلي.
في وقت كتابة هذا الاستنتاج، دخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في غزة، وبدأت العلامات المبكرة للمشهد ما بعد الحرب في الظهور من خلال تطورات مختلفة على الأرض. ومن أبرز التغييرات إدارة معبر رفح، حيث أعيدت السلطة الفلسطينية في رام الله جزئياً وإدارياً للإشراف على العمليات جنباً إلى جنب مع بعثة الاتحاد الأوروبي، بينما تحتفظ إسرائيل بالسيطرة الكاملة على من يُسمح له بالخروج أو العودة إلى غزة. بالإضافة إلى ذلك، تم نشر شركات أمنية أمريكية لتفتيش النازحين العائدين إلى مدينة غزة والجزء الشمالي من القطاع.
تشير هذه التطورات إلى أن حكم غزة لن يعود إلى الإدارة الذاتية الفلسطينية الكاملة كما كان قبل السابع من أكتوبر. وبدلاً من ذلك، من المرجح أن تتضمن المرحلة الأولية من الحكم قبول وجود قوات دولية – إما أفراد عسكريين رسميين أو شركات أمنية خاصة – لإنشاء منطقة عازلة بين المدنيين وقوات الاحتلال الإسرائيلي. ومن المتوقع أن تحافظ إسرائيل على وجود عسكري قوي على طول حدود غزة مع ضم ما لا يقل عن 60 كيلومترًا من الأراضي كمناطق عازلة تحت ذرائع أمنية.
إن هذا الوجود الأمني الدولي أو الخاص سوف يرافقه هيئة إدارية محلية لحكم غزة، بموافقة السلطة الفلسطينية، على غرار الترتيبات القائمة في معبر رفح. وبمرور الوقت، من المرجح أن تكون السلطة الفلسطينية مطالبة بإضفاء الشرعية على حكمها لغزة من خلال سلسلة من الإصلاحات السياسية. وقد تشمل هذه الإصلاحات نقل جميع الصلاحيات الرئاسية إلى رئيس الوزراء، وإنشاء قوة شرطة جديدة لا تعارض إسرائيل وتنسق معها، وتنفيذ تغييرات كبيرة في قطاع التعليم، بما في ذلك تعديل المناهج الفلسطينية.
إن إبعاد حماس عن الحكم هو الآن قرار إقليمي ودولي، وليس مجرد قرار إسرائيلي. ويُنظر إلى حماس باعتبارها عقبة أمام تحقيق رؤية دونالد ترامب لـ “الشرق الأوسط الجديد”، مما يستلزم القضاء التام على دورها المستقبلي وتقليص نفوذها في المجتمع الفلسطيني. كما تتحمل حماس المسؤولية المباشرة عن الكارثة التي حلت بغزة.
وفي الختام، يمكن القول إن مستقبل غزة المنظور لن يكون فلسطينيا بحتًا. إن القطاع يخضع حالياً لعملية تكييف وترويض تهدف إلى إجباره على قبول الإملاءات السياسية دون أن يكون له أي تأثير حقيقي عليها. وعلى الأرجح، سوف تستخدم المساعدات الإنسانية وجهود إعادة الإعمار كوسيلة ضغط لتحقيق الأهداف التي حددتها إسرائيل خلال حربها الإبادة الجماعية.