المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر.. عندما تتقدم مصالح واشنطن على حقوق الإنسان

مصر ستستلم المساعدات الأمريكية العسكرية كاملة لهذا العام
نقلت وكالة رويترز وشبكة سي إن إن وصحف أمريكية أخرى على لسان متحدث باسم وزارة الخارجية أن إدارة بايدن أبلغت الكونغرس بعزمها صرف المعونة العسكرية لمصر بالكامل خلال العام الحالي وهي 1.3 مليار دولار. جاء الإعلان خلافا للسنوات الماضية حيث كانت تحجز جزءا منها بسبب مخاوف كانت تقول أمريكا إنها تتعلق بأوضاع حقوق الإنسان.
أثار الإعلان الأمريكي انتقادات البعض الذين قالوا إن انتهاكات حقوق الإنسان مستمرة في مصر، وأن الإعلان يتناقض مع أحدث تقرير عن حقوق الإنسان صدر عن وزارة الخارجية الأمريكية أشار إلى أنه لم تكن هناك تغييرات كبيرة في حالة حقوق الإنسان في مصر خلال 2023.
والمعونة الأمريكية لمصر هي مبلغ ثابت سنويا تتلقاه مصر من الولايات المتحدة الأمريكية في أعقاب توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979 حيث أعلن الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت جيمي كارتر تقديم معونة اقتصادية وأخرى عسكرية سنوية لكل من مصر وإسرائيل تحولت منذ عام 1982 إلى منح لا ترد بواقع 3 مليارات دولار لإسرائيل و2.1 مليار دولار لمصر منها 815 مليون دولار معونة اقتصادية و1.3 مليار دولار معونة عسكرية.
ويبلغ إجمالي ما حصلت عليه مصر خلال هذه العقود الماضية منذ توقيع اتفاق السلام نحو 80 مليار دولار.
وتمثل المعونات الأمريكية لمصر 57% من إجمالي ما تحصل عليه من معونات ومنح دولية من الاتحاد الأوروبي واليابان وغيرهما من الدول كما أن مبلغ المعونة لا يتجاوز 2% من إجمالي الدخل القومي المصري.
المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر:
عندما تتقدم مصالح واشنطن على حقوق الإنسان
للمرة الأولى في عهد الرئيس الأمريكي جو بايدن قررت واشنطن إقرار المساعدة العسكرية كاملة لمصر دون اشتراط تحقيق تقدم في ملفات حقوق الإنسان وهو ما يؤشر إلى اعتماد واشنطن على القاهرة لاستعادة الاستقرار لمنطقة الشرق الأوسط، انطلاقا من سعيها كوسيط نحو تحقيق وقف إطلاق النار في غزة، غير أن القرار الأمريكي، وفق حقوقيين يبعث بـ “رسالة واضحة” أن الاستقرار والأمن مقدمان على تحقيق الديمقراطية وكفالة حقوق الإنسان لدى الساسة الأمريكيين حاليا.
وقررت الخارجية الأمريكية الأربعاء الماضي إعفاء مصر من الشروط المتعلقة بحقوق الإنسان المرتبطة بالمساعدات العسكرية ومنح القاهرة المساعدات العسكرية كاملة بقيمة 1.3 مليار دولار لهذا العام دون أي استقطاعات وذلك من أجل “مصلحة الأمن القومي الأمريكي ” حسب بيان لمتحدث الخارجية الأمريكية.
واتفق ثلاثة خبراء في الشأن السياسي والعسكري والحقوقي أن الولايات المتحدة “تستخدم ملف حقوق الإنسان والمعونات العسكرية في بعض الأحيان كوسيلة لتحقيق أغراض محددة من الدول التي لديها مصالح معها وفي أحيان أخرى تقدم مصالح أخرى على الملف الحقوقي كلما اقتضت الضرورة”.
“أهداف قرار واشنطن”
يقول الصحفي السياسي محمد أبو الفضل مدير تحرير صحيفة الأهرام إن قرار واشنطن في تقديره له ثلاثة أسباب:
- الأول: تحمل الإدارة المصرية للكثير من التصعيدات الإسرائيلية في قطاع غزة والمماحكات من الجانب الإسرائيلي مع مصر على طول الحدود وخاصة محور فيلادلفي وتعامل القاهرة مع المسألة بالكثير من ضبط النفس، وهذا ما تقدره الإدارة الأمريكية وترى أن مصر تثبت يوميا حرصها على أمن واستقرار المنطقة.
- الثاني: أن واشنطن لا يمكن أن تتحدث مع مصر عن انتهاكات تخص حقوق الإنسان وهناك انتهاكات بالجملة وصلت لحد الاتهامات بالإبادة الجماعية في قطاع غزة ولم تتحدث عنها الإدارة الأمريكية.
- والثالث أن الإدارة المصرية خلال العام الأخير قامت بالكثير من الإفراجات عن المعتقلين وسجناء الرأي وفي اعتقاده أنه ربما هناك اعتقالات أخرى أو إضافية قامت بها الإدارة المصرية، ولكنها لا ترقى لأن تخول للإدارة الأمريكية أن تتهم مصر باختراق حقوق الإنسان بالمعنى المتعارف عليه.
تجدر الإشارة إلى أن المتحدث باسم الخارجية الأمريكية برر قرار واشنطن بأنه يعكس أهمية الدور الذي تلعبه مصر في تعزيز الأمن الإقليمي بما في ذلك جهود التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة وإعادة الرهائن الإسرائيليين إلى ديارهم وزيادة المساعدات الإنسانية للفلسطينيين والسعي لتحقيق تسوية دائمة للنزاع بين إسرائيل والفلسطينيين.
فيما يرى أبو الفضل أن الإدارات الأمريكية عموما والإدارات الديمقراطية خصوصا تستخدم ملف حقوق الإنسان كـ”أداة من أدوات الضغط أو من أدوات السياسة الخارجية ضد الدول التي لديها خلافات أو مطالب منها”.
لكنه أضاف “أن هذا لا ينفي أن الإدارات الأمريكية وخصوصا الديمقراطية تضع ملف حقوق الإنسان ضمن أجندتها ولكن عندما يتعارض هذا مع المصالح الأمريكية فإن المصالح الأمريكية تتغلب على أي شيء آخر” مدللا على ذلك بأن الإدارات الأمريكية تتعامل وتتعاون مع بعض الأنظمة في قارة أفريقيا رغم ما على تلك الأنظمة من ملاحظات في مجال حقوق الإنسان طالما أن هذه الأنظمة تحقق المصالح الأمريكية.
“ضوء أخضر ” للقاهرة في ملف حقوق الإنسان
“مصر طوال الوقت معها ضوء أخضر لتفعل ما تريده في حقوق الإنسان والحريات” هكذا عبر المحامي محمد زارع مدير المنظمة العربية للإصلاح الجنائي في حديثه لبي بي سي.
زارع المقيم بالسويد أكد أن القول بأن المساعدات العسكرية أو المعونة الأمريكية يتم حجبها بدعوى حقوق الإنسان “هي كذبة” موضحا أنه حتى حينما يكون هناك خلاف حول ملف حقوق الإنسان فكل ما تفعله الإدارة الأمريكية أنها تقوم بتعليق المساعدات ثم تمنحها بعد ذلك.
وتمنح الولايات المتحدة مصر سنويا مساعدات عسكرية بقيمة 1.3 مليارات دولار ويربط الكونغرس نحو 300 مليون دولار منها بأوضاع حقوق الإنسان.
لكن إدارة بايدن أعلنت سبتمبر أيلول من العام الماضي أنها قررت التنازل عن قيود حقوق الإنسان في مصر مقابل 235 مليون دولار من المساعدات، معللة ذلك بالمزايا الأمنية التي ستحصل عليها الولايات المتحدة في المقابل.
وفي عام 2022 حجبت واشنطن ما قيمته 130 مليون دولار وسمحت بالإفراج عن 75 مليون دولار من المساعدات العسكرية، كما تلقت القاهرة 95 مليون دولار أخرى بموجب استثناء قانوني يتعلق بتمويل مكافحة الإرهاب وأمن الحدود.
وفي عام 2021 حجبت الولايات المتحدة أيضا ما قيمته 130 مليون دولار بسبب ملف حقوق الإنسان في مصر ومنحتها 200 مليون دولار من المساعدات العسكرية.
محمد زراع أضاف “أن أمريكا لا يهمها في قصة ملف حقوق الإنسان إلا مصلحتها ومصلحتها السياسية هي مع مصر حاليا لأن هناك ترتيبات بالمنطقة وحرب غزة وهي تحتاج للقاهرة في كل ذلك فآخر أولويات واشنطن في العالم هي حقوق الإنسان”.
وشدد على أن واشنطن “اخترعت قصة حقوق الإنسان للسيطرة على العالم، فهي استخدمت وتستخدم هذا الملف مع الصين وروسيا وغيرهما من أجل مصالحها الاقتصادية والسياسية والعسكرية، ولكنها في حقيقة الأمر تدعم كل الدكتاتوريات في العالم من أجل مصالحها”.
وأكد أنه لا يمكن القول بأن قرار واشنطن جاء بعد تحسن في أوضاع حقوق الإنسان في مصر مثل الإفراج عن مئات المسجونين أخيرا أو انعقاد جلسات الحوار الوطني لأن في رأيه أن جلسات الحوار الوطني تنعقد منذ فترة كبيرة ولم تحقق المطلوب وهناك انتقادات من المشاركين في الحوار أنفسهم للإدارة المصرية بأنها لا تستجيب لجميع مطالبهم، كما أن من تم الإفراج عنهم هناك الكثير غيرهم ممن تعتبرهم القاهرة خطا أحمر لا تسمح بالحديث عن الإفراج عنهم.
المتحدث باسم الخارجية الأمريكية قال إن واشنطن تواصل “الحوار الجاد” مع الحكومة المصرية بشأن أهمية تحسين حقوق الإنسان، مؤكدا أن هذا الحوار يعد جزءا أساسيا من تعزيز العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة ومصر.
كيف تشكل المساعدات العسكرية الأمريكية فارقا في تسليح الجيش المصري؟
اللواء طارق المهدي عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة بمصر سابقا قال إن جزءاً كبيراً جداً من المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر عبارة عن تدريب وتأهيل فني وخدمات استشارية عسكرية بينما يشكل الجزء الآخر تقديم معدات عسكرية.
وأكد أن هذه المعونة الأمريكية مهمة بالطبع للجيش المصري وليست مجرد شيئ رمزي يدلل على قوة العلاقة بين البلدين واستطرد قائلا: “أنا ضابط دفاع جوي بالأساس وتدربت في أمريكا بولاية تكساس عام 1983 ضمن المعونة وكان تدريبي على صواريخ هوك الأمريكية وبفضل ما حققناه أنا والمجموعة المصرية من إصابات مباشرة باستخدام تلك الصواريخ فهي استمرت في الخدمة حتى الآن رغم أنها كانت مهددة بالخروج من الخدمة”.
وشرح أن جزءاً من أهداف المعونة العسكرية الأمريكية هو خدمة التسويق لأسلحتها ومصانع الأسلحة لديها من خلال التدريب والتجربة والاستمرار في بيعها بناء على تلك التجارب هذا بجانب “أننا نستفيد بالطبع من تلك المعونة في التدريب والتسليح ولكن أمريكا تحقق فائدة أكبر أيضا لنفسها”.
وأوضح أن المعونة الأمريكية كذلك تشمل قطع الغيار الخاصة بالمعدات العسكرية والأسلحة والتي تتعطل ويتم إرسالها لأمريكا للإصلاح أو التغيير، والمستشارين الفنيين الذين يحضرون مع قطع الغيار أو المعدات للشرح أو التركيب أو التدريب عليها.
ونوه إلى أن المعدات التي تحصل عليها مصر ضمن المعونة العسكرية من أمريكا هي نفس المعدات التي تحصل عليها إسرائيل مع فارق أن إسرائيل تحصل على معونة أكبر، مشيرا إلى أن ذلك ليس له علاقة بما تتلقاه إسرائيل من أمريكا كمساعدات عسكرية أو أمريكية بعيدا عن المعونة.
المصدر: https://2h.ae/zwpB
بعد سقوط قناع حقوق الإنسان.. ما وراء الدعم الأمريكي الكامل لمصر؟
خلال السنوات الماضية ربطت الولايات المتحدة جزءًا من المعونة العسكرية بالوضع الحقوقي في مصر حيث اقتطعت مبلغًا سنويًا منها بسبب عدم تحقيق النظام المصري لأي إنجازات في هذا الملف الشائك ليبقى السؤال: ما الذي تغير حتى تتراجع واشنطن عن سياستها وتفرج عن القيمة الكاملة للمعونة السنوية دون أي اقتطاعات؟ وما هي أهداف إدارة بايدن إزاء هذا التحول اللافت تجاه النظام المصري؟
“مزاعم واشنطن“
يعاني المشهد الحقوقي المصري منذ عام 2013 من انتهاكات خارقة اعتقالات وأحكام جزافية وتكميم أفواه وغلق صحف وحجب مواقع واستهداف ممنهج للمعارضة وتقويض الأفق السياسي بشكل لم تعرفه مصر حتى في أحلك محطاتها التاريخية، ما زج بها إلى المراتب المتأخرة في الترتيب العالمي لمؤشر الحريات.
ورغم المناشدات المحلية والإقليمية والدولية والضغوط الممارسة على نظام عبد الفتاح السيسي لإعادة النظر في هذا الملف وإفساح المجال نحو متنفس من الحرية ولو ضئيل فإن الإصرار على المضي قدمًا في هذا المسار كان الرد الوحيد على كل الأصوات العاقلة التي تنادي بتخفيف حجم ومساحة القبضة الأمنية على المشهد وسط تحذيرات من الوصول إلى لحظة الانفجار التي لا يمكن التراجع بعدها.
وكان نتاجًا لهذا الصلف وغلق وخنق المجال العام -كما تزعم واشنطن– حجب إدارة بايدن جزءًا من المساعدات السنوية المقدمة لمصر كنوع من العقاب وتعبير عن الامتعاض من هذا التغول على الحقوق والحريات حيث حجبت 235 مليون دولار في 2023، و130 مليون دولار عام 2022، و130 مليون دولار عام 2021 وسط صيحات وتصريحات وتهديدات تحذر من مزيد من العقوبات حال الإصرار على ممارسة تلك الانتهاكات التي لم تتوقف على مدار أكثر من عقد كامل.
هل من جديد؟
أمام هذا السجل الأسود المشين من الانتهاكات الحقوقية وغض السلطات الحاكمة في مصر الطرف عن كل التحذيرات الإقليمية والدولية من مغبة هذا المسار استيقظ الجميع على إعلان الخارجية الأمريكية منح القاهرة المعونة كاملة دون أي اقتطاع متجاهلة مطالب الكونغرس بحجز ربع المساعدات بسبب مخاوف تتعلق بأوضاع حقوق الإنسان في مصر في خطوة يُفهم منها قطع القاهرة شوطًا مقبولًا في المسار الحقوقي والتراجع عن سياستها التقليدية التي أقرتها منذ 2013 وحتى الآن..
فهل شهد الشارع المصري أي اختراقات في هذا الملف؟
الواقع يقول إن النظام المصري تعامل مع هذا الملف بنظام “المماطلة والتسويف” وربما “الخداع” نسبيًا حيث أوهم الجميع باتخاذ بعض الإجراءات التي فسرها البعض شكليًا على أنها تعديل للمسار على رأسها “جلسات الحوار الوطني” ومخرجاتها بشأن الإفراج عن المعتقلين وفتح المجال أمام الحريات والتعبير عن الرأي ومنح المعارضة متنفسًا للعمل وممارسة نشاطها السياسي.
وعلى مدار أكثر من عامين على انطلاق الحوار الوطني الذي شهد قرابة 44 جلسة جاءت النتائج مخيبة للآمال فلا انفراجة في الأفق ولا متنفس للحريات، ولا فتح المجال أمام المعارضة فيما اكتفى الأمر بالإفراج عن بعض الأسماء المنتقاة بدقة من المحبوسين (بعضهم محسوب على النظام مثل رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى والبلطجي صبري نخنوخ) متجاوزة تلك القابعة في السجون منذ سنوات بسبب آرائها ومواقفها السياسية، في خطوة وصفها البعض بـ”الشكلية” التي حاول من خلالها النظام الإيهام بإطلاق سراح المسجونين فيما تتنافى حقيقة الأمر مع ما تم الترويج له.
اللافت هنا حالة التزامن بين قرار واشنطن منح القاهرة المعونة بأكملها مع مناقشة مجلس النواب (البرلمان) مشروع تعديل قانون الإجراءات الجنائية رقم 150 لسنة 1950 والذي يواجه موجة انتقادات عارمة، تتعلق ببعض البنود التي وصفها حقوقيون بـ”الكارثية” وتقوض العدالة وتجز آخر أعشاب الحريات المتآكلة في مصر الأمر الذي دفع للتساؤل عن الأسباب الحقيقية وراء هذا القرار الأمريكي؟
ما دوافع أمريكا إذًا؟
بات واضحًا أن مسألة ربط إدارة بايدن لجزء من المعونة بملف حقوق الإنسان في مصر، ليست إلا شعارات جوفاء تحاول من خلالها واشنطن توظيف هذا الملف الشعبوي لتحقيق مكاسب وأهداف تتجاوزه بكثير ليتحول مع مرور الوقت إلى “أداة ابتزاز” واضحة لا سيما بعدما فقدت الولايات المتحدة مصداقيتها وسمعتها الحقوقية دوليًا إثر الانتهاكات التي مارستها ضد أبنائها المتظاهرين من المدنيين وطلاب الجامعات الداعمين لغزة والمنددين بالتواطؤ الأمريكي مع دولة الاحتلال في حرب الإبادة التي تُشن على مدار أكثر من 11 شهرًا ضد أطفال ونساء وشيوخ غزة وأسفرت عن استشهاد عشرات آلاف المدنيين العزل.
وكشفت التطورات الأخيرة بشكل جلي أن حقوق الإنسان سواء في مصر أم غيرها من بلدان العالم الأخرى في حقيقتها فيلم درامي أنتجته الولايات المتحدة لخدمة مصالحها الخارجية وعليه يمكن قراءة قرار منح المعونة كاملة للقاهرة رغم الانتهاكات الحقوقية الفجة في ضوء عدد من الدوافع والمؤشرات التي تحقق في النهاية حزمة من المكاسب للولايات المتحدة بعيدًا شكلًا ومضمونًا عما تتشدق به بشأن البعد الحقوقي والإنساني وذلك بعدما اعترفت الخارجية الأمريكية ولأول مرة بتغليب أمنها القومي على حقوق الإنسان.
أولًا: مكافأة مصر على الموقف من حرب غزة:
القراءة الأولى لهذا القرار تأتي في إطار كونه مكافأة للنظام المصري على موقفه من حرب غزة والاكتفاء بدور الوسيط وعدم الاستجابة للأصوات التي تطالبه بالانخراط في تلك المعركة إما دفاعًا عن أمنه القومي وسيادته التي تجرأت عليها قوات الاحتلال وإما نصرة لغزة والقضية الفلسطينية التي تتعرض لمخطط إجهاض ووأد وجودي.
ومنذ اليوم الأول لتلك الحرب يحرص النظام المصري وعلى رأسه عبد الفتاح السيسي على الالتزام بالابتعاد بالمساحة الكافية عن دعم المقاومة وهو ما تجسد في لغة الخطاب المستخدمة والتي تماهت بشكل أو بآخر مع الأهداف الإسرائيلية فيما تعرض لانتقادات لاذعة من الشارع العربي وصلت إلى اتهامه بالتواطؤ في حرب التجويع والحصار والإبادة التي يتعرض لها فلسطينيو القطاع والمساهمة في تجفيف منابع المقاومة لتتحول القاهرة من حليف مفترض بحكم الجغرافيا والتاريخ مرورًا بالوسيط المحتمل إلى شريك إسرائيلي في تلك الحرب وعليه جاءت المكافأة الأمريكية تقديرًا لهذا الدور الذي مارسته مصر كما رُسم لها.
ثانيًا: الحفاظ على الحليف المصري:
بات واضحًا لدى الإدارة الأمريكية أن القاهرة في وضعيتها تلك وفي ظل النظام الحاكم الحالي أصبحت حليفًا موثوقًا في إخلاصه وأمانته، وقادرًا على القيام بما هو مطلوب منه مهما كانت الضغوط والتحديات حتى وإن تقاطعت بشكل كبير مع مرتكزات الدولة الدينية والتاريخية والقومية والأخلاقية.
وأيقن سيد البيت الأبيض ورفقاؤه أن الحفاظ على هذا الحليف أمرًا حيويًا للدفاع عن مصالح أمريكا في الشرق الأوسط ومن ثم كان لا بد من طي صفحات الخلاف بين الدولتين والتي على رأسها ملف حقوق الإنسان والذي كانت تتشدق به واشنطن لحجب جزء من المساعدة السنوية المقدمة، وفي ضوء مساعي الحفاظ على هذا الحليف كان لا بد من الإفراج عن المعونة كاملة وتجاهل الشأن الحقوقي وتغييبه عن خريطة تقييم العلاقات البينية.
ثالثًا: امتصاص الغضب المصري وضمان تحييده بما لا يؤثر على المصالح الإسرائيلية:
في ظل حالة التوتر التي تخيم على العلاقات المصرية الإسرائيلية في أعقاب انتهاكات جيش الاحتلال بحق السيادة المصرية على الحدود والإصرار على احتلال محور فيلادلفيا رغم التحفظ المصري والتحرش بين الحين والآخر بالحدود والجنود المصريين حاولت واشنطن التدخل لامتصاص الغضب المصري وتحييده عن الانجرار نحو الرد على الاستفزازات الإسرائيلية الشعبوية التي يحاول من خلالها بنيامين نتنياهو تحقيق مكاسب سياسية خاصة ولو على حساب العلاقة مع الحليف المصري.
وارتأت واشنطن أن مغازلة القاهرة عبر الورقة الاقتصادية ومنحها المعونة كاملة دون أي استقطاعات قد تكون السلاح الأنجع لتحقيق الأهداف المنشودة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها الدولة المصرية جراء السياسات الاقتصادية والمالية الخاطئة والتي ثبت فشلها بعدما أغرقت البلد بأسره في مستنقع من الديون من الصعب الخروج منه في الوقت الراهن.
في المجمل قد يرى البعض في هذا القرار الأمريكي بعيدًا عن كونه نسفًا للشعارات الأخلاقية والحقوقية التي تتشدق بها واشنطن خطوة نحو تحسين العلاقات مع مصر وطي صفحات الخلاف التي تتسع عامًا تلو الآخر خلال السنوات الماضية لكن في المقابل هناك من يتخوف من هذا الانقلاب الواضح في السياسة الأمريكية، معتبرًا أن الكرم الأمريكي غير المعتاد في الغالب قد يكون مخدرًا موضعيًا مؤقتًا أو ممتدًا يتبعه طعنة مؤلمة وربما غادرة.
المصدر: https://2h.ae/PUcK
ما علاقة الصين ومحور “فيلادلفيا” بمنح المعونة العسكرية الأمريكية كاملة لمصر؟
“هكذا يستخدم الأمريكيون المعونة”
ملف المعونة الأمريكية بدأ مع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979 عبر شقين اقتصادي وعسكري.
- تحولا عام 1982 إلى منح لا ترد بقيمة 3 مليارات دولار لإسرائيل و2.1 مليار دولار لمصر منها 815 مليون دولار معونة اقتصادية و1.3 مليار دولار عسكرية.
- والعام الماضي وفي أيلول/ سبتمبر 2023 حجبت الحكومة الأمريكية 85 مليون دولار من المعونة العسكرية المقررة للقاهرة، بسبب ملفها السيئ في حقوق الإنسان.
- وفي أيلول/ سبتمبر 2022 حجبت واشنطن 130 مليون دولار بسبب وضع حقوق الإنسان السيئ، ومطالبة جماعات حقوقية بحجب كامل للمعونة.
- وفي أيلول/ سبتمبر 2021، أعلنت إدارة الرئيس جو بايدن حجب 130 مليون دولار من المعونة العسكرية لمصر، للضغط على حليفتها العربية لتحسين سجلها الحقوقي.
- وفي عام 2020 حجب الكونغرس الأمريكي نحو 300 مليون دولار من المساعدات الأمريكية العسكرية لمصر، مشترطا إحراز تقدم في قضايا حقوق الإنسان للحصول على الجزء المحجوب.
لكن القرار الأمريكي الجديد يأتي في ظل بعض المواقف والأحداث التي يرى فيها مراقبون دافعا قويا لواشنطن لمنح القاهرة المعونة كاملة وبينها التعاون الاقتصادي المصري الصيني وتعاظم التبادل التجاري ومشروعات بكين المتسارعة في بمصر وذلك إلى جانب تأزم العلاقات المصرية الإسرائيلية مؤخرا لأسباب عديدة.
“زيارة بكين”
وخلال الفترة من 4 إلى 6 أيلول/ سبتمبر الجاري زار رئيس الوزراء المصري بكين وجرى استقباله رسميا وزوجته من قبل الرئيس الصيني شي جين بينغ وعقد العديد من الاتفاقيات الاقتصادية بمنتدى التعاون (الصيني- الإفريقي) وهو ما قد يزعج واشنطن الحليف الأكبر للقاهرة بحسب مراقبين.
والتقى مدبولي رؤساء وممثلي الشركات الصينية الكبرى لضخ استثمارات بمجالات الطاقة وتوطين صناعة السيارات والاتصالات وتقنية المعلومات، وغيرها وتوقيع عقود مشروعات بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، لتصنيع المنتجات الكيميائية والغذائية، وإنتاج “البروم” ومكونات الطاقة المتجددة.
ووفقا لأرقام الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، بلغ حجم التبادل التجاري (المصري- الصيني) 13.9 مليار دولار خلال 2023.
وعلى طريقة برنامج المعونة الأمريكية (USAID) يقوم برنامج الصين لـ”التعاون الفني والاقتصادي مع أفريقيا” بتقديم المنح المالية، والقروض ودعم الرعاية الاجتماعية والصحية والتنموية بالقارة.
وقرأ بعض المراقبين عبر مواقع التواصل الاجتماعي منح المعونة العسكرية كاملة لمصر هذا العام بأنه “استرضاء لمصر حتى لا تذهب للصين”.
“اتهامات تل أبيب وغضب القاهرة”
ويأتي القرار الأمريكي القاضي بمنح جيش مصر المعونة العسكرية كاملة أيضا في ظل تفجر خلاف غير مسبوق بين حكومة رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو.
ودفع الإصرار الإسرائيلي على احتلال محور “صلاح الدين” (فيلادلفيا) بين مصر وقطاع غزة وعدم مغادرة قوات الجيش الإسرائيلي له منذ أيار/ مايو الماضي بالمخالفة لاتفاقيات السلام المصرية الإسرائيلية 1979، واتفاقية المعابر لعام 2005 نحو تأزم واضح في العلاقات و”غضب القاهرة” وفق ما تؤكده مواقع وصحف ومسؤولين ومحللين إسرائيليين.
موقع قناة “i24” العبري اتهم مصر بالمماطلة المتعمدة في قبول السفير الجديد بالقاهرة أوري روثمان رغم مرور أسبوعين على انتهاء عمل السفيرة السابقة أميرة أورون.
كما أشار إلى احتمالات التصعيد بسحب السفير المصري خالد عزمي من تل أبيب والمطالبة عبر مجلس الأمن بانسحاب إسرائيل من محور صلاح الدين.
واتهمت “القناة 13″، العبرية مصر برفض استضافة جولة مفاوضات جديدة بين تل أبيب والمقاومة الفلسطينية، بسبب “غضبها” من تصرفات نتنياهو في المحور.
ورأى متابعون أن منح مصر المعونة العسكرية كاملة والتغاضي عن ملف حقوق الإنسان “نظير حماية الجيش المصري لحدود كيان الاحتلال”.
“زيارة رئيس الأركان”
ويأتي كذلك الإفراج الكامل عن المعونة العسكرية الأمريكية لمصر إثر ظهور الجيش المصري على ساحة الخلاف المصري الإسرائيلي عبر زيارة رئيس أركان الجيش المصري الفريق أحمد خليفة 5 أيلول/ سبتمبر الجاري لمعبر رفح والجانب الغربي من محور صلاح الدين واستعراض القوات والأسلحة والمدرعات المصرية في المنطقة في زيارة وُصفت إعلاميا بـ”غير العادية”.
ومثل حضور القائد العسكري المصري الكبير لهذه المنطقة صدمة للإعلام العبري الذي خرج بعناوين تحذر من الدبابات المصرية القابعة على الأسوار بحسب وصف “معاريف” العبرية التي اعتبرت زيارة خليفة “بمنزلة استعراض للقوة ومحاولة لتأكيد سيطرة مصر على المنطقة.
وعلق البعض بقوله إن عودة المعونة العسكرية كاملة، تعد “رشوة” للجيش المصري فيما تساءل آخرون: “هل هذا ثمن منع السيسي الدواء والغذاء عن غزة المنكوبة؟”.
ولهذا، فإن عودة المعونة الأمريكية لمصر كاملة، بالتزامن مع التعاون التجاري المصري الصيني، واتهامات إسرائيل للقاهرة وغضب سلطاتها من “تل أبيب”، وزيارة رئيس الأركان لمعبر رفح البري، يدعو لطرح التساؤل حول أسباب التوجه الأمريكي لأول مرة في عهد بايدن، الذي شهد اقتطاع من المعونة والتلويح بها طوال السنوات الماضية.
والسؤال أيضا، حول ما إذا كانت واشنطن تحاول إرضاء القاهرة الغاضبة من إسرائيل، وفي ذات الوقت دعم القاهرة ماليا وإبعادها عن التوجه نحو الصين، في توجه عام نحو بكين لدى بعض الدول العربية الحليفة لمصر مثل السعودية.
“الكيان في خطر استراتيجي”
وفي إجابته يرى الدكتور عمرو عادل رئيس المكتب السياسي للمجلس الثوري المصري أن “هناك دائما وجهين وربما أكثر للعلاقات السياسية والعسكرية” مشيرا إلى “الوجه المعلن الذي يريد الجميع إظهاره والوجه الخفي الحقيقي لطبيعة العلاقات” مؤكدا أن “هذا ينتج خداعا كبيرا لقطاع واسع من الجماهير والمتابعين”.
ويعتقد أنه “في الوضع المصري الحالي الوجهان متطابقان بنسبة كبيرة”،مبينا أنه “لذلك فمن غير المفهوم بالنسبة لي على الأقل كيف يمكن حتى الآن طرح أسئلة حول علاقة النظام المصري بالأمريكي والصهيوني؟”.
وأكد أن “لكل نظام مساحته الحرة، تقل وتتسع حسب الأوضاع” ملمحا إلى أننا “نحتاج لقراءة الوضع الحالي ووضع محددات كبرى للتحليل”.
- أولى تلك المحددات قال إن “النظام المصري في تحالف استراتيجي تام مع الكيان الصهيوني وكذلك الولايات المتحدة مع الكيان”.
- وثانيا أن “المعونة الأمريكية ليس لها أي علاقة بحقوق الإنسان أو الأوضاع السياسية أو الاستبداد ولكنها فقط منحة للنظام ليستمر كأسبقية أولي في الحفاظ على مصالح الولايات المتحدة وكذلك حماية النظام الصهيوني”.
- وأشار ثالثا إلى أن “النظام المصري وخاصة عبر السنوات العشر السابقة أثبت بكل الوسائل الممكنة وبكل الوضوح المتاح له أنه يعمل ضد الأمن القومي المصري”.
وألمح إلى توقيعه “اتفاقية مبادئ السد الإثيوبي عام 2015 والتنازل عن تيران وصنافير عام 2016، وتفريغ رفح بشمال سيناء وبيع مصر” مؤكدا أن “كل هذه الأمور توضح ذلك”.
- رابع المحددات قال ضابط الجيش المصري السابق إن “ما يُسمى برئيس الوزراء المصري لا يزيد عن سكرتير تنفيذي وربما أقل وما حدث في منجم السكري -انتقال امتيازه من شركة سنتامين إلى أنغلو غولد أشانتي الثلاثاء- وتصريحاته الأربعاء -كشف عدم علمه بالصفقة- تدل على ذلك”.
وخلص للتأكيد أن “هذه المقدمات تتيح لنا رؤية الإجراءات التي تنتمي إلى الجانب الزائف والأخرى التي تنبئ عن الحقيقة”.
وأوضح أنه “من ثم فما نراه من زيارة أحد قيادات الجيش لمعبر رفح والأداء المسرحي للاستعراضات العسكرية ينتمي حتما للجانب المخادع من الصورة”.
وتابع: “كذلك زيارة مدبولي للصين ربما لها بعض المكاسب أو اتفاقيات اقتصادية ولكنها بعيدة تماما عن تحدي الأمريكان”.
ومضى يقول إن “هذه هي الإجراءات الضرورية للاستمرار في خداع الشعب المصري” مضيفا “أنا حقيقة أرى سدنة النظام ينهارون من الضحك عندما تؤتي هذه الإجراءات أكلها مع نسبة ما من الشعب ولكني أؤكد أنها في تناقص متسارع للغاية خاصة بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي (طوفان الأقصى)”.
وختم بالقول “هناك خطر استراتيجي على الكيان الصهيوني وفي هذه اللحظات لا مجال للمناورات التي يمكن أن يسمح بها الأمريكان والصهاينة للنظام المصري بل هو الالتزام التام للخروج من المأزق”.
ولهذا يرى السياسي المصري بنهاية حديثه، أنه “من الطبيعي بل والأصل أن تقدم المعونة كاملة للنظام المصري مع برقية شكر خاصة من الكيان لكل النظام المصري والجيش المصري وتبدأ بالجملة التي أمتعتنا في الماضي: (نشكركم على حسن تعاونكم معنا)”.
“حشد المحيط العربي لأجل إسرائيل”
وفي رؤيته قال الكاتب الصحفي المصري جمال سلطان “لا أتصور أن هذا القرار بمنح القاهرة كامل مبلغ المعونة العسكرية أنه خوفا على توجه مصر إلى الصين أو حتى من انهيار علاقاتها مع الكيان”.
مؤكداً أن “الإدارة الأمريكية تُدرك أن القيادة المصرية لا تملك استقلالية قرارها إلى هذا الحد ما يعني أنه لا يوجد إرادة سياسية مستقلة في مصر”.
وأوضح أن “هذا الأمر شائع منذ 2013 لأن شرخ الشرعية في مصر جعل السلطة القائمة تحت ضغط الاحتياج الشديد إلى التماس الشرعية الدولية” في إشارة إلى انقلاب قائد الجيش عبدالفتاح السيسي على الرئيس الراحل محمد مرسي.
واستدرك قائلا “لكن الإدارة الأمريكية الآن في حاجة إلى حشد المحيط العربي حول إسرائيل لتحديد ومنع التوترات ومنع أي تصرف أو شيء يكون خارج التوقعات”.
وأشار إلى أنه “إذا كنا نرى بأعيننا كيف أن الإدارة الأمريكية لم تعط بالا لـ40 ألف فلسطيني قتلوا وحوالي 100 ألف جريح في مذبحة مستمرة ومفتوحة وهي تمول تلك المذبحة ماليا وتدعمها عسكريا بالذخائر الحديثة” ملمحا إلى عمليات الإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الاحتلال.
وتساءل: “فهل لنا أن نتصور أنها ستعاقب الحكومة المصرية لأنها تسجن بعض معارضيها؟” مؤكدا أن “الأمر خارج التوقع لأن أمريكا لا تعبئ بملف حقوق الإنسان، ويُستخدم فقط بحسب الحاجة للتسويق الخارجي للوجه القبيح للإدارة الأمريكية أو لإعطاء نوع من تجميل الوجه بأنها تراعي حقوق الإنسان”.
مضى يؤكد أن “الذي حدث في غزة على مدار 11 شهرا كان فاضحا وفضائحيا ويكشف بوضوح شديد أن اهتمام الإدارة الأمريكية أو حتى الغرب الأوروبي بكامله بقضية حقوق الإنسان هو نوع من النفاق السياسي والدبلوماسي ليس أكثر”.
“انتقادات للمعونة”
وظلت المعونة الأمريكية لمصر بشقيها الاقتصادي والعسكري مثار جدل وانتقادات معارضين مصريين يرون فيها تحكما في القرار السياسي والاقتصادي المصري ومراقبة لتسليح الجيش المصري والتحكم في نوعية ومصادر السلاح خاصة أن الجزء العسكري من المعونة مخصص لشراء المعدات العسكرية من المصانع الأمريكية وخدمات الصيانة وغيرها بحسب معارضين مصريين.
بل ذهب البعض للقول إن “المعونة العسكرية الأمريكية يتم بها شراء سلاح أمريكي الصنع وقطع غيار أمريكية، يتم شحنها على سفن أمريكية ما يعني أنها في النهاية مفيدة للمصانع الأمريكية وللمواطن الأمريكي وأن أمريكا تمنح الدعم للشعب الأمريكي وليس لمصر والمقابل الانبطاح”.
وكان الناشط المصري كمال خليل قد قال: “لا يمكن لوطن أن يكون حرا وهو يعتمد على المعونة الأمريكية وعلى مليارات الأسر الحاكمة للخليج ولا يمكن أن يكون حرا وهو مكبل باتفاقيات كامب ديفيد” مؤكدا عبر “فيسبوك” أن “كلها روافد لمستنقع التبعية وهيمنة القوى الاستعمارية على البلاد”.
المصدر: https://2h.ae/Rgzo
أسباب الرضا الأمريكي عن مصر
وكمدخل لمحاولة الإجابة عن هذا التساؤل لا بد من التوقف أمام تعليل الخارجية الأمريكية للقرار حيث أبلغ وزير الخارجية أنتوني بلينكن الكونغرس أنه سيتنازل هذا العام عن الاشتراطات المتعلقة بالمبلغ الذي جرى الربط بينه وبين سجل مصر في مجال حقوق الإنسان استناداً إلى مصلحة الأمن القومي الأمريكي، وأن هذا القرار مهم لتعزيز السلام الإقليمي ومساهمات مصر المحددة والمستمرة في أولويات الأمن القومي للولايات المتحدة وخاصة لإتمام اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وإعادة الرهائن إلى ديارهم وزيادة المساعدات الإنسانية للفلسطينيين والمساعدة في تحقيق نهاية دائمة للصراع بين “إسرائيل” و”حماس”.
هذا التعليل يستدعي التوقف أمام عدة نقاط:
1- حديث الخارجية الأمريكية عن “تعزيز السلام وإتمام وقف إطلاق النار” يتعارض مع فشل الوسطاء ومنهم مصر في إحراز أي تقدم في المفاوضات.
2- المساعدات الإنسانية التي تتحدث عنها أميركا لا تدخل من معبر رفح بل يتم شحنها إلى معبر كرم أبو سالم للتفتيش والتدقيق وهو خاضع للسيطرة الصهيونية، وكل ما يدخل غزة هو بقرار صهيوني ولا ناقة لمصر ولا جمل في دخول المساعدات.
وهنا تضاف أسئلة أخرى وهو كيف تساعد مصر في خدمة الأمن القومي الأمريكي وفي وضع نهاية للصراع كما عللت الخارجية الأمريكية؟ ومحاولة الإجابة على هذه الأسئلة تتطلب مناقشة عدة عناوين نراها ذات صلة بهذه الإجابة:
ما “المعونة الأمريكية” وشروطها؟:
“المعونة الأمريكية” لمصر هي مبلغ ثابت سنويًا تتلقاه مصر من الولايات المتحدة الأمريكية منذ توقيع اتفاقية “كامب ديفيد” المصرية “الإسرائيلية” عام 1978، وتحوّلت منذ عام 1982 إلى منح لا ترد بواقع 3 مليارات دولار لـ”إسرائيل”، و2.1 مليار دولار لمصر، منها 815 مليون دولار “معونة اقتصادية”، و1.3 مليار دولار “معونة عسكرية”.
وهذه “المعونة” تساعد في تعزيز الأهداف الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة، وقد استفادت من خلالها واشنطن الكثير، مثل السماح لطائراتها العسكرية بالتحليق في الأجواء العسكرية المصرية ومنحها تصريحات على وجه السرعة لمئات البوارج الحربية الأمريكية لعبور قناة السويس إضافة إلى التزام مصر بشراء المعدات العسكرية من الولايات المتحدة.
ما علاقة المنطقة (د) في اتفاقيات “كامب ديفيد” ومستقبل غزة بعد الحرب؟
المنطقة (د) في اتفاقيات “كامب ديفيد” هي المنطقة المتعلقة بالجانب “الإسرائيلي” والتي تحظر الاتفاقية وبنودها على “إسرائيل” التمركز في تلك المنطقة بأكثر من 4 آلاف جندي بأسلحة قوات المشاة الميكانيكي في منطقة عمقها 4 كيلومترات على الجانب “الإسرائيلي” من الحدود وأنها مصرح لها بـ 180 مركبة ومنشأة وتحصين عسكري في هذه المنطقة. أما دخول قوات مدرعة أو مدفعية فهو يعد انتهاكًا للاتفاقية.
ولا تسمح بنود الاتفاقية للكيان بزيادة عتاده العسكري لأي سبب إلا بعد التنسيق مع الجانب المصري وموافقته وإلا يعد ذلك مخالفًا للشروط وانتهاكًا صريحًا للاتفاق بين البلدين.
وكانت غزة وقت توقيع الاتفاقية تحت الاحتلال الصهيوني وبالتالي شملتها الاتفاقية ويقع محور فيلادلفيا والذي يضم معبر رفح داخل هذه المنطقة.
ومع انسحاب الكيان من غزة عام 2005 بعد ما سمي بـ”فك الارتباط”، خضع المحور ومعبر رفح لاتفاقية خاصة سميت “بروتوكول فيلادلفيا” وهو لا يلغي أو يعدل اتفاقية “كامب ديفيد” والتي تحد من الوجود العسكري للجانبين في تلك المنطقة.
وبالتالي شكل دخول الدبابات الصهيونية للمحور انتهاكًا صريحًا للاتفاقية برمتها وليس لـ”بروتوكول فيلادلفيا” فقط ويشكل احتلال العدو للمحور بأي حجم للقوات خرقًا لبروتوكول ملحق بالمعاهدة أي يشكل خرقًا لها.
وقد تواترت التقارير التي تفيد بأن الوفد “الإسرائيلي” كشف خلال جولة المفاوضات في القاهرة عن رغبة “إسرائيل” بإلغاء “بروتوكول 2005” المعروف باسم “اتفاق فيلادلفيا” كما طلب الوفد إدخال تعديلات على الملاحق الأمنية للاتفاق بين مصر و”إسرائيل” الموقع عام 1979 ويتعلق الأمر بالمنطقة “د” والتي تضم المنطقة الحدودية على طول الشريط الحدودي بين مصر والنقب وقطاع غزة.
وبالتالي فإن مستقبل غزة بعد الحرب في التصور الصهيوني هو في السيطرة والاحتلال بمنطق الأمر الواقع والإذعان حتى مع من وقع معهم اتفاقيات مزعومة وذلك عبر إجبارهم على تعديلها وفقاً لمصالحه.
ما المطلوب من مصر لخدمة الأمن القومي الأمريكي؟
يبدو أن المطلوب من مصر أمريكيًا هنا هو التجاوب والمشاركة في مشروع مستقبل غزة وفقًا للسيناريوهات “الإسرائيلية” والأمريكية ومن أمثلة ذلك ما أشارت إليه تقارير صهيونية بطلب موافقة مصر والإمارات على المشاركة في قوات دولية في غزة ضمن ترتيبات “اليوم التالي”.
كما أن المطلوب هو عدم تصعيد مصر وعدم استخدام أي وسائل للضغط من نوعية وقف التنسيق الأمني أو تجميد التطبيع مع الكيان أواستدعاء السفير المصري من “تل أبيب” أو اللجوء للتحكيم الدولي لانتهاك اتفاقية “كامب ديفيد”.
كما يبدو أن المخطط أمريكياً هو بعض مما أشارت إليه تسريبات تفيد بإمكانية موافقة مصر على احتلال المحور والمعبر ولو تحت عنوان السيطرة مرحلية والتكيف مع ذلك مقابل دعم أميركي وإماراتي، ومنح القاهرة امتيازات سرية عسكرية واقتصادية وتنسيق أمني واستخباراتي على أعلى مستوى في ما يتعلق بإدارة الممر.
ما الأهداف الأمريكية المستنتجة من هذه الخطوة؟
نستطيع استنتاج بعض دلالات هذه الخطوة الأمريكية ربطًا بما سبق:
- تثبيت اتفاقية “كامب ديفيد” عبر الالتزام بكامل المبلغ المنصوص عليه ب”المعونة”، وهو نوع من أنواع تحفيز مصر على الالتزام بها مهما كان حجم الانتهاكات الصهيونية.
- إحراج مصر بوصفها شريكاً وربط “المعونة” بوساطتها، وبالتالي دفعها للقبول بالانتهاكات الصهيونية حتى لا تبدو هي المعرقل لنجاح المفاوضات.
- وربما يكون من ضمن الأفكار الأمريكية هو تحرير مصر من فزاعة حقوق الإنسان والتشجيع على حظر وقمع أي تظاهرات او احتجاجات مناصرة لغزة.
المصدر: https://2h.ae/ymaY