المصريون يثورون عبر خطوط الكهرباء

صدرت في مصر فتوى مثيرة للجدل، تعطي الضوء الأخضر للمصريين لسرقة الكهرباء ومياه الشرب والغاز وغيرها من المرافق العامة بحجة ارتفاع الأسعار والتضخم وزيادة الضرائب.
أثارت فتوى عالم الأزهر الشيخ إمام رمضان إمام “اسرقوا منهم يرحمكم الله” تساؤلات مثيرة للجدل حول حق الناس في الاستفادة من موارد الدولة، دون دفع فواتيرهم، كوسيلة احتجاج وعصيان مدني ضد سياسات الحكومة المشكوك فيها. هذه السياسات لا تأخذ في الاعتبار حقيقة أن المصريين مثقلون بالفقر وتدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية، فضلاً عن انخفاض الأجور وانخفاض قيمة العملة المحلية.
ورغم قرار الأزهر بإيقاف أستاذ العقيدة والفلسفة عن العمل لمدة ثلاثة أشهر أو حتى انتهاء التحقيقات، إلا أن مقطع الفيديو لفتواه انتشر على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي. ويتفق معه بعض المصريين، ويختلف معه آخرون.
وفي فيديو ثانٍ، تساءل الشيخ بصوت عالٍ عن من يسرق من الناس، ومن يحل الحرام ويحرم الحلال، ومن يجعل الشعب المصري يعيش في بؤس وشقاء، ومن يرفع الأسعار آلاف المرات فوق قدرة الشعب على الدفع، ومن أذل الشعب وسرق طعامه ومدخراته ومعادنه الثمينة؟ من فعل كل ذلك، ثم جاء ليخبرنا أننا فقراء جدًا؟ كل ذلك كان موجهًا بالطبع للرئيس عبد الفتاح السيسي.
وأكد الإمام أنه يتحمل مسؤولية فتواه أمام الله، مقدمًا عدة مبررات لدعم رأيه الشرعي. وأوضح: “بما أن الحكومة تسمي استرداد الحقوق سرقة، فأنا أقول لكم: نحن نسرق ممن سرق منا. اسرقوا حقكم ممن أحلوا الحرام وحرموا الحلال. إنهم يضيئون كل الأضواء في العاصمة الإدارية ولا يدفعون شيئًا”. “وأضاءوا مقار الدفاع والمشاة والجيش وكل الأندية التابعة للقوات المسلحة والشرطة، ومع ذلك فهم لا يدفعون للدولة جنيها واحدا مقابل استهلاكهم”.
ورد على الإمام نائب رئيس جامعة الأزهر الدكتور محمود صديق، أن الجامعة لا تؤيد فتواه، التي زعم أنها بعيدة كل البعد عن تعاليم الإسلام.
وأكدت دار الإفتاء المصرية، الجهة الرسمية لإصدار الفتاوى: “يُحرم شرعا الاستفادة من موارد الدولة، مثل المياه والكهرباء، بالاحتيال أو بأي وسيلة غير مشروعة حتى لا يدفعوا الفواتير”. وأضاف البيان على فيسبوك أن هذا يشكل سرقة، واستيلاء على أموال الناس بغير حق، وإضرارا بالمصلحة العامة، وانتهاكا للنظام، وخيانة الأمانة، ومخالفة الحاكم الذي أمرت الشريعة بطاعته.
وهاجمت وسائل الإعلام المصرية إمام بشدة، واتهمته بالتحريض ضد السلطات، وزعمت أنه غير مؤهل للتدريس أو الإفتاء. ومع ذلك، تمسك الرجل بفتواه، بل وتحدى الأزهر ومفتي مصر بمناظرة عامة لإثبات رأيه بالحجة والدليل.
وحظي إمام بدعم علني من الصحفي المصري محمد القدوسي، الذي أعلن في مقطع فيديو أن الفتوى تتفق مع حكم ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب، الذي لم يعاقب من أجبره الجوع على السرقة، بل عاقب من أجوعه في المقام الأول. وأضاف أن هذا، قياسا على ذلك، يسمح بأخذ الكهرباء، التي تحتكرها الحكومة وتبيعها للناس بأسعار مرتفعة لا يستطيعون تحملها.
الفتوى تحتوي على قدر محدود من العصيان المدني، على أساس ديني، يسمح بالوقوف في وجه الظالم واستعادة الحقوق منه. وهذا ما يجعل الفتوى أكثر خطورة، حيث قد تجد قبولاً بين الفئات المهمشة التي تقع تحت خط الفقر وتقمع غضبها تجاه سياسات السيسي.
وفقًا للباحث السياسي أنس المصري، فإن فتوى الإمام لها بعض الشرعية، وهو يستند في رأيه إلى أمرين: الارتفاع المبالغ فيه في أسعار الكهرباء وانقطاع التيار الكهربائي الذي يعطل الحياة اليومية للناس.
إنها تنبع من الوضع السائد، حيث لم يعد معظم الناس قادرين على تحمل الفواتير بسبب التضخم المتصاعد غير المسبوق في مصر.
وبحسب بيانات البنك الدولي في عام 2019، يعيش أكثر من 30% من المصريين تحت خط الفقر، في حين أن 60% إما فقراء أو معرضون لخطر الفقر. ويتوقع الخبراء أن يزداد عدد الفقراء في مصر، مع تأثر الطبقة المتوسطة بقرارات الحكومة المستمرة بتحرير سعر صرف العملة المحلية. وقد أدى ذلك بالفعل إلى انهيار الجنيه المصري من 18 إلى 49 جنيهًا للدولار الأمريكي.
كتب الدكتور نادر نور الدين، الباحث بكلية الزراعة بجامعة القاهرة، عن زيادة أسعار الكهرباء على صفحته على الفيسبوك قائلاً: “فاتورة الكهرباء الخاصة بي بعد زيادة السعر أصبحت 1630 جنيهًا (33 دولارًا)”. ويتساءل عما إذا كانت هذه الأسعار تتفق مع متوسط الدخول والرواتب والأجور.
رفعت الحكومة المصرية أسعار الكهرباء في أغسطس بنسبة 17 في المائة. وهذه هي الزيادة الثانية هذا العام، ليتجاوز إجمالي الزيادة 1300% منذ تولي السيسي السلطة في 2014.
وتشمل الزيادات الأخرى هذا العام أسعار الخبز والدواء والوقود والغاز والمياه والإنترنت وتذاكر القطارات والمترو والحافلات ورسوم الحصول على الوثائق الرسمية ونفقات المدارس والخدمات الطبية في المستشفيات الحكومية.
وقال عالم من وزارة الأوقاف، طلب عدم ذكر اسمه، إن بعض العلماء والدعاة يؤيدون فتوى الإمام لأن الأمر يندرج تحت قاعدة الحصول على الحقوق، فالدولة مسؤولة عن توفير هذه الخدمات العامة من كهرباء ومياه وغاز وإنترنت للشعب. وفي الوقت نفسه، كانت هناك اتهامات بأن الدولة تسرق حقوق الشعب، وأن واحد في المائة فقط من الشعب في مصر يتحكم في موارد وثروات البلاد، بينما يعيش 99 في المائة على الفتات.
وقال لي: “إذا كان بإمكان أي شخص الحصول على بعض حقوقه دون الإضرار بنفسه، فلا بأس من ذلك. “ولكن إذا كان ذلك سيسبب لهم ضرراً أو يدفعهم إلى مواجهة السلطات، فإنهم في حاجة إلى طاعة الحكومة ودفع ما تفرضه عليهم من ضرائب، استناداً إلى القاعدة الفقهية التي تقول إن درء المفاسد مقدم على جلب المنافع”.
هذا رقم مقلق يحمل مؤشرات على احتجاج خفي يجري ـ إن صح التعبير ـ عبر خطوط الكهرباء، إما بسرقة الكهرباء أو عدم دفع الفواتير أو اختراق عدادات الكهرباء للهروب من الفواتير المرتفعة.
في تصريحات تلفزيونية في سبتمبر/أيلول الماضي، قدر الرئيس المصري سرقة الكهرباء في البلاد بنحو مليون حادثة شهرياً. وقال في كلمته في مؤتمر “قصة وطن”، إنه منذ تولي وزير الكهرباء السابق محمد شاكر الوزارة في عام 2014، كان يرسل له تقريراً شهرياً عن حالات سرقة الكهرباء. وأضاف أنه على مدى 96 شهراً كانت هناك 96 مليون حادثة سرقة كهرباء.
قبل نحو ثلاث سنوات، كُشف النقاب عن قيام صاحب مصنع في محافظة كفر الشيخ بحفر نفق تحت أحد المحولات الكهربائية لسرقة الكهرباء وتغذية مصنعه بالطاقة، بقيمة تقدر بنحو 14 مليون جنيه (285 ألف دولار).
ويعتقد أحد القيادات النقابية، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن القواعد الصارمة التي يفرضها النظام تمنع العصيان المدني الكامل. إلا أنه حذر من أن فرض المزيد من الضرائب قد يدفع الناس إلى مواجهتها بطريقة مختلفة. وقد ينطوي هذا على معادلة تقول إن ما تحصله الدولة من الناس بالقوة هو حق لهم مغتصب ، وبالتالي يتعين عليهم استرداده بأي وسيلة.
وقد تفتح فتوى “اسرق منهم يرحمك الله” الباب في مصر لشكل من أشكال العصيان المدني الذي قد يتسع نطاقه بمرور الوقت للسماح للناس بالحصول على ما يرونه حقوقهم من المرافق العامة. وسوف يستخدمونه كوسيلة لمواجهة نظام شمولي بقيادة الجنرالات اتهم بإفقار المصريين عمداً.