هذه لحظة الحساب الأخلاقي في غزة

لم تعد حالة الطوارئ الإنسانية الشاملة في غزة تلوح في الأفق. إنها واقعة، وهي كارثية.
مرّ أكثر من شهرين منذ أن قطعت إسرائيل جميع المساعدات الإنسانية والإمدادات التجارية عن غزة. سلّم برنامج الغذاء العالمي آخر مخزوناته من الغذاء في 25 أبريل/نيسان. يعيش مليونا فلسطيني في غزة، نصفهم تقريبًا من الأطفال، على وجبة واحدة كل يومين أو ثلاثة أيام.
في العيادات المؤقتة التي تديرها منظمتي الإغاثية، “المساعدة الأمريكية للاجئين في الشرق الأدنى”، تتزايد علامات المجاعة المطولة بشكل مُقلق. في الأيام العشرة الماضية، بدأ فنيو مختبراتنا باكتشاف الكيتونات، وهي مؤشر على المجاعة، في ثلث عينات البول التي تم فحصها، وهي المرة الأولى التي نشهد فيها مثل هذه الحالات بأعداد كبيرة منذ أن بدأنا إجراء الفحوصات في أكتوبر/تشرين الأول 2024. لقد استنفدت مخزونات الغذاء والوقود والأدوية أو شارفت على النفاد.
كل ساعة هي سباق مع الزمن – ولكن بدون الوصول والإرادة السياسية اللازمتين لإيصال المساعدات، وإنقاذ الأرواح، وإنهاء المعاناة التي لا تُوصف، فإن أيدينا مكبلة.
هذا هو أطول حصار شامل متواصل عانته غزة خلال الحرب. تستغل إسرائيل الآن المساعدات علنًا كأداة حرب؛ وقد أعلن كبار المسؤولين الإسرائيليين عن نيتهم استخدام التجويع كتكتيك للضغط على حماس لإطلاق سراح الرهائن المتبقين – في انتهاك واضح للقانون الدولي. يخشى العديد من الفلسطينيين أن يكون ذلك أيضًا جزءًا من خطة لطردهم من غزة، وتحذر منظمات الإغاثة من أن الفلسطينيين قد ينتهي بهم الأمر في “ظروف احتجاز فعلية”.
إن الحصار الإسرائيلي – وما يحيط به من تأخيرات متعمدة ومنع وإجراءات أمنية مفرطة – ليس مجرد فشل لوجستي، بل هو نظام حرمان مُدبّر. أثبت وقف إطلاق النار قصير الأمد في يناير أنه غير كافٍ لتلبية الاحتياجات الإنسانية. ازدادت المساعدات بدءًا من 19 يناير، لكنها انقطعت تمامًا بحلول مارس. إن نية استخدام الجوع كوسيلة ضغط واضحة، وهي غير مقبولة.
مع تناقص مخزونات الغذاء، يدعو قادة، بمن فيهم الرئيس ترامب ورئيس الوزراء الكندي الجديد وحلفاء إسرائيل في أوروبا وحول العالم، إلى الاستئناف الفوري للمساعدات الإنسانية. إلا أن كلماتهم لم تزد عن كونها مجرد كلام فارغ، مُتجاهل. يوم الأحد، أقرّ مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي خططًا لتصعيد حملته العسكرية على غزة.
وبالمثل، وهو أمرٌ يُنذر بالسوء للفلسطينيين، أقرّت إسرائيل أيضًا خطةً لترسيخ سيطرتها على المساعدات، من خلال مراكز أقامتها إسرائيل، وتتولى شركات خاصة مسؤولية الأمن فيها. ويبدو هذا جزءًا من جهد أوسع يشمل استمرار إغلاق معبر غزة مع مصر، وحظر وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، المصدر الرئيسي للدعم الإنساني للفلسطينيين. كما أن تضييق الخناق على المساعدات من شأنه أن يُقوّض الجهود الإقليمية التي تقودها الدول العربية لتحقيق تعافي وإعادة إعمار حقيقيين، وذلك من خلال تجاهل أو تأجيل خطط الأمن والحوكمة المجدية والمشروعة. ويظل الخطر على عمال الإغاثة مستمرًا. ففي مارس/آذار الماضي، قتل الجيش الإسرائيلي 14 عامل إغاثة ومسؤولًا في الأمم المتحدة. بالنسبة لمنظمتي، أصبحت الحرب مميتة في مارس 2024 عندما قتلت غارة جوية إسرائيلية زميلنا موسى الشوا وابنه الصغير. قُتل ما لا يقل عن 418 من موظفي الإغاثة الإنسانية في غزة خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية، مما يجعلها المنطقة الأكثر دموية في العالم لعمال الإغاثة.
منذ خرق وقف إطلاق النار بقصف مكثف في 18 مارس، دفع الجيش الإسرائيلي الفلسطينيين في غزة إلى جيوب أصغر فأصغر، موسعةً بذلك المناطق العسكرية أو مناطق الإخلاء “المحظورة” إلى حوالي 70% من أراضيها.
يجب إلزام إسرائيل بإنشاء ممرات إنسانية مفتوحة وآمنة. فبدونها، يستحيل توسيع نطاق الإغاثة لأن كل عملية تسليم تُمثل مخاطرة بحياة المدنيين وعمال الإغاثة. وبينما هناك حاجة ماسة إلى وقف فوري لإطلاق النار وتدفق للمساعدات، فإن ذلك لن يكون كافياً.
يجب أن تكون هناك خطة، ليس فقط للإغاثة، بل للإنعاش أيضاً، وهو ما لا يمكن أن يحدث في منطقة حرب أو تحت حصار دائم. إن الإنعاش الحقيقي يتطلب اتفاقاً سياسياً يضمن الوجود الفلسطيني والأمن وحق تقرير المصير. إن وصول المساعدات الإنسانية ليس مجرد ضرورة أخلاقية، بل هو شرط أساسي لأي أمل في مستقبل أفضل.
تخيلوا غزة حيث تُعاد بناء المنازل، وتتدفق المياه النظيفة، ويعود الأطفال إلى المدارس، وتتمكن العائلات من حصاد قوتها من أرضها. قد تبدو هذه الرؤية بعيدة المنال بعد عقود من الاحتلال العسكري الإسرائيلي والحصار والحروب المتكررة التي ألحقت أضرارًا بالغة بالبنية التحتية والخدمات الأساسية.
لكننا ساهمنا في تحسين حياة الفلسطينيين في غزة من قبل، ويمكننا فعل ذلك مرة أخرى. ما يعيق ذلك ليس القدرة، بل السياسة المتعمدة التي تعيق الوصول إلى الكرامة الإنسانية الأساسية.
عندما نتحدث عن السلام، لا بد أن نسأل: أي مستقبل نتخيله إذا تُرك شعب بأكمله يعاني من المجاعة؟ لن يكون الإسرائيليون أكثر أمانًا طالما بقيت غزة تحت الحصار. السلام المستدام لا يُبنى بالهيمنة، بل بالكرامة والحرية والفرص والأمن المتبادل.
هذه لحظة الحساب الأخلاقي. هل سيكون العالم متواطئًا في انهيار غزة، أم جزءًا من تعافيها؟
المصدر: https://www.nytimes.com/2025/05/06/opinion/gaza-israel-aid-starvation.html