كيف يمكن لترامب أن يعيد تشكيل الشرق الأوسط

FILE PHOTO: Republican presidential nominee and former U.S. President Donald Trump campaigns at Dorton Arena, in Raleigh

FILE PHOTO: Republican presidential nominee and former U.S. President Donald Trump gestures during a campaign event at Dorton Arena, in Raleigh, North Carolina, U.S. November 4, 2024. REUTERS/Jonathan Drake/File Photo

إذا كان بوسعه تحقيق هدفين ملموسين، فإن العديد من الأشياء تصبح ممكنة.

لقد لاحظ الجنرال البروسي والمنظر العسكري كارل فون كلاوزفيتز أن الحرب أداة وليست غاية. ويمكن القول إن الوسائل العسكرية تطغى على الاعتبارات السياسية فقط في الظروف التي يخوض فيها المرء حرب بقاء.

بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، وفي ظل حالة من الصدمة التي أصابت البلاد وقيادتها وجيشها، وجد الإسرائيليون أنفسهم يخوضون حرب بقاء. وكانوا يقولون في كثير من الأحيان إنه بدون تدمير جيش حماس وضمان عدم سيطرتها على غزة، لن تتمكن إسرائيل من البقاء في جوارها. ولم تكن السياسة في مقدمة اهتماماتهم.

ومنذ ذلك الوقت، دمرت إسرائيل حماس كقوة مقاتلة واستأصلت معظم بنيتها التحتية العسكرية في غزة. ولقد تجاوزت الإنجازات العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية ما فعلته بحماس: فلم يصدق أحد خارج إسرائيل أنها قادرة على إبادة حزب الله، وقطع رأس قيادته، وتفكيك نظام القيادة والسيطرة لديه، وتدمير 80% من صواريخه. وعلى نحو مماثل، لم يتصور سوى قِلة من الناس أن إسرائيل قادرة على تدمير كل الدفاعات الجوية والصاروخية الاستراتيجية الإيرانية و90% من قدرتها على إنتاج الصواريخ الباليستية في ليلة 26 أكتوبر/تشرين الأول 2024.

وأخيرا، لم يكن أحد ليتوقع تقريبا أن هزيمة إسرائيل لحماس وحزب الله من شأنها أن تؤدي إلى تحريك هجمات هيئة تحرير الشام التي من شأنها أن تؤدي إلى الإطاحة بنظام الأسد في سوريا. وبدون سوريا، لم يعد لدى إيران ممر بري لإعادة إمداد وإعادة بناء حزب الله، جوهرة تاج “محور المقاومة”.

ونتيجة لهذا، تعرضت استراتيجية إيران لجعل إسرائيل غير صالحة للعيش ــ إحاطتها بوكلاء عنيفين عازمون على تدميرها ــ لضربة قاتلة. والاستثمار الضخم من جانب الجمهورية الإسلامية لا يسفر عن شيء. لقد غيرت الإنجازات العسكرية الإسرائيلية ميزان القوى في المنطقة بشكل جذري.

ولكن لو كان كلاوزفيتز على قيد الحياة اليوم، لكان قد تساءل كيف يمكن لهذه المكاسب العسكرية المذهلة أن تترجم إلى نتائج سياسية؟

إن إسرائيل لا تزال في غزة. ولكن بعد رفض استراتيجية الجنرال ديفيد بترايوس “التطهير والسيطرة والبناء”، فإن قوات الدفاع الإسرائيلية لابد وأن تعود إلى الأحياء في غزة مثل بيت حانون وجباليا للمرة الرابعة أو الخامسة. وفي غياب بديل لحماس ـ التي لا تستطيع إسرائيل أن تخلقها ـ فإن غزة قد تظل تشكل عبئاً على إسرائيل، وليس انتصاراً.

وعلاوة على ذلك، ونظراً للخسائر التي تكبدتها إيران والضعف الحالي الذي تعاني منه، فإن بعض الناس في البلاد يعتقدون الآن أن إيران لابد وأن تستعيد قوتها الرادعة من خلال السعي إلى امتلاك سلاح نووي. ومع تجميع إيران لمواد انشطارية تقترب من الدرجة التي يمكن استخدامها في صنع الأسلحة النووية، فإن هذا يشكل خطراً حقيقياً.

وقد تشعر إسرائيل بأنها سوف تحظى بالفرصة ـ والحاجة ـ لمهاجمة البنية الأساسية النووية الإيرانية لمنع هذا التهديد. ولكن هنا أيضاً، لا ينبغي للقوة أن تكون غاية في حد ذاتها. إن القوة قادرة على تقليص التهديد، ولكن الاستراتيجية لابد أن تلعب دوراً في إرساء واقع سياسي جديد.

إن مثل هذه الاستراتيجية لابد وأن تسترشد بهدفين ملموسين في عام 2025: لابد وأن تنهي إسرائيل الحرب في غزة، وأن تنسحب عسكرياً، شريطة إطلاق سراح الرهائن. كما لابد وأن تعمل على تقليص البنية الأساسية النووية الإيرانية إلى الحد الذي لا يصبح معه السلاح خياراً متاحاً. ولا تستطيع إسرائيل بمفردها أن تنتج أياً من هاتين النتيجتين. ولكن مع الدور الأميركي النشط، قد يتحقق كل من الأمرين، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى تحويل الشرق الأوسط.

سوف يدخل الرئيس المنتخب دونالد ترمب منصبه مع هذه النتيجة كاحتمال حقيقي. ولكنه يدخل أيضاً بشيء آخر: النفوذ. ففي بداية إدارته، سوف يخشى القادة الإسرائيليون والعرب الرئيسيون على حد سواء من تكلفة رفضه. وربما يكون هذا هو المطلوب على وجه التحديد لإنهاء الحرب في غزة بالكامل. (إن وقف إطلاق النار المؤقت واتفاق الرهائن الذي أُعلن عنه يوم الأربعاء يعكس بالفعل تأثير ترمب).

إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو متردد في الانسحاب من غزة طالما ظلت حماس مسيطرة سياسياً. في حين أن الإمارات العربية المتحدة ومصر والمغرب وبعض الدول الأوروبية ــ بدعم أميركي ــ مستعدة لإنشاء وإدارة إدارة انتقالية في غزة لتحل محل حماس، ومنع الفراغ في السلطة، واستعادة القانون والنظام، والبدء في عملية إعادة التأهيل وإعادة الإعمار. ومع ذلك، فإن هؤلاء الشركاء لن يشاركوا إلا إذا انسحبت إسرائيل. ولأنهم يريدون أن يظهروا وكأنهم ينقذون الفلسطينيين وليسوا يوفرون غطاء لإسرائيل، فإنهم يريدون أن تلعب السلطة الفلسطينية دوراً ما ــ وهو السيناريو الذي رفضه نتنياهو. ومن الممكن أن تساعد ضغوط ترمب في سد هذه الفجوة.

كما يتوق ترمب إلى رؤية المملكة العربية السعودية تطبع العلاقات مع إسرائيل. ولكن السعوديين لن يفعلوا ذلك طالما استمرت الحرب وبقيت إسرائيل في غزة. فقد أدى الموت والدمار في غزة إلى تفاقم المواقف تجاه إسرائيل في المنطقة. وسوف يحجم السعوديون عن ذلك حتى تنتهي الحرب وتبدأ عملية إعادة الإعمار.

أما بالنسبة للمسألة النووية، فإن ضعف إيران الاقتصادي، إلى جانب ضعفها العسكري، يوفر الآن لترامب نفوذاً هنا أيضاً. لا شك أنه سيمارس الضغط اقتصادياً. لكنه قد يستخدم أيضاً التهديد المحتمل باستخدام القوة الإسرائيلية ــ أو القوة الأميركية ــ لإجبار إيران على التفاوض. وقد لا يوافق الإيرانيون على تقليص حجم وطبيعة برنامجهم النووي إلى الحد الضروري من خلال المفاوضات وحدها. ومع ذلك، فإن استخدام القوة على الطاولة كنقطة انطلاق من شأنه أن يجعل الإيرانيين يدركون بوضوح شديد المخاطر إذا تحركوا نحو تطوير سلاح.

وينبغي لترامب أن يضع في اعتباره أن قضية إيران حيوية بما يكفي لكل من نتنياهو ومحمد بن سلمان من المملكة العربية السعودية بحيث يتنازل كل جانب عن أشياء أخرى كثيرة ــ بشأن غزة أو السياسة الفلسطينية من ناحية، وبشأن اعتراف السعودية بإسرائيل من ناحية أخرى. وإذا تمكن ترامب من إثبات أنه أزال التهديد الإيراني بشكل أساسي، فسوف يصبح الكثير ممكناً.

هل يستطيع ترامب أن يفعل ذلك؟ هذا ما زال يتعين علينا أن ننتظر لنرى. وإذا فعل، فمن المؤكد أن كلاوزفيتز سوف يوافق.