لماذا يستغرق تدمير حماس كل هذا الوقت؟

بعد عشرة أشهر من القتال، يتساءل كثيرون لماذا لم يتم تدمير حماس حتى الآن ولماذا لم تتحقق أهداف الحرب الإسرائيلية بالكامل بعد.
في بداية الحرب، سعى البعض في المؤسسة الدفاعية والحكومة إلى تجنب المناورة البرية في غزة. وقد قدم المسؤولون الأميركيون الذين زاروا إسرائيل نصائح مماثلة. وكانت هناك أسباب عديدة لهذا التردد، من بينها في المقام الأول الشكوك بشأن قدرة القوات البرية على العمل بفعالية في البيئة المعقدة في غزة. ورغم أن الأمر استغرق بعض الوقت لاتخاذ قرار المضي قدماً في المناورة، إلا أن القوات الإسرائيلية تصرفت بحزم بمجرد اتخاذ القرار.
ولكن مع مرور الوقت، أصبحت القيادة العليا مترددة في استخدام القوة، وفرضت العديد من القيود على القوات المتقدمة. وكان الأمر كما لو أنها تصورت الحملة باعتبارها عملية خاصة كبيرة وليس سلسلة من الهجمات التي تشنها فرق عسكرية، حيث كان من الضروري الحفاظ على مبادئ الحرب، وخاصة مبدأ الاستمرارية. ولقد أدى هذا إلى توقف العمليات بشكل متكرر، وخاصة في رفح، ويرجع هذا جزئياً إلى الضغوط الدبلوماسية من جانب الولايات المتحدة التي لم يتمكن المستوى السياسي من تحملها. ومع ذلك، فإن الافتقار إلى العزيمة المهنية بين أعلى الرتب العسكرية ساهم أيضاً في إطالة أمد الصراع بلا داع.
وهناك عامل آخر يطيل أمد الصراع ــ وهو عامل لا يزال قائماً ــ وهو قضية المساعدات الإنسانية، التي تتألف من جانبين. الأول هو نطاق المساعدات التي تدخل غزة والثاني هو كيفية توزيع هذه المساعدات. فمنذ البداية، واجهت إسرائيل ضغوطاً أميركية مكثفة لنقل المساعدات الإنسانية والوقود إلى غزة، على الرغم من علم واشنطن بأن الكثير منها سوف يصل إلى حماس ويعزز قدرتها على البقاء في أنفاق غزة. وقد أدى عجز المستوى السياسي عن تحمل هذه الضغوط إلى تقويض إحدى نقاط الضغط الرئيسية التي تمتلكها إسرائيل لتأمين عودة الرهائن وإطالة أمد بقاء حماس عسكرياً ومدنياً.
إن سيطرة حماس على المساعدات الإنسانية تمنحها مساحة للتنفس وتحافظ على نفوذها وقوتها بين السكان. ويتم تحويل بعض المساعدات إلى احتياجات المنظمة (الغذاء والوقود)، في حين تقوم حماس بتوزيع الباقي؛ وتستخدم حماس المساعدات لتجنيد عملاء جدد (من خلال تزويدهم بالطعام) وتعزيز سيطرتها على قطاع غزة وسكانه. فضلاً عن ذلك، لا يتم توزيع المساعدات بطريقة تتوافق مع الأهداف العملياتية لجيش الدفاع الإسرائيلي، الأمر الذي يؤدي إلى تعقيد الجهود الرامية إلى إجلاء المدنيين من مناطق الصراع، مثل شمال غزة، وإعاقة العمليات العسكرية. ويؤدي تردد جيش الدفاع الإسرائيلي في وقف هذا من خلال فرض حكم عسكري جزئي ومؤقت أو تحمل المسؤولية عن توزيع المساعدات إلى إطالة أمد الحرب وإعاقة قدرة جيش الدفاع الإسرائيلي على تحقيق أهدافه.
وهناك عامل آخر يساهم في إطالة أمد الصراع وهو قضية الرهائن. فقد تصرف جيش الدفاع الإسرائيلي بحذر طوال الصراع ويستمر في ذلك لتجنب إيذاء الرهائن. وقد تم حساب التخطيط العملياتي للمناورة البرية واستخدام القوة النارية لتقليل المخاطر التي يتعرضون لها. ومن المرجح أن يؤدي هذا الحذر إلى إهدار الفرص العملياتية ومن المرجح أن يستمر في التأثير على سلوك جيش الدفاع الإسرائيلي في غزة.
ولقد أدى الضغط الأميركي والدولي لتجنب العمليات في رفح وممر فيلادلفيا على طول الحدود بين غزة ومصر إلى تأخير دام نحو أربعة أشهر. وكان الدافع وراء هذا الضغط في المقام الأول هو المخاوف بشأن إلحاق الأذى بالمدنيين والإجراءات التي قد تعوق المفاوضات المحتملة بشأن الرهائن. ولكن يبدو الآن من الواضح أن هذه المخاوف كانت في واقع الأمر ذريعة للولايات المتحدة وعناصر في المجتمع الدولي لفرض وقف إطلاق النار على إسرائيل. ولقد ضاع وقت ثمين قبل أن يبدأ جيش الدفاع الإسرائيلي العمليات في هذه المنطقة في إطار صيغة مقبولة لدى واشنطن.
كما كان استعداد جيش الدفاع الإسرائيلي للصراع في غزة غير كاف. وقد تجلى هذا في عدة مجالات، بما في ذلك تعزيز القوة. وعلى مدى السنوات الأخيرة، أهمل جيش الدفاع الإسرائيلي قواته البرية، وخاصة وحدات الاحتياط، لأنه يعتقد أن الحروب يمكن كسبها بالاستخبارات والقوة النارية عن بعد والتكنولوجيا المتقدمة التي تديرها وحدات صغيرة.
لقد أدى هذا التصور إلى تحول في الموارد بعيداً عن القوات البرية نحو الاستخبارات والقوة النارية الدقيقة. ونتيجة لهذا، تم تقليص القوات البرية لجيش الدفاع الإسرائيلي، وحل الألوية المدرعة، وتقليص شراء منصات قتالية رئيسية (الدبابات وناقلات الجنود المدرعة). كما تم تقليص سلاح المدفعية والهندسة (المعدات الهندسية الثقيلة في المقام الأول) التي تشكل أهمية بالغة للعمليات البرية في المناطق المعقدة مثل غزة ولبنان. وتم تسريح عشرات الآلاف من جنود الاحتياط من جيش الدفاع الإسرائيلي، كما تم تقليص تدريب أولئك الذين بقوا بشكل كبير.
يجب أن تُقال الحقيقة: لقد فشل بعض كبار قادة جيش الدفاع الإسرائيلي في إدراك التهديد المتعدد الجبهات وبالتالي فشلوا في فهم أهمية الحفاظ على جاهزية القوات البرية، وخاصة في الاحتياطيات.
إن قضايا بناء القوة هذه والافتقار إلى القوات البرية الكافية من بين الأسباب الرئيسية لصعوبة إجراء عمليات متزامنة عبر مناطق قتال متعددة في غزة. كما ساهم الافتقار إلى الإشراف المدني من قبل المستوى السياسي على بناء قوة جيش الدفاع الإسرائيلي في ضعف استعداد الجيش.
ولقد أدى الافتقار إلى الاستعداد في التخطيط العملياتي إلى تفاقم حالة بناء القوة. وكان هذا واضحاً في منطقتين رئيسيتين: أولاً، قلل جيش الدفاع الإسرائيلي من تقدير التهديد الذي تشكله حماس، وخاصة البنية التحتية تحت الأرض وشبكة الأنفاق. وثانياً (مستمد مباشرة من الأول) كان غياب الخطط العملياتية لسيناريو مثل السيناريو الذي يتكشف في غزة ــ احتلال قطاع غزة بالكامل وتدمير حماس.
لسنوات عديدة، كانت غزة تعتبر ساحة ثانوية، حيث ركزت هيئة الأركان العامة بشكل رئيسي على الجبهة الشمالية وإيران على حساب جمع المعلومات الاستخبارية والتخطيط العملياتي والاهتمام بغزة. ونتيجة لهذا، وجد جيش الدفاع الإسرائيلي نفسه يكافح من أجل صياغة وتنفيذ مفاهيم عملياتية محدثة أثناء القتال. وقد أثر هذا الإهمال بشكل مباشر على مدة الصراع.
وأخيراً، في حين أن إطالة أمد الصراع في غزة هو نتيجة لعوامل متعددة، فإن عدم رغبة جيش الدفاع الإسرائيلي في تولي توزيع المساعدات الإنسانية، كما يقتضي القانون الدولي، هو السبب الرئيسي الذي يمنع حالياً التدمير الكامل للقدرات العسكرية والحكومية لحماس. إن المستوى السياسي يتحمل مسؤولية كبيرة عن هذا، وذلك بسبب عجزه أو عدم رغبته في مواجهة المؤسسة العسكرية وإجبارها على اتخاذ الخطوات اللازمة في المجال المدني. كما ساهمت عوامل أخرى، كما هو مفصل في المقال. إن معالجة هذه القضايا في المجال المدني أمر ضروري لإكمال تدمير القدرات العسكرية والحكومية لحماس.