124739

استراتيجية قطر واضحة: إثارة المشاكل وزعزعة الاستقرار، ثم تقديم نفسها كحلٍّ للفوضى والموت الذي تُسببه. الدوحة ليست شرًا لا لزوم له فحسب، بل هي شرٌّ مُدمِّرٌ تمامًا.

لقد رسّخت قطر مكانتها كلاعبٍ رئيسيٍّ على رقعة الشطرنج الجيوسياسية في الشرق الأوسط، مُقدّمةً نفسها كجسرٍ بين الغرب وأكثر اللاعبين إثارةً للجدل في المنطقة. ومع ذلك، فإنّ اعتبار هذه الإمارة الصغيرة “شرًّا لا لزوم له” للدبلوماسية الدولية أمرٌ مُشكِلٌ للغاية.

بعيدًا عن كونها وسيطًا محايدًا، تلعب قطر لعبةً ذات وجهين: فهي تُوطّد علاقاتها مع القوى الغربية، بينما تُموّل وتحمي الجماعات التي تُزعزع استقرار المنطقة، وتتلاعب بالصراعات، ثم تُقدّم نفسها كمُنقذٍ لها.

ومثل جميع المُتلاعبين، لدى قطر هدفٌ واضح: زعزعة استقرار الغرب على المدى الطويل، وتقويض قيمه وهياكله الديمقراطية باستراتيجيةٍ صبورةٍ ومدروسة. هذا الطموح، إلى جانب سجلّها الحافل، يُشكّك في فكرة أنّ الاعتماد على الدوحة أمرٌ لا مفرّ منه. من جهة، تحافظ قطر على علاقات استراتيجية مع الغرب. فهي تستضيف القاعدة العسكرية الأمريكية في العديد، إحدى أهم القواعد في المنطقة، وقد وقّعت اتفاقيات تجارية ودفاعية مع دول مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا. هذه العلاقة تمنحها مظهر الحليف الموثوق، والشريك الذي يوفر الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط المتقلبة.

حتى أن قطر عرضت مؤخرًا على الحكومة الأمريكية طائرة فاخرة. نفى الرئيس ترامب أن تكون هذه هدية شخصية، بل تبرعًا لوزارة الدفاع. على أي حال، هذه محاولة للتأثير على واشنطن.

تمويل قطر للجماعات الإرهابية

تُتهم قطر منذ سنوات بتمويل جماعات إرهابية، بما في ذلك تنظيم القاعدة، وداعش، وجبهة النصرة، وحماس، وجماعة الإخوان المسلمين، وهي منظمة إسلامية متطرفة ذات نفوذ في العديد من الدول العربية.

علاوة على ذلك، فإن دعمها المالي واللوجستي لحماس ليس سرًا. لم تكتفِ الدوحة، ولا تزال، بتوفير ملاذ آمن لقادة تلك المنظمة الإرهابية، بل ضخّت ملايين الدولارات إلى الجماعة، بزعم تقديم مساعدات إنسانية في غزة، وهو ما عزز قدرتها العسكرية عمليًا.

وقضية عيدان ألكسندر، الرهينة الأمريكي الإسرائيلي الذي أُطلق سراحه مؤخرًا بعد سلسلة من المفاوضات بوساطة قطرية، تُجسّد هذا النفاق بجلاء. فقد صوّرت الدوحة نفسها على أنها وسيط لإطلاق سراحه وللسلام. لكن هذه الرواية تتجاهل حقيقةً جوهرية: أن اختطاف ألكسندر على يد حماس كان ممكنًا، جزئيًا، بفضل الدعم المالي والسياسي القطري للجماعة. إنها أشبه بمُشعل حريق يطالب بالامتنان لإطفائه جزئيًا للحريق الذي أشعله.

قطر ليست وسيطًا محايدًا؛ بل هي طرف يُسهم في خلق الصراعات، ثم تتدخل لكسب النفوذ وتجنب استهداف الغرب لها.

استراتيجية قطر واضحة: إثارة المشاكل ثم تقديم نفسها كحل. لقد أجّج دعمها لجماعة الإخوان المسلمين وحماس حالة عدم الاستقرار في مصر وليبيا وسوريا وغزة، حيث أطلقت هذه الجماعات العنان للعنف والاستقطاب.

التمويل القطري في الجامعات الأمريكية

وخارج نطاق الشرق الأوسط، استُهدفت قطر بتمويلها احتجاجات مؤيدة لحماس ورواية معادية لإسرائيل في جامعات الولايات المتحدة.

تلقّت هذه المظاهرات المعادية للسامية، التي تعرّض فيها الطلاب اليهود للمضايقة والاعتداء، دعمًا ماليًا ولوجستيًا من شبكات مرتبطة بالدوحة، مُتخفّيًا في صورة منح، بهدف تضخيم الروايات المعادية لإسرائيل والغرب.

هذا التمويل السري جزء من استراتيجية أوسع لزعزعة استقرار الغرب، ليس من خلال المواجهة المباشرة، بل من خلال التآكل البطيء والمتعمد لمؤسساته وقيمه. تأخذ قطر وقتها، وتعمل بصبر لتعظيم نفوذها مع تقليل الانتقام إلى أدنى حد.

شرٌّ لا طائل منه

هذه اللعبة التلاعبية تسمح لها بالبقاء في قلب المشهد الجيوسياسي، متجنبةً عواقب دورها في تمويل الإرهاب. يقع المجتمع الدولي، وخاصة الغرب، في هذا الفخ بمعاملته قطر كشر لا بد منه، كحليف “غير كامل” ولكنه مفيد في منطقة تسودها الفوضى.

والحقيقة هي أن الاعتماد على قطر يُديم دوامة العنف وعدم الاستقرار. فتمويل الدوحة لجماعات مثل حماس وحركات تُثير الإرهاب وتسعى إلى زعزعة الاستقرار، لا يقتصر على النزاعات المطولة، بل يتسبب في معاناة وموت آلاف الأشخاص.

بدلاً من اعتبار قطر شرًا لا بد منه، ينبغي على المجتمع الدولي الضغط من أجل محاسبتها على تعاملها المزدوج. وهذا يتطلب فرض عقوبات أشد، وتدقيقًا دقيقًا في تدفقاتها المالية، وإعادة تقييم دورها كوسيط.

لا ينبغي مكافأة قطر على إخمادها المتردد للحرائق التي تُساهم في إشعالها. إن استراتيجيتها في التلاعب، متخفيةً وراء ستار الدبلوماسية، ليست غير أخلاقية فحسب، بل تُقوّض أي فرصة لسلام دائم في الشرق الأوسط، وتُهدد استقرار الغرب. لقد حان الوقت للتوقف عن اعتبار الدوحة شرًا لا بد منه، والبدء في التعامل معها على حقيقتها: طرف يزدهر على الفوضى التي تُغذيها، بهدف إضعاف العالم الحر من الظل.

يجب على الغرب الضغط على قطر للانضمام إلى اتفاقيات إبراهيم وتطبيع علاقاتها مع إسرائيل ووقف تمويلها ودعمها للإرهاب، وإلا ستواجه العواقب الوخيمة التي تواجهها إيران اليوم.

حاليًا، قطر ليست شرًا لا داعي له فحسب، بل هي شرٌّ مُدمّرٌ بكل معنى الكلمة.

المصدر: https://voz.us/en/opinion/250514/24549/qatar-an-unnecessary-evil.html#google_vignette